تعتبر "زنقة الستات" أشهر شارع في الإسكندرية القديمة بمنطقة المنشية، وربما ارتبطت بأشهر سيدتين لهما تاريخ إجرامي ليس على مستوى مصر فقط، بل على مستوى الشرق الأوسط ككل، هما "ريا وسكينة"؛ لكونهما استدرجتا كل ضحاياهما من النساء في هذا الشارع الذي تباع فيه كل متعلقات النساء من ملابس مزركشة وإكسسورات وأقمشه حريرية وحلى وغيرها. تصحب "البديل" قراءها في رحلة تاريخية قصيرة حول هذا الشارع الذي ساهمت السينما المصرية بشق كبير في شهرته من خلال الأعمال الفنية، وأشهرها فيلم "زنقة الستات" الذي جسدت فيه دور البطولة فيفي عبده، وأيضًا فيلم "صايع بحر" للممثل أحمد حلمي وياسمين عبد العزيز والمسرحية الشهيرة "ريا وسكينة" بطولة شادية وسهير البابلي وعبد المنعم مدبولي. يرجع هذا الشارع إلى القرن الماضي في عهد محمد علي باشا، وكان يسمى "سوق المغاربة"؛ لهجرة التجار من بلاد المغرب العربي وتجارتهم في السجاجيد والمفروشات والخيوط، وأيضًا كان الكثير من اليهود يقطنون في هذا الشارع، واشتهروا بتجارة الخيوط، وكذلك الليبيون، ويُرجع البعض نشأة هذا الشارع إلى الاستعمار الفرنسي، حيث تواجد الشارع الرئيسي الذي ما زال يسمى بشارع فرنسا، الذي كان إسطبلًا للجنود الفرنسيين، و"زنقة الستات" أحد الشوارع المتفرعة من شارع فرنسا، وباقي الشوارع أيضًا لها شهرتها، كشارع الصاغة الذي يمثل أضخم سوق للذهب بالإسكندرية، وسوق الخيط الذي يباع فيه أجود أنواع الخيوط والأقمشة، وسوق العطارين وهو أكبر تجمع لبيع العطارة والأعشاب، وبهذا يصبح شارع فرنسا بكل أسواقه أكبر سوق مجمع بالإسكندرية، يشمل متطلبات الأسرة الإسكندرية كافة. يوجد العديد من المباني الأثرية ب"زنقة الستات"، ويزيد عددها على ال55 منزلًا، كما يوجد عدد من المساجد المعلقة التي تجسد عظمة الفن والعمارة الإسلامية؛ مثل مسجد الخراطين والشوربجي وتربانة. الجدير بالذكر أن "زنقة الستات" كان يسمى بالبيت الأبيض؛ لوجود مكان به مخصص لفض النزاع بين المتخاصمين من التجار، وكان لا يخرج من ذلك المكان إلَّا بعد أن يُفَضَّ النزاع، ويصبح الطرفان متحابين، وكان قد أسسه الشيخ سيد راشد وتوارثه أبناؤه من بعده، ولا يزال هذا المكان متواجدًا حتى الآن. وعلى الرغم من تسمية هذا الشارع بزنقة الستات لضيق مساحته والزحام الشديد من رواده من السيدات، إلَّا أن كل من يعمل به هم الرجال، فمعظم أصحاب "الدكاكين" والبائعين من الرجال، ولا تجد السيدات غضاضة في ذلك، فالباعة يتمتعون بروح طيبة، وكل منهم يعرض بضاعته بأسلوب باهر، ويؤمنون بأن الابتسامة بوابة العبور لمحفظة نقود النساء اللاتي يشترين منهم بضاعتهم.