16 درجة من 100 في مؤشر الموازنة.. و8 في المشاركة المجتمعية خبراء: العجز.. الدين.. الدعم.. أسباب تراجع المستثمرين رغم الحوافز أعلنت مؤسسة الشراكة الدولية للموازنات "OBS"في تقرير صادر عنها بنهاية الأسبوع الماضي، حصول مصر علي الدرجة 16 من إجمالي 100 درجة في مؤشر الموازنة المفتوحة، الذي يقيم مدى شفافية الموازنة العامة للدول، فوفقا لتصنيف المؤسسة فإن مصر حصلت علي أدني تصنيف فيما يتعلق بمؤشرات المعلومات الضعيفة أو غير الموجودة من حيث الأصل. خبراء الاقتصاد أكدوا ما ورد بالتقرير متهمين الحكومة التي أقيلت مع بداية الأسبوع الجاري بأنها لم تطبق معايير الإفصاح والشفافية، وعدم وجود معايير تحقق الانضباط المالي للموازنة العامة، فضلا عن عدم إعطاء الفرص للمواطن لوضع تصور لموازنة بلاده خصوصا وأنه هو المعني بها، ما أدى إلى ارتفاع حجم الانحرافات المالية لعدم وجود رؤية واضحة. وطبقا للتصنيف فقد حصلت مصر على 8 من 100، في مؤشر المشاركة المجتمعية في إعداد الموازنة، وقال تقرير إن الحكومة المصرية "ضعيفة" فيما يخص منح الجمهور فرصة للمشاركة في إعداد الموازنة، وإن الحكومة لم تعرض بنود الموازنة على موقع وزارة المالية إلا بعد بداية العام المالي وإقرارها من جانب رئيس الجمهورية، ما منع إجراء نقاش مجتمعي بشأنها. وكشف التقرير عن حصول مصر علي الدرجة "صفر" في مؤشر رقابة السلطة التشريعية على الموازنة بسبب عدم وجود برلمان من الأساس، بينما كان الرقم الأفضل الذي حصلت عليه مصر هو 42 درجة من أصل 100، فيما يخص تدقيق ورقابة جهاز المحاسبات على الموازنة، حيث وصفها التقرير بأنها "قدرة محدودة". واحتلت مصر المركز ال90 من بين 102 دولة شملها المؤشر، بينما جاءت نيوزيلندا في المركز الأول ب88 نقطة، كأكثر الدول شفافية فيما يخص موازنتها، تلتها السويد وجنوب إفريقيا، وتذيلت السعودية وقطر الترتيب ب"صفر"، حيث لا تقدم الدولتان أي بيانات تقريبا عن موازنتهما. وكانت مصر قد جاءت في المركز ال83 من بين 100 دولة شملها المؤشر في عام 2012، حيث حصلت وقتها على 13 نقطة فقط، أما هذا العام فقد حققت تحسنا فيما يخص موازنة منتصف العام، حيث نشرت الحكومة "الموازنة المعدلة"، في العام المالي الماضي 2014/ 2015، على عكس ما حدث في التقييم السابق. الدول المقاربة لمصر في التقييم حققت تقدما أكبر مما أدى إلى تراجع ترتيب مصر، ففي دول المنطقة حصلت مصر على المركز ال6 من بين 11 دولة، وكانت الأردن الأفضل والأكثر شفافية، وجاءت السعودية وقطر في مؤخرة الترتيب. ويتضمن المؤشر مؤشرات فرعية عديدة لتحديد درجة الشفافية التي تحيط عملية صياغة وإعداد الموازنة، حيث يقيس مشاركة المواطن والمجتمع المدني في اتخاذ القرارات حول كيفية جمع الموارد العامة والإنفاق، وقدرة المؤسسات التشريعية وجهاز المحاسبات على مراقبة الموازنة، وكم ومستوى التفاصيل التي تعرضها الموازنة، وتوقيت نشر معلومات الموازنة التي تتم إتاحتها للمواطنين، عبر 8 مستندات رئيسية هي بيان ما قبل الموازنة، والموازنة المقترحة، وموازنة المواطن، والموازنة المعتمدة، والتقارير الشهرية المالية، والتقرير نصف السنوي، والحساب الختامي، وتقرير المراجع. الدكتور فخري الفقي، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمسؤول السابق بصندوق النقد الدولي، قال