ما زالت إفريقيا جنوب الصحراء تعيش ظروفا صعبة؛ حيث يعاني ثلث تعداد سكانها من الجوع، ويموت نحو سدس عدد أطفالها قبل سن الخامسة، برغم استمرار الزيادة السكانية في الكثير من دولها، وما زال الركود الاقتصادي وانخفاض مستويات المعيشة سائدًا في أغلب مناطقها، وهو الوضع نفسه الذي كان سائدًا منذ عقد سابق من الزمان، مما يعني إخفاق كل المحاولات التي بذلتها دول القارة، والمؤسسات المالية الدولية لرفع معدلات النمو الاقتصادي، وإنجاح تجارب التنمية، وتحسين مستويات معيشة أبناء القارة. وفي هذا السياق؛ حذر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر من أن هناك نحو 60 مليون شخص سيفقدون الغذاء هذه العام من سكان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وسيفتقرون للإنتاج الغذائي الذي سيزداد تدهورا بسبب الظواهر المناخية، ودعا الاتحاد في بيان له إلى تعزيز المساعدة للتخفيف من النقص الغذائي والاستعداد لاحتمال تفاقم الوضع بالنسبة للمزارعين، ولفت مايكل تشارلز، الممثل الإقليمي للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في إفريقيا الجنوبية، إلى أن تكرار أزمات انعدام الأمن الغذائي في إفريقيا يغرق الكثير من الناس في حالة من القنوط، مضيفا أن الوضع الذي تواجهه اليوم ملايين الأسر لا يمكن التغاضي عنه. وفي العامين 2014 و2015 ألحقت مشاكل مناخية متتالية أضرارا بالغة بالزراعات، مما دفع عددا كبيرا من الناس إلى الاعتماد على المساعدات الغذائية، وفي إفريقيا الجنوبية أدت الفيضانات وموجات الجفاف إلى خفض كبير في إنتاج الذرة التي تعد السلعة الغذائية الأساسية في المنطقة، وكذلك في الساحل وإفريقيا الشرقية أضر هطول الأمطار وبوار المحاصيل وأعمال العنف بموارد السكان الذين يعتمدون على الزارعة. ومن المتوقع أن تشتد ظاهرة نينيو المناخية التي تتسم بارتفاع درجات الحرارة في المحيط الهادىء، خلال الأشهر القليلة المقبلة وأن تستمر حتى عام 2016، خاصة وأنه من المعلوم أنها تؤثر على سقوط الأمطار مما يزيد من خطر وقوع حوادث مناخية بالغة، لا سيما وأن المركز المناخي للصليب الأحمر والهلال الأحمر يتوقعان انخفاض الفيضانات بشكل كبير في إفريقيا الإستوائية وتزايد مخاطر موجة الجفاف في بعض أجزاء إفريقيا الجنوبية ومنطقة الساحل، حيث أوضحت ميريام غروف، المكلفة بعملية الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر لمنطقة الساحل أن عائلات عديدة باتت تكتفي بوجبة يومية واحدة مؤلفة من أوراق الأشجار وأغذية بديلة أخرى قيمتها الغذائية ضعيفة جدا، أو أنها تمضي أياما عدة بدون أي وجبة بسبب نقص الأمطار، وأضافت أن هؤلاء الناس هم في أمس الحاجة للمساعدة، مشيرة إلى أنه من خلال التحرك الآن سنتمكن من المحافظة على وضعهم الغذائي، ومن تزويدهم بالأدوات والبذور الضرورية لمواجهة تدهور الوضع المحتمل خلال الأشهر المقبلة. ولتلبية الحاجات الملحة لنحو 205 آلاف شخص معرضين لخطر الجوع، أطلق الاتحاد 6 نداءات عاجلة من أجل جمع نحو 7 ملايين يورو لغامبيا وموريتانيا وملاوي وناميبيا والسنغال وزيمبابوي، حيث يهدد انتشار الجوع على نطاق واسع إفريقيا جنوب الصحراء والتنمية الاقتصادية بالمنطقة، والمفارقة الصعبة الآن أنه في ظل عالم يتمتع بفوائض غذائية، لا يزال هناك تفش للجوع وسوء تغذية في قارة تتمتع بهبات زراعية هائلة. وعلى مدى عقدين كاملين بُذلت العديد من المحاولات لاختزال الفقر في إفريقيا، إلا أنها أخفقت جميعًا في تحقيق أهدافها، واستمرت هوة الفقر التي تفصل بين القارة الإفريقية وباقي دول العالم في الاتساع؛ حيث يوجد من بين الدول الإفريقية مجموعة بلدان منخفضة الدخل، وهي الأغلبية العظمى من دول القارة السمراء ويبلغ عددها 40 دولة إفريقية. تبدو خطورة هذا الوضع إذا عرفنا أن التقديرات المعتدلة تطلب أن تحقق الاقتصاديات الإفريقية معدلات نمو لا تقل عن 7% للحد من الفقر بصورة كبيرة، وفي ظل ظروف إفريقيا الاقتصادية الحالية يعتبر هذا تحديًا كبيرًا في ضوء أهداف الألفية الجديدة، وتتلخص في اختزال الفقر والجوع، وتحقيق تعليم إبتدائي عالمي، وتطوير المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، وخفض نسبة الوفَيات بين الأطفال، وتحسين الصحة الإنجابية، ومحاربة الإيدز، والملاريا، وغيرها من الأمراض التي تتفشى في القارة، ودعم البيئة المستدامة، وتطوير شراكة عالمية للتنمية، كما أصبح الفقراء في القارة الإفريقية وخاصة في إفريقيا جنوب الصحراء، ضحايا لظروف وقوى جديدة التهمت ثمار النجاح المتواضع الذي حققته في طريق التنمية، وكان من أهم هذه الظروف الصراعات والنزاعات الداخلية، وظاهرة التهميش، والإصابة بالأمراض القاتلة، وأخيرا ظاهرة العولمة وعلاقتها بالنمو واختزال الفقر.