تجربة متميزة بدأت هذا الصيف وتكررت مع عدة عروض في مسرح الدولة، فكان رائعًا أن نرى أعدادًا كبيرة من الفتيات في هذه المجموعة، خاصة أن فريق المنسقين المصاحب لهم كان من الطلبة المثاليين والمتميزين في الجامعات، وهو دور يستحق التحية من وزارة الشباب وتعاون نتمني استمراره واتساعه بين الوزارة والبيت الفني للمسرح. وجاء اختيار عرض الكوميديا الموسيقية الاستعراضية "حلم ليلة صيف" للمخرج مازن الغرباوي، اختيارًا موفقًا لمثل تلك الزيارة لما للعروض الغنائية من جاذبية لنوعيات مختلفة من الجمهور مهما اختلفت ذائقته، وفي العرض وجدنا جمهورًا منضبطًا ومتعطشًا للمسرح، أضاف كثيرًا من البهجة والحماس لآخر ليلة في موسم ناجح للعرض. العرض يقدم في قالب غنائي استعراضي مسرحية"حلم ليلة منتصف الصيف" تأليف وليم شيكسبير، أعاد الدكتور مصطفى سليم صياغته شعريًّا، وبذل المخرج والممثلون مجهودًا كبيرًا في التدريب على الغناء، فلم تتم الاستعانة بمطربين بل بممثلين مجتهدين تدربوا على الغناء والاستعراض. أجاد الممثلون بشكل عام في تقديم أدوارهم، وتميز الفنان حسام داغر في دور ملك الجن أوبيرون في دور يبرز إمكانياته الكوميدية، وتألق فريق الممثلين: إيمان إمام، سهر الصايغ، محمد الأحمدي، ألفت عمر، حسن حرب، زكريا معروف. ورغم المجهود الكبير في الأشعار والألحان وتدريب الممثلين على الغناء، إلَّا أن مستوى أجهزة الصوت في مسرح ميامي، لا تسمح بالوضوح الكافي لوصول كلمات الأغاني، وتلك كارثة بالنسبة لعرض غنائي، تضاف إلى قائمة المشاكل التي تعوق تقديم العروض الغنائية والاستعراضية، ومنها عدم توفر الممثلين المدربين على الغناء والاستعراض، إلَّا في حالات محدودة؛ مثل خريجي مركز الإبداع بالأوبرا واحتياج تلك العروض إلى الإبهار والميزانيات الضخمة، لذلك يعد اختيار أي مخرج تقديم عرض غنائي استعراضي مغامرة فنية تتطلب جهدًا كبيرًا، خاصة مع عدم توفر الإمكانيات التقنية في الصوت والإضاءة المطلوبة لهذه العروض في مسارحنا فيما عدا مسارح الأوبرا، التي غالبًا ما تقتصر على عروضها، وهو ما يستوجب تطوير مسارح البيت الفني وتحقيق مزيد من التعاون بين البيت الفني والأوبرا، بما يسمح بتقديم العروض الغنائية على مسارح الأوبرا المجهزة تقنيًّا. قدم الدكتور أحمد عبد العزيز في ديكور العرض صورة جمالية تحاكي حالة الفانتازيا في العرض، وتكرس لحالة الحلم والبهجة التي تسوده، حيث يدور العرض عن ليلة حالمة، والديكور قسم المسرح إلى مستويين، فجعل عالم الجن في الخلفية وفي مواجهة الجمهور تجري أحداث وعلاقات الأبطال العشاق الأربعة، وجاء تصميم الأزياء وألوانها للشخصيات الرئيسة وعالم الجن جيدًا، لكنه لم يكن بنفس درجة التوفيق في ملابس الراقصين، في حين أكملت الإضاءة المبهجة والحالمة التي صممها الدكتور رامي بنيامين الصورة، وأبرزت جمال الديكور والألوان في العرض لتكتمل بهجة العرض من خلال استعراضات محمد عاطف، وإن لم تتميز بالكثير من الابتكار وهو ما يصح أيضًا عن الموسيقى التي ألفها أحمد مصطفى ديدو، وتوزيع إلهامي دهيمة، وجاءت ملائمة لحالة العرض دون ابتكار أو تجديد. بشكل عام جاء العرض منضبطًا، وتميز الإيقاع بالحيوية التي مكنت فريق العرض من تقديم عرض كوميدي ممتع دون أي نوع من الإسفاف أو محاولات الخروج عن النص، التي تفرض نفسها على مسارحنا في كثير من العروض. القصة الشهيرة البسيطة لمسرحية "حلم ليلة منتصف صيف" لشكسبير تتناسب بشكل كبير مع فكرة تقديم عرض كوميديا موسيقية، وسبق للمخرج أن قدم العام الماضي نفس النص برؤية موسيقية، أخرجها لفرقة الأكاديمية العربية