عام علي تشكيل التحالف الدولي: قامت حكومة الولايات المتحدة الامريكية في سبتمبر من العام الماضي بإعلان و تشكيل تحالف دولي لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي بسوريا و العراق، وضم التحالف الدولي حكومات عدِة منها (ألمانيا فرنسابريطانياإيطاليا إسبانيا كندا). اعتمدت واشنطن في إستراتيجيتها لمحاربة التنظيم الإرهابي علي محوريين أساسيين هما شنّ الغارات الجوية علي معاقل و مراكز التنظيم بالأراضي السورية و العراقية، و تدريب و تسليح المقاتلين السوريين ممن تصفهم واشنطن "بالمعارضة المعتدلة"، وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلوا في مايو الماضي أن برنامج تسليح و تدريب المعارضة السورية علي الأراضي التركية قد بدأ بالفعل، و ذلك بالتزامن مع وصول أكثر من 120 عسكري أمريكي إلي تركيا، و هم مستشارون عسكريون و رجال استخبارات. وقتها أعد العسكريون الامريكيون مقاتلي ما يعرف ب " المعارضة المعتدلة " لقتال تنظيم داعش الإرهابي و الجيش السوري علي حدِ سواء. و لكن شهدت الإستراتيجية الامريكية الاخيرة فشلاً ملحوظاً، فبدلاً من أن تؤدي ديناميكية و استراتيجية التحالف الدولي المتمثلة في الغارات الجوية إلي تقويض تنظيم داعش الإرهابي، او تحد من الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها، شهد التنظيم توسعاً كبيراً في العراق و سورياً، كان أخرها استيلائه علي الرمادي بالعراق، و مدينة تدمر الأثرية في سوريا، كما ذبح تنظيم داعش الإرهابي فور دخوله المدينة الدكتور خالد الأسعد صاحب الثمانين عاماً و الذي كان يشغل منصب مدير آثار مدينة تدمر. و فضلاً عن عدم تمثيل الغارات الجوية للتحالف الدولي تهديداً حقيقياً لعاصمة التنظيم الإرهابي بمدينة الرقة السورية و التي تعتبر منصة لإنطلاق عمليات التنظيم الإرهابي بالغرب العراقي و الشمال السوري أيضا ذهبت جهود واشنطن و تركيا في برامج تدريب مسلحي " المعارضة المعتدلة " هباءاً حيث نشرت مجلة فورين بوليسي الشهر الماضي تصريحاً لقائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال " لويد أوستن " الذي ذكر أن "مساعي واشنطن لدور فعال في سوريا على أرض المعركة أصبح درباً من الخيال ويكرس لفكرة أن السلاح الأميركي في النهاية يذهب إلى المجموعات المتطرفة، وهو ما يعري مصداقية الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب". و هو ما تم بالفعل حيث سلمت تشكيلات " المعارضة المعتدلة" التي دربتها واشنطن و تركيا سلاحها فور دخولها سوريا إلي وسيط يشتبه في إنتمائه لجبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة الذي يعد عدواً رسمياً للولايات المتحدة و التي خاضت حروباً منذ العام 2001 للقضاء عليه، و ذلك حسبما أفاد المتحدث الرسمي للقيادة المركزية الامريكية. و لم يكن ذلك الإخفاق الاول، فطبقاً لما ذكرته مجلة فورين بوليسي أن غالبية من دربتهم واشنطن و تركيا من " المعارضة المعتدلة" قد هربوا للإنضمام إلي تنظيم داعش و النصرة الإرهابيين. تلك الاخفاقات الكبيرة للإستراتيجية الأمريكية لم تكن بمنأي عن الجانب العملياتي، حيث دفعت الخلافات المحتدمة بين واشنطن و قائد التحالف الدولي الجنرال "جون آلن" إلي تقديمه لإستقالته. ترقب روسي و استغلال لفرصة سانحة: أدي الإخفاق الأمريكي لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي و زيادة تدفق أعداد مقاتليه من جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق إلي جعله عدواً لروسيا الاتحادية، مما عجل من أحتماليات توجيه ضربات عسكرية استباقية إليه قبل أن يشكل تهديداً مباشراً لروسيا، يأتي هذا بالتزامن مع رصد عناصر نشطة من تنظيم داعش الارهابي بأفغانستان في الربع الاول من