إن الموازنة العامة تعتبر أداة مهمة من أدوات السياسة المالية للحكومة، وفيما يتعلق بالإيرادات والنفقات لم تستطع الحكومة من خلالهما تحفيز الاستثمارات في مجالات معينة، بالتزامن مع إعداد قانون الاستثمار الموحد. وأضاف أن الحكومة رغم تقديمها إعفاءات وحوافز للمستثمرين لم تقنعهم بالسيطرة علي عجز الموازنة وتفاقم الديون، كما أن الإنفاق علي الدعم باعتباره أداة من أدوات تحقيق العدالة الاجتماعية لكي يكون منتجا ويحقق أثارا تنموية لا يجب اختزاله في صورة دعم نقدي لا يؤثر علي حياة المواطنين في ظل تفاقم الأسعار وارتفاع فاتورة التضخم. وأوضح أن مؤشر مؤسسة الشفافية أكد تأخر الحكومة في إقرار الموازنة وتقديمها للسلطة التشريعية الممثلة في الوقت الراهن في رئيس الجمهورية، وأن ذلك التأخير عن الموعد القانوني أصبح سمة للحكومة. الفقي اعتبر أن الحكومة افتقدت الرؤية التنموية بعد ارتفاع فاتورة العجز إلي أكثر من 261 مليار جنيه في موازنة العام المالي الماضي، وعلي الرغم من تراجع أسعار النفط عالميا بواقع 50%، إلا أنه لم يكن له أثر في خفض العجز أو إحداث تنمية في المجتمع، فضلا عن عدم إجراء حوار مجتمعي بشأن الموازنة مما قلل من فرص تحقيق الانضباط المالي بها، بالإضافة لعدم تنفيذ ما تعهدت به الحكومة من تطبيق موازنة البرامج والأهداف لضبط النفقات ومنع تفاقم العجز، مشيرا إلى أن وزارة المالية في عهد الوزير هاني قدري، عجزت عن تحقيق نقلة نوعية فيما يتعلق بفهم المواطن البسيط للموازنة أو الإفصاح عن بياناتها بموازنة المواطن. عدم اتباع الإجراءات المتعارف عليها واتباع برامج لتحقيق الانضباط المالي فيما يتعلق بضبط النفقات العامة وترشيدها، والتوسع في الإيرادات العامة والعمل علي زيادتها أدى إلي انحراف الموازنة عما هو مستهدف في البيان المالي لها، بحسب الفقي، الذي تطرق إلي ملف الصناديق الخاصة، معتبرا إياها من أبرز المشكلات، خصوصا وأن وزارة المالية مازالت ترفض دمجها أو إحكام الرقابة عليها، مكتفية باستقطاع 20% سنويا من رأسمالها بالإضافة ل10% من أية موارد أخري ترد لها، ومطالبا بتقنين أوضاعها هي والحسابات الخاصة ودمجها في حساب واحد لإحكام الرقابة عليها. الفقي، ألمح إلى أن رفع حد الإعفاء الضريبي إلى 6500جنيه، كان يستهدف تطبيق قانون الخدمة المدنية علي موظفي الدولة، معتبرا أن هناك تفاوتا في الشرائح المقرر أداء الضريبة طبقا لها. وانتقد تأخر وزارة المالية في تطبيق قانون الضريبة علي القيمة المضافة حتى الآن علي الرغم من تصريحات وزير المالية بوجود مشاورات مع صندوق النقد والبنك الدوليين بخصوص ذلك الملف، موضحا أن موظفي الوزارة بحاجة إلى مزيد من التدريب على طرق حساب القيمة المضافة، مع ضرورة وجود نظام إلكتروني شبكي لتقدير وربط الضريبة وحصرها أيضا. كما انتقد أيضا تصريحات وزارة المالية الأخيرة التي تتعلق بعدم التحقق من قيمة الحصيلة المتوقعة من الضريبة العقارية التي لم تطبق رغم سريانها بموجب قانون منذ يوليو قبل الماضي، فتارة تصرح بأنها تصل ل3 مليارات جنيه ومرة أخرى تقول إنها 1.5 مليار جنيه سنويا. وأشار إلى ما ذكرته وزارة المالية بأن إجمالي مساهمة عجز الموازنة في الناتج المحلي الإجمالي خلال موازنة العام المالي الجاري تبلغ 11.5% وذلك خلال تصريحات وزيرها هاني قدري علي هامش