فى 26 أبريل من العام الماضى، قامت قوات الأمن بإلقاء القبض على المخترع الصغير عبد الله عاصم، 17 عامًا، الذي كان من المقرر سفره إلى ولاية كاليفورنيا في الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ لتمثيل مصل في مسابقة «Intel» العالمية، بعد اختراعه نظارة تساعد مرضى الشلل الرباعي في التواصل، وفوزه بمسابقة «Intel» مصر للعلوم والهندسة في نادي العلوم والتكنولوجيا. قامت قوات الأمن بالقبض عليه، مساء الجمعة، من ميدان التحرير، وزميل له أثناء وجودهما بالميدان، ووجهت له تهمة التظاهر بدون تصريح! هكذا تُعامل أم الدنيا كل من يريد أن يجعلها حقًا أم الدنيا، وبدلًا من الاهتمام بالعلماء والمبتكرين، "خاصة صغار السن" وتوفير الموارد والإمكانيات اللازمة للبحث العلمى، وإتاحة مناخ مُناسب يُتيح لهم مزيدًا من الإبداع والابتكار، تقوم الدولة بقمعهم؛ بسبب توجههم السياسى. والنتيجة هى لجوء هؤلاء إلى الخارج، حيث الاهتمام بهم وتوفير ميزانيات ضخمة موجهة للبحث العلمى، وإتاحة مناخ مناسب لهم بعيدًا عن اضطهاد السلطة لهم. فى تقرير كتبته جريدة الشروق عن "الاتحاد العام للمصريين فى الخارج" أن تعداد المصريين العاملين فى الخارج يبلغ حاليًا 9 ملايين و750 ألف مواطن مصرى، وأن تعداد مصر فى الخارج بلغ 86 ألف عالم، وأن مصر تأتى فى المركز الأول فى عدد العلماء على مستوى العالم. وأنه يوجد في مصر 1883 عالمًا مصريًا في تخصصات نووية نادرة، وأن إجمالي مدخرات المصريين في الخارج حتى نهاية ديسمبر 2011، بلغت 147 مليار دولار، بما يمثل ضعف الاستثمارات الأجنبية الموجودة في مصر. وأن من بين المصريين في الخارج 42 عالمًا مصريًا في وظيفة رئيس جامعة، إلى جانب وزير بحث علمي، في كندا مصري الجنسية، إلى جانب وجود ثلاثة مصريين أعضاء في مجلس الطاقة الإنماني، الذي يتكون من 16 عضوًا، وكذلك يوجد 3 آلاف عالم مصري في أمريكا من كافة التخصصات. ويأتى هذا التقرير فى الوقت الذى قام فيه شاب يدعى مصطفى مجدي الصاوى، البالغ من العمر 17 عامًا، بعد اختراعه "السد العربي الذكي"، وهو عبارة عن إنتاج أكبر طاقة كهربائية متجددة على مستوى العالم، والذي حصد على المركز الأول فى الأممالمتحدة كأفضل مخترع على مستوى العالم فى لعام 2014، وحصل مؤخرًا على الميدالية الذهبية باسم الإمارات فى إحدى المسابقات العالمية، ورفع علم دولة الإمارات بعد حصوله على جواز سفر إماراتى، لكى يمثل الدولة فى المحافل الدولية، بعد تجاهل المسؤولين له فى مصر؛ لتتلقفه الإمارات ويستقبله المسؤولين ويقدموا له الدعم العلمى والمادى. عندما سُأل الدكتور عصام حجي لماذا هاجرت من بلدك؟ أجاب إن السبب الأول لسفرى خارج مصر هو البحث عن العلم، والبحث عن بيئة أستطيع أن يكون لى دور فيها، بعد أن أصبحت المنظومة الجامعية لا يجد الباحث فيها الحد الأدنى من الآدمية أو الفرصة التى تمكنه من الإبداع، وخاصة أن البحث العلمى فى مصر مع الأسف تغلغلت فيه الواسطة والمحسوبية والفساد الإداري، الذي حوله إلى منظومة لا تقدر أن تُقدم أي عطاء للمجتمع المصرى، بعد أصبحت منظومة معزولة ومهمشة. هكذا يا سادة أصبحت مصر القديمة قِدم التاريخ. تحولت من مهد الحضارة إلى وأد الحضارة والتقدم، نتيجة عقود طويلة من الفساد والتهميش وسوء الإدارة وانشغال وإشتغال حكامها بقمع شعوبها، بدلًا من استنهاض وإعادة بناءها لتخرج من المأزق بالغ الخطورة التى تعيش فيه، كانت سببًا فى هجرة العقول والمبتكرين إلى الخارج. كنت أود من أعماق قلبى أن ألقي باللوم على من يترك البلاد، وأحثه على البقاء فيها لنهضتها وتطويرها، لكن صدمتي من قسوة واقع البحث العلمى فى مصر، تحول دون ذلك، حيث يخصص له نحو 0.02% من إجمالى الدخل القومى، مقارنة ب 2.4% هى المتوسط العالمى فى هذا الشأن، ومقارنة ب 4.7% تخصصها إسرائيل للعلم. للأسف الشديد ليس لنا من الأمر شيء سوى الدعاء على هؤلاء الطغاة المستبدين، الذين أغرقوا البلاد وأكثروا فيها الفساد، وتفرغوا لسرقة ونهب أقوات هذا الشعب حتى أصبح يُضرب به المثل فى الفقر والجهل، وتزيلت مصر فى عهد هؤلاء الطغاة ذيل القوائم العالمية فى جميع المجالات، والسبب فى ذلك أن كل نظام يأتى لحكم هذه البلاد، يهتم فقط بتشريع القوانين التي تخدم صالحه الشخصية وبقائه فى السلطة، دون الاكتراث برخاء شعبه، وإتاحة الفرصة لأبناء هذا الشعب لكى ينهضوا بها، حتى أصبحت مصر طاردة للنوابغ والعباقرة، واستطاعت بسياسة حُكامها الطغاة أن تطرد 86 ألف عالم من أرضها لمختلف دول العالم؛ لتسجل بذلك المركز الأول فى عدد العلماء المهاجرين على مستوى العالم.