العام الجاري، و هذا ما صرح به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ل صحيفة "كومير سانت الروسية" حيث قال " أن عملاء تنظيم داعش الإرهابي باتوا علي أبواب روسيا و يظهرون في أفغانستان بالقرب من حدود روسيا". مما أشار إلي إمكانية تدخل وقائي من روسيا في القريب. لم يكن الدب الروسي بالبعيد عن مراقبة الإخفاقات الأمريكية التي طالت الجانب السياسي ايضاً لأركان التحالف الدولي الذي ألغي من أجندة مفاوضاته بند وجود الرئيس الأسد علي رأس السلطة حتي من قبل تشكيل التحالف، و لكنه تخلي عن تلك النبرة في الأيام القليلة الماضية ملمحاً لموافقته المبدئية لوجود الأسد في السلطة بشكل "مؤقت" و ذلك بعد الجهود الدبلوماسية الروسية و التي تطورت إلي تدخل عسكري مباشر في فجر ال 30 من سبتمبر الماضي، استغل الروسي فشل كل المبادرات السياسية لحل الأزمة، كما استغل فشل الأمريكي و إستراتيجيته الهشّة في التعامل مع الإرهاب الدائر بسوريا. وافق مجلس الإتحاد الروسي علي طلب الرئيس فلاديمير بوتين بالتدخل العسكري المباشر في سوريا بعد أن تقدمت الحكومة السورية بطلب رسمي لذلك. فسرعان ما شكل الروسي تحالفاً كان يجري التنسيق له من شهرين، اعمدته الأساسية " إيرانالعراق سوريا " مع دعم لوجيستي محدود متمثل في الصين. بدأت المقاتلات الروسية في شنّ غاراتها التي انطلقت من قاعدة جوية باللاذقية، و حسبما أفادت وزارة الدفاع الروسية، فإن مقاتلات السوخوي الروسية قامت ب 20 غارة جوية في اليوم الأول للتدخل العسكري، استهدفت خلالهم جميع التنظيمات المسلحة علي اختلاف اسمائها و آيديولوجياتها الموجودة بين ثلاث محاور (حمص إدلب حماة)، معلنةً بذلك أن بنك الأهداف الروسي لن يضمن تنظيم داعش فحسب، مما آثار حفيظة الغرب و واشنطن بالتحديد التي تدعم بعض الفصائل المسلحة التي استهدفتها المقاتلات الروسية. بعيداً عن الأحياء المدنية . ووصلت الإتهامات إلي أن التدخل الروسي سيعزز التطرف بسوريا و سيحولها إلي افغانستان اخري.. فهل ستتحول حقاً سوريا إلي مستنقع افغاني جديد يورط أزمتها أكثر و يعيد الحليف الروسي لتكرار سيناريوهات حرب افغانستان في اواخر الثمانينات و التي ادت لكسر ظهر الاتحاد السوفيتي عسكريا و اقتصادياً و عجلت بإنهياره؟..هذا ما سنوضحه في النقاط التالية: 1 الطبيعة الجغرافية: تختلف الطبيعة الجغرافية لكل من سوريا و افغانستان، حيث تعتبر افغانستان من اكثر بلدان العالم عزلة و وُعُورة، ويندر وجود الطرق فيها كما تكثر فيها الجبال و الكهوف و الوديان مما جعل إمكانية عمل الكمائن الناجحة و توجيه الضربات المفاجئة للأرتال العسكرية كبيرة جداً و هذا ما تم مع القوات السوفيتية التي تكدبت وحداتها المدرعة و المشاة خسائر فادحة. تختلف الطبيعة في سوريا عن أفغانستان اختلافاً كلياً، فهي ليست حادة التضاريس، تحوي علي السهول المكشوفة و تمتلك شبكة طرق معقدة تمتد بطول المحافظات السورية، مما سهل علي الجيش السوري عمليات الإمداد و التموين التي نفذها طوال الأزمة و حتي الآن. 2 التقدم التقني و التسليحي واجهت روسيا المسلحين في أفغانستان بعتاد مدرع يسهل استهدافه و بمروحيات حربية من طراز (ميل مي 24) فكانت عصب القوة الرئيسية لسلاح جوها المنخرط بالعمليات آنذاك، كما ساهم تزويد المسلحين الافغان بصواريخ ستينغر المضادة للمدرعات و الطائرات علي تحقيق خسائر فادحة، فالطيران المروحي الروسي كان يحلق علي ارتفاعات منخفضة مما شكل تهديداً مباشراً لطائراته. الان شهدت موسكو تطويراً غير مسبوقاً لتسليحها، فأعتمدت في عمليات سوريا علي طرازات فائقة القدرة و السرعة من مقاتلات السوخوي بإختلاف طرازتها الحديثة، تعتبر مقاتلات السوخوي متعددة المهام بين السيادة الجوية و القصف الجراحي التكتيكي، تحلق علي ارتفاعات شاقهة تصل ل 14كلم، كما يتم تزويد صواريخها بإحداثيات دقيقة يتم توجيه بعضها عن طريق الاقمار الصناعية. فضلاً عن امتلاك موسكو لغرف عمليات مزودة بأحدث وسائل الاتصال و الرصد و الاستطلاع. مما يسهل التنسيق بين وحدات الجيش السوري في مختلف الافرع و مراكز العمليات، كما يضمن التقدم التقني لموسكو حسم الكثير من المعارك القادمة بين وحدات المدرعات و المشاة السوري و الجماعات المسلحة. 