عميل صهيوني خدم كيان العدو حتى تخلى عنه، كما تخلى هو عن خدمة وطنه، عاش "أنطوان لحد" خادمًا للاحتلال لكنه كان في الوقت نفسه ميتًا في أعين الشعب اللبناني المقاوم، ومات فعليًا وحيدًا في سريره بأحد مستشفيات فرنسا الخميس الماضي، عن عمر يناهز ال 88 سنة، لينهي قصة خيانة عظمي مليئة بالخيانة والإجرام. من هو؟ ولد العميل الصهيوني "أنطوان لحد" في عائلة لبنانية مارونية في قرية كفرقطرة التابعة لقضاء الشوف، تخرج من الأكاديمية العسكرية اللبنانية في عام 1952، وعمل بعد تخرجه ضابطًا في المخابرات العسكرية اللبنانية، ترقى "لحد" في سلّم الجيش اللبناني بسبب علاقاته وصداقته الوثيقة مع الرئيس اللبناني آنذاك "كميل شمعون"، وأوكلت إليه عام 1958 مهمة استلام الشحنات السرية من الأسلحة والعتاد العسكري التي أرسلتها إسرائيل للجيش اللبناني مع نخبة من ضباط المخابرات في الجيش اللبناني. درس بين الأعوام 1972 – 1973 في الكلية العسكرية التابعة للجيش الفرنسي، بعد فشل "لحد" في التنافس على منصب رئيس أركان الجيش اللبناني، بادر وكلاء استخبارات جيش الدفاع الإسرائيلي للاتصال به، وعرضوا عليه تولّي منصب قائد ما سُمي ب"جيش لبنانالجنوبي" الموالي للاحتلال الإسرائيلي خلفًا ل"سعد حداد"، الذي توفي عام 1984 بمرض السرطان. قاد "لحد" ما كانت تسمى "ميليشيا للعملاء" إبان الاحتلال الإسرائيلي للبنان، وواصل مهماته القيادية فيه حتى انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من جنوبلبنان في 25 مايو عام 2000، وكان من أبرز المتعاملين مع الجيش الإسرائيلي خلال احتلاله جزءًا كبيرًا من الأراضي اللبنانية بين العامين 1978 و2000، حيث سار على درب الإسرائيليين وجنّد معه آلاف الشبان اللبنانيين لملء فراغ جيش العدو على أرض الجنوب، فكان مرتبطاً بشكل مباشر بوزارة الحرب الإسرائيلية واستخباراتها العسكرية، وأخذ على عاتقه مهمة معاقبة المقاومين الرافضين للاحتلال. تعرض العميل الصهيوني "أنطوان لحد" إلى محاولة اغتيال عام 1988، نفذتها المقاومة "سهى بشارة" الناشطة في "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" حيث أطلقت "بشارة" طلقتين على "لحد" من مسدس عيار 5.45 ملم، فأصابت صدره وذراعه، نُقل على إثر ذلك على أهبة السرعة بطائرة عسكرية إلى مستشفي "رامبام" في حيفا، وقضى ثمانية أشهر في العناية المركّزة، ولكن "لحد" لم يستردّ عافيته كامله فقد ظلت يده اليسرى مشلولة، وكعادتها إسرائيل تستخدم عملائها لتحقيق أهدافها ضد أوطانهم، وعند الانتهاء منهم أو كشف أمرهم ترميهم من دون أن تلتفت اليهم، حيث سعت إسرائيل إلى البحث عن بديل ل"لحد" بعد عملية الاغتيال الفاشلة حيث أيقنت أن "لحد" لم يعد بكامل صحّته. تخلت إسرائيل عن "لحد" حين قرر الجيش الإسرائيلي الخروج من لبنان عام 2000، فتركوه وجيشه يتخبّط تحت الضربات النوعية للمقاومة، حيث سحب الإسرائيليون ضباطهم، وفي غضون ساعات أبلغوا عملاءهم بضرورة إخلاء المواقع والدخول إلى الأراضي المحتلة، لكن "لحد" كان يمضي إجازة في فرنسا، فلم يصله الخبر. كان "لحد" حتى آخر لحظات حياته يعتبر نفسه بطلًا خانه الجميع، اللبنانيون والإسرائيليون وكل العالم، ووثّق العميل هذا الكلام في مذكراته التي نشرها في كتاب "في قلب العاصفة، مذكرات نصف قرن في خدمة لبنان"، أصدرته دار النّشر "يديعوت أحرونوت"، وجاء في مقدمة الكتاب "لست نادمًا، كنت بطلاً وطنيًا طوال السنين التي كنت فيها مسؤولاً عن المنطقة الحدودية، وأصبحت فجأة عميلاً خائنًا عند صدور الحكم بإعدامي". صدر بحقه حكم من محكمة جنايات لبنانالجنوبي بتاريخ الأربعاء 14 مايو 2003، تضمن أشغال شاقة مؤبدة، وذلك بعد التدقيق والمذاكرة واستنادا لقرار الاتهام رقم 18/2002 الصادر عن الهيئة الاتهامية في لبنانالجنوبي. لبنان تلفظ العميل عقب تواتر أنباء نشرتها صحيفة "لوريون لو جور" اللبنانية الصادرة بالفرنسية، عن إمكانية نقل جثة قائد ما كان يعرف ب"جيش لبنانالجنوبي" إلى جبل لبنان، انتفض الشارع اللبناني رافضًا لهذه الأنباء واشتعلت موجة من الغضب في أوساط الكثير من اللبنانيين، حيث أقام مناصرون للمقاومة الوطنية اللبنانية اعتصامًا على طريق مطار بيروت، رفضًا لإعادة جثة العميل "انطوان لحد"، رافين لافتات منددة بالعميل الصهيوني. قال أحد المعتصمين إن "لحد" نكّل خلال حياته بالمقاومين وعذب اللبنانيين، فلا يحق له الدفن في الأراضي اللبنانية، وأضاف "التراب اللبناني يحتضن شهداء شرفاء وليس عملاء للنفايات"، فيما قال أخر إن "لحد ليس له مكان هنا فليبقى في المكان الذي احتضن فيه، حيث كانت حياته وتاريخه من العمالة"، فيما حمل المعتصمون عتبًا على الحكومة اللبنانية، لعدم سحبها الجنسية من "لحد" بعد تعامله مع إسرائيل، وحصوله على الجنسية الإسرائيلية، وذكروا بتنكيله بالمقاومين. موجة الغضب وصلت سريعًا إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دشن ناشطون على موقع "فيسبوك" صفحتين ترفضان رفضًا مطلقًا إدخال جثة "لحد" إلى لبنان، تحت عنوان "لمنع إدخال جثة العميل أنطوان لحد إلى لبنان"، و"لا لتدنيس أرض لبنان المقاومة بجيفة كبير العملاء". نعي صهيوني أهتمت الإذاعة الإسرائيلية بنبأ وفاة "لحد"، كما نعت صفحة "لبنانيون في إسرائيل" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" التي يديرها مؤيدون لجيش لبنانالجنوبي "لحد"، كما نعاه رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" وزير الخارجية الإسرائيلي السابق "أفيجدور ليبرمان"، وقال فيه "إن لحد كان رجلًا شجاعًا، تشارك مع إسرائيل وحدة المصير، وخاض نضالًا إلى جانبنا في إطار تحالف حقيقي عقده ورجاله، لكن للأسف الشديد تخلت عنهم إسرائيل".