فعاليات مؤتمر يورو موني، رغم أنها قدمت لرئيس الجمهورية الموازنة وهي مستهدفة 8% من الناتج المحلي، بالإضافة إلي تضمين بيانها المالي لمستهدفات العجز بنسبة 10.8% من نفس الناتج. وقال الفقي إن هناك تضاربا وعدم مصداقية فيما تعلنه الحكومة، فالتصريح بأن هناك خطوات لإعادة هيكلة النفقات غير صحيح على الإطلاق، كما أن عدم وجود انضباط مالي من شأنه أن يؤثر علي حياة الفقراء ومحدودي الدخل والفئات غير القادرة، ولا يعد ضمن خطوات التنمية برغم الإبقاء علي نسبة العجز في الموازنة وتأثيرها علي المواطنين. الفقي اتهم وزارة المالية بأنها لم تتمكن من احتواء نسبة عجز الموازنة من خلال البحث عن موارد جديدة تحفز الاقتصاد القومي، وطالب بضرورة ربط الأجر بالإنتاج وترشيد الدعم وتطبيق منظومة الكروت الذكية التي لم تحسمها الوزارات حتى الآن، مشيرا إلى ضرورة التنسيق بين وزارات الداخلية، والمالية، والتخطيط، والتموين، والبترول، والكهرباء، لتفعيل منظومة الكروت الذكية، حماية لموارد الدولة. من جانبه، قال حلمي الراوي، مدير مرصد الموازنة وحقوق الإنسان، إن الحكومة تقدم معلومات ضئيلة عن الموازنة العامة للمواطنين والجهات البحثية المختلفة، وأرجع ذلك لعدم وجود استقرار مجتمعي أو برلمان مما ساعد في تراجع مؤشرات الشفافية، وأدى لخسائر كبيرة، تلزم الجهات الرقابية بالقيام بدورها المنوط بها في كشف الفساد، وفي مقدمتها الجهاز المركزي للمحاسبات، موضحا أن تراجع مؤشرات الشفافية فيما يتعلق بالموازنة وبياناتها يتمثل في عدم علم المواطنين ببياناتها، فضلا عن أنها لا تلبي طموحاتهم باعتبارها مؤشرا لضعف وتراجع ترتيب مصر دوليا. وأضاف أن تصنيفات الشفافية دائما تصدر عن البنك الدولي الذي يحلل الوضع العام في مصر، وأن تراجع مؤشرات الشفافية من الممكن أن يؤثر علي قدرة الحكومة علي الحصول علي مساعدات وقروض من الخارج لتمويل احتياجاتها سواء في صورة نفقات أو اقتراض لتمويل مشروعات. الراوي، أوضح أن وزارة المالية أخطأت عندما اعتمدت في تقريرها الشهري عن سبتمبر الجاري، ما هو موجود في نفس التقرير عن الشهر السابق عليه، فجاءت البيانات واحدة ولم يتم تحديثها، وأن تلك الممارسات تؤثر علي مصداقيتها، خصوصا وأنها غير ملتزمة هذا العام بتقديم أية بيانات لإثبات أنها تفصح عن بياناتها. وأضاف أن المؤسسات الدولية المانحة للدعم لا تعلم إلي أين ستتجه مواردها لدعم الاقتصاد المصري، في ظل عدم توافر معلومات دقيقة بشأنها، الأمر الذي يقلص من فرص دعمها وإنفاقها علي البرامج التنموية للبلاد سواء في صورة دعم نقدي أو عيني أو فني، مؤكدا أنه مع زيادة ذلك التضييق الاقتصادي الذي سيدفع فاتورته الفقراء ستكون العواقب وخيمة. بينما طالبت الدكتورة ماجدة شلبي، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، بتطبيق معايير الحوكمة والشفافية وقواعد الإفصاح ومحاربة الفساد، باعتبارها محفزات لتحقيق التنمية المستدامة، مطالبة الحكومة بالعمل علي تفعيل تلك الأدوات إن كانت لديها رغبة في جذب الاستثمار للبلاد. وشددت على ضرورة التوسع في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والاهتمام بقطاعي التعليم والصحة باعتبارهما ضمن معايير التنمية المستدامة، مؤكدة أن الاهتمام بهذين القطاعين يؤدي لزيادة معدلات النمو وتراجع عجز الموازنة.