2 غطاء جوي .. و انعدام للمشاركة في العمليات لم تعلنها موسكو صريحةً بعدم مشاركتها في اي عمليات برية قادمة، لكنها أكدت أن غاراتها الجوية ضد الجماعات المسلحة في سوريا ستستمر لمدة 3 أشهر كحد أقصي، يأتي ذلك بالتزامن مع التقارير الإعلامية التي تناولت إرسال إيران لمئات من جنودها تمهيداً و استعداداً لعمليات برية وشيكة بغطاء جوي روسي. مما يرجح انعدام مشاركة الروسي براً و اكتفائه بالاسناد الجوي. الجدير بالذكر ان روسيا أعلنت عن عمليات انزال بحري لمشاة البحرية فقط لتأمين القواعد الجوية الروسية و البحرية بطول امتداد الساحل السوري. 3 خيارين وحيدين لتحالف واشنطن امام تحالف موسكو: التحالف الذي يشمل "روسيا – ايرانالعراق سوريا" سيكون مسرح عملياته ليس في سوريا فقط و انما في العراق أمنياً و معلوماتياً كذلك، حيث وصل مستشارون عسكريون روس إلي بغداد لتقديم الدعم للأجهزة الأمنية هناك للاستعداد لإستعادة المناطق التي سيطر عليها داعش، كما تجدر الإشارة ان التحالف الذي تقوده موسكو سيجبر اركان التحالف الدولي علي خياريين لا ثالث لهما إما المشاركة الجدية في محاربة الإرهاب، او المساعدة العلنية للتنظيمات الارهابية، و ذلك من شأنه فضح نوايا التحالف الدولي عالمياً و سيظهره بموقف المدافع عن الإرهابيين، و سيعزز من الموقف الروسي و السوري، بل سيضمن عدم تدفق الأسلحة للتنظيمات المسلحة في سوريا و بالتالي تسهل المهمة علي الجيش السوري بالحسم في مناطق عدِة. و من هنا نستطيع أن نفهم التخبط الغربي الإعلامي و السياسي بعدما فجأ الروس العديد بالتدخل السريع و بتكوين تحالف قوي له سجال في محاربة الارهاب بالمنطقة. 4 سوريا و روسيا لن يقاتلا منفردين: علي عكس ما واجهته روسيا في افغانستان، فكانت تواجه المسلحين منفردة دون دعم من أحد، فكانت فاتورتها العسكرية باهظة، تختلف الظروف في ميدان سوريا، حيث سيقوم الحليف الإيراني بالإسناد البري، مما سيخفف عن كاهل الجيش السوري الذي يقاتل في 450 بؤرة داخل القطر السوري. كما يتلقي جميع اطراف التحالف دعماً لوجيستياً محدوداً من الصين و التي وصلت حاملة طائراتها لياونينغ الي ميناء طرطوس السوري في إشارة لوجود قوة أخري كبري تقدم الدعم و الإسناد لإنهاء الإرهاب الدائر داخل الاراضي السورية. 5 القاعدة الجوية الروسية: القاعدة الجوية الروسية المؤقتة في اللاذقية ونقطة الدعم الفني والإسناد للبحرية الروسية في طرطوس عاملان يسمحان لروسيا بإنشاء منطقة مغلقة فوق سوريا والعراق وشرق البحر الأبيض المتوسط ليس على الإرهابيين فحسب، بل وأمام قوات الولايات المتحدة والناتو الجوية .. وختاما يمثل التحالف الجديد الذي يضم موسكو مؤشراً كبيراً لانفراجة قريبة للأزمة السورية، المرهونة بالتطورات العسكرية و وضعها علي الأرض و التي من خلالها يتم وضع الشروط بالمفاوضات و المبادرات السياسية، أخذت موسكو زمام المبادرة و لكنها ليست نهاية المطاف. ف مهمة القضاء علي الإرهاب او علي الاقل تحجيمه و عزله عن الدعم اللوجيستي امراً يقع علي كاهل الجميع من اركان التحالف الجديد..فهل يحسن الجيش السوري استغلال فرصة تكوين التحالف الجديد و الذي يعد فيه ركنا هاماً و مفصلياً ليقلب فيها الطاولة و الحسابات مرة اخري لصالح شعبه و حكومته؟