المعارضة المعتدلة، مصطلح أطلقته الإدارة الأمريكية منذ بداية الأزمة السورية، لكنها لم تحدد به فصائل سورية بعينها، وهو الأمر الذي فضحه التدخل العسكري الروسي في سوريا، فمنذ بداية هذا التدخل طلبت موسكو من الأطراف الغربية تحديد الفصائل التي يمكن تصنيفها تحت مصطلح "المعارضة المعتدلة" حتى لا تطولها الغارات الروسية، لكن الأطراف الغربية لم تستطع تحديد أي من الفصائل وهو ما دفعها إلى إحكام الصمت. الصمت الغربي لا يمكن تفسيره إلا بأنه عجز عن تحديد فصائل مقاتله محددة يمكن إدراجها تحت مسمى "المعارضة المعتدلة"، وهو ما يدفع إلى التساؤل هل أمريكا لا تعلم بالفعل ما هي المعارضة المعتدلة؟ وإذا كان الجواب أنها حقًا لا تعلم، إذن فما هي الجماعات أو التنظيمات التي طالما دعمتها أمريكا في سوريا بالأموال والسلاح والتدريبات؟، وإن كانت تعلم معنى المصطلح الذي اطلقته، فلماذا تمتنع عن التصريح بأسماء الجماعات أو التنظيمات المعتدلة حتى من باب حمايتها من القصف الروسي؟ أم أنها تعلم وتخشى التصريح، لإدراكها بأن المصطلح هذا يضم في طياته جماعات إرهابية وليست معارضة معتدلة. الدعم الأمريكي لما يسمى "المعارضة المعتدلة" لم يتوقف منذ اللحظة الأولى للأزمة السورية، حيث بدأ سرًا ثم انتقل من السر إلى العلانية من خلال إعلان البنتاجون الأمريكي تحضير برامج تدريب ودعم ل"المعارضة المعتدلة"، ومع ظهور فشل برامج التدريب وإقرار وزارة الدفاع الأمريكية بذلك، بدأت واشنطن إلقاء الذخيرة والإمدادات العسكرية على "المعارضة المعتدلة" جوًا من الطائرات الأمريكية وهو ما أطلقت عليه "الإسقاط الجوي"، وهو الأمر الذي لم يلبِ تطلعات الأخيرة في إطالة أمد النزاع بسوريا، فاتخذت مؤخرًا قرار بإرسال قوات أمريكية خاصة إلى سوريا لدعم وتدريب "المعارضة المعتدلة" على الأرض دون خوض المعارك معها، وعززت قرارها هذا بنية الجيش الأمريكي تقديم أسلحة إضافية لقوات "المعارضة السورية" التي تقاتل تنظيم "داعش". في إطار محاولة روسيا جمع شمل الأطراف السورية التنازعة على طاولة حوار واحدة، وبعد انتهاء اجتماعين في فيينا بين الأطراف الدولية الإقليمية دون تحقيق نتيجة حقيقية، بدأت تتعالى الأصوات المطالبة بوجود "المعارضة المعتدلة" والحكومة السورية على طاولة واحدة، ومن هنا حملت روسيا على عاتقها محاولة استكشاف ماهية هذه الجماعات المعارضة، حيث اتفقت الخارجية الروسية مع المبعوث الأممي "ستيفان ديمستورا" على الاتصال بطيف واسع من جماعات المعارضة، في محاولة منها للحصول على لائحة للجماعات الإرهابية والجماعات المعتدلة من الدول الداعمة لهذه الجماعات. وفي هذا الشأن قال وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" إنه يجب التوصل إلى فهم مشترك لهوية "المعارضة المعتدلة" التي يمكن أن تصبح شريكاً في التفاوض مع الحكومة السورية، وأكد "لافروف" أن بلاده تتفق مع "دي ميستورا" على ضرورة الحوار السوري الشامل من دون محاولات احتكار حق المعارضة في التمثيل. وكانت الخارجية الروسية كشفت أنها قدمت إلى شركائها في مباحثات فيينا بشأن سوريا قائمة تضم أربعين تنظيماً معارضاً باستطاعتهم المشاركة في التسوية السياسية للأزمة السورية، وأوضحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية "ماريا زاخاروفا"، أن القائمة المذكورة غير متطرفة وغير إرهابية. من جانبها اعترضت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية "إليزابيت ترودو" على دعوة "ميخائيل بوغدانوف" لاجتماع ممثلين عن المعارضة والنظام في موسكو، حيث رأته "مبكرًا وسابق لأوانه". وعلى صعيد متصل؛ أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن موسكو لم تعتبر أبدًا كل المعارضين للحكومة في سوريا "إرهابيين"، مؤكدة تكثيف الاتصالات مع مختلف جماعات المعارضة السورية بعد لقاء فيينا، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية "ماريا زاخاروفا"، "نتعامل مع طائفة واسعة من جماعات المعارضة السورية"، مشيرة إلى محاولات إجراء اتصالات مع "الجيش الحر"، وأضافت أن قائمة جماعات المعارضة السورية التي أعربت موسكو استعدادها للحوار معها، والتي نشرت سابقًا في وسائل الإعلام، تعكس نتائج الاتصالات السابقة للجانب الروسي، مؤكدة استعداد موسكو للحوار مع مختلف تنظيمات المعارضة السورية المعتدلة وانفتاحها على مناقشة اقتراحات جديدة، وأكدت "زاخاروفا" أن دمشق على علم باتصالات العسكريين الروس مع المعارضة السورية. وقالت إن الحكومة السورية أكدت استعدادها للمشاركة في اجتماع مع ممثلي المعارضة السورية تحت إشراف الأممالمتحدة، وأشارت المتحدثة باسم الخارجية الروسية إلى أن موسكو حاولت في وقت سابق الحصول على المزيد من المعلومات حول "الجيش الحر" من شركائها الغربيين، وتحاول الآن إقامة اتصالات مباشرة مع هذا التنظيم بعد عدم تلقيها أي معلومات عنه من الدول الغربية.