يحتاج تحقيق الأمن الغذائي إلى إجراء إصلاحات داخلية تتماشى مع المتغيرات الدولية، في إطار استراتيجية موحدة تجمع كل الدول العربية، وتعمل على خفض الفجوة الغذائية بها من ناحية، وتزيد من قدرتها على المنافسة الخارجية من ناحية أخرى. قضية الأمن الغذائي ليست قطرية، فالمشكلة تواجه جميع الدول العربية، وأصبح التكامل الزراعي العربي ضرورة ملحة يجب الإسراع في خطواتها لحماية الأمن الاقتصادي والغذائي العربي، مع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى كالاتحاد الأوروبي. يقول الدكتور علي إبراهيم، خبير التنمية الزراعية، إذا واكب الإنتاج الزراعي التزايد في الطلب عليه، لما وجدت أزمة الغذاء، فالدول العربية مجتمعة تملك كل المقومات التي تمكنها من بناء قاعدة زراعية قوية تكفل لها تحقيق نسب عالية من الاكتفاء الذاتي للعديد من السلع الغذائية التي تحتاجها، كما أن الوطن العربي لديه من الموارد الكثير في الإنتاج الحيواني، وكميات لا بأس بها من موارد الإنتاج السمكي، والتى تتطلب ضرورة حسن استغلالها بما يكفي لتحقيق الأمن الغذائي للشعوب العربية. ويشير "إبراهيم" إلى أن تحقيق الأمن الغذائي العربي يتطلب ضرورة الإسراع في إصلاح السياسات الاقتصادية بالقطاع الزراعي وضرورة التشجيع على إقامة المشروعات الزراعية الكبيرة المشتركة بين الدول العربية، مؤكدا أن أسلوب المشروعات المشتركة أداة فعالة لتهيئة المناخ لكي يقوم القطاع الخاص العربي بدور فعال لتيسير انتقال عناصر الإنتاج، خاصة عنصري العمل ورأس المال. ويؤكد خبير التنمية على أن الحاجة أصبحت أكثر إلحاحاً لتغيير وجه الزراعة العربية بشكل جذري والاستفادة من التقدم التكنولوجي في مختلف المجالات "الهندسة الوراثية، وتكنولوجيات الري الحديث والزراعة المحمية، والتكنولوجيا الحيوية، والتكنولوجيا الميكانيكية والكيميائية" وغيرها في تطوير وزيادة الإنتاج الزراعي العربي، والأمر يتطلب ضرورة العمل على إنشاء وتطوير المعاهد البحثية العربية حتى يمكن تكوين قاعدة تكنولوجية عربية تساهم في الإنتاج الغذائي عامة والزراعي خاصة. وأوضح ابراهيم أن تحقيق الأمن الغذائي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن المائي، حيث يعاني حالياً الوطن العربي من عجز في الموارد المالية التى لا تكفي لتلبية الاحتياجات الاستهلاكية، بالإضافة إلى التهديدات التي يتلقاها من خارج الحدود السياسية لأقطار الوطن العربي لتحكم الدول غير العربية في حوالى 67% من منابع الموارد المائية العربية، الأمر الذي يقتضي أن تعيد الدول العربية مجتمعة ترتيب أوراقها وتنسيق جهودها لحماية مواردها المائية وترشيد استهلاكها من ناحية أخرى. وتابع: بدراسة الفجوة الغذائية ونسبة الاكتفاء الذاتي من السلع الرئيسية "القمح، الحبوب، الزيوت النباتية، الدهون الحيوانية، السكر، الألبان، واللحوم الحمراء"، يتضح أن المشكلة في الوطن العربي بشكل عام تكمن فىي أن لإنتاج الزراعي والغذائي بصفة خاصة لا يكفي الطلب الحالي المتزايد؛ نتيجة بطء نمو الإنتاج الزراعي في العالم. ويرى إبراهيم أن الحل الأمثل لعلاج المشكلة يكمن في التعاون وتنسيق جهود كل الدول العربية مجتمعة للاستفادة من جميع موارد الإنتاج المتاحة والوصول إلى أقصى إنتاج زراعي عربي، موضحا أن اختلاف الظروف المناخية ومصادر الموارد المائية وأسلوب الإنتاج الزراعي يحقق فرصة تعدد أنواع الإنتاج الزراعي، لذلك لابد من إنشاء سوق عربية مشتركة للحاصلات الغذائية الأساسية وحمايتها من تقلبات السوق العالمية. ويلفت "إبراهيم" النظر إلى أن هناك مزايا للتنسيق والتكامل بين الدول العربية، أهمها إمكانية تطبيق مبدأ الميزة النسبية فى الإنتاج، وزيادة في الدخل القومي والدخل الفردي، وضمان تحقيق مستوى معيشة عادل للعاملين في القطاع الزراعي وتحقيق أسعار مناسبة للمستهلكين، وزيادة المهارة الفنية والتطور التكنولوجي والصناعي، وزيادة فرص تسويق المنتجات الزراعية العربية داخل أسواقها، مما يعطي فرصة لإمكانية تنويع اقتصاديات هذه الدول، وبالتالي تخفيض المخاطر الناجمة عن التخصص في إنتاج منتجات متشابهة؛ ضمانا للصمود في مواجهة التحديات.