من القواعد المعتبرة فيما يخص فساد الكبار ببلدنا أن تقديمهم للعدالة يكون لسبب آخر غير فسادهم، فمخالفة القانون ليست مبررا كافيا لمحاكمتهم، خذ مثلا وزير الزراعة صلاح الدين هلال المقبوض عليه مؤخرا، عينه محلب متجاهلا التقارير الرقابية التي تضمنت وقائع فساد لهلال لدى شغله منصب مدير شئون مكتب وزير الزراعة، وهو ما جرى مع محلب، إذ نصبه السيسي رئيسا للوزراء رغم اتهامه في قضية القصور الرئاسية! هذا يعني أن شرط "فوق مستوى الشبهات" ليس من الشروط المرعية في اختيار المسئولين، وأن توجيه الاتهام لهم لا يكون دافعه الوحيد التورط في فساد، بل يرتبط بأسباب أخرى. الأسباب الأخرى في حالة وزير الزراعة ربما لم تتبين بعد، وإن كان البعض يعقد علاقة بينها وإعلان الوزير نيته كشف قضية فساد كبرى قبل إلقاء القبض عليه بيوم واحد، ويستدل هؤلاء على ذلك بطريقة تنفيذ أمر ضبطه، إذ سارع الأمن بإلقاء القبض عليه فور خروجه من مجلس الوزراء بعد إجباره على تقديم استقالته. تقارير صحفية تحدثت عن تورط 9 وزراء بالقضية، في مقدمتهم وزير العدل أحمد الزند الذي ارتبط اسمه بقضايا فساد أخرى، أبرزها قضية أرض نادي قضاة بورسعيد!، إضافة إلى عادل لبيب وزير التنمية المحلية، وأشرف العربى وزير التخطيط، وعادل العدوى وزير الصحة، وخالد حنفى وزير التموين، ومحمد الرفاعي وزير التربية والتعليم ومحمد مختار جمعة وزير الاوقاف، وعن الأخير نشر عدد من الصحف المزيد من التفاصيل حول إمكانية تورطه بسبب تخصيص نحو مليون و200 ألف متر لقطعتي أرض من أراضي الأوقاف في مناطق ساحلية وأخرى على الطريق الدولي بالقرب من مدينة رأس البر بدمياط لرجل الأعمال أيمن رفعت الجميل، الراشي بقضية وزير الزراعة. لكن يبدو أن النظام اكتفى من الفضيحة بوزير، لتقدم الوزارة استقالتها إلى السيسي، لعل ذلك يكون مخرجا للأزمة، وتقف القضية عند هذا الحد. اختيار السيسي لرئيس الوزراء الجديد لم يراع مجددا شرط أن يكون المسئول "فوق مستوى الشبهات" ، لا أريد أن أذهب إلى أبعد من ذلك فأقول أن انتفاء هذا الشرط ربما أصبح ميزة ترجح كفة صاحبها، وقد كان بعصر مبارك! وزير البترول السابق ورئيس الوزراء الجديد شريف إسماعيل بعد أن تلقفت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي خبر تكليفه أذاعت مقالا قديما لفودة يتحدث فيه عن علاقة وثيقة تربطه بإسماعيل، وأرفقت المواقع مع المقال القديم صورا للقاءات متعددة بينهما تؤيد ما ورد به. فودة المدان في قضية فساد هي الأشهر بعهد مبارك، قضى 5 سنوات بالسجن مدة عقوبته، لكن ذلك لم يمنعه – بعد خروجه – من استعادة علاقاته، ولم يمنع الإعلام كذلك من فتح أبوابه للرجل "الواصل" والموصول بنجوم السياسة والإعلام، فاستكتبه خالد صلاح – الوارد اسمه بين المتورطين في قضية وزير الزراعة - بجريدته اليوم السابع ، واستضافه ببرنامجه تلميعا للرجل العازم على دخول البرلمان. صحيفة سوابق فودة، وتاريخه المعروف للقاصي والداني منذ أن كان سكرتيرا لوزير ثقافة المخلوع كفيل بأن يدحض حجة خالد صلاح أو غيره بخديعة الرجل لهم، والأمر نفسه ينطبق على السادة رئيس الوزراء الحالي والسابق ورئيس الجمهورية، بخصوص اختياراتهم لمرؤوسيهم، فالفساد ببلدنا ليس مفاجأة لأحد، وكشفه مرهون غالبا بأسباب أخرى، فمخالفة القانون ليست كافية دوما للوقوع تحت طائلته. الفساد ببلدنا أكبر من قصة وزير أو مجموعة وزراء وعدد من الإعلاميين بل هو قصة دولة بقضها وقضيضها، والكشف عن سطر أو بضعة سطور بالقصة يكون غالبا فصلا من فصول حرب الفساد ضد الفساد، لا أكثر. [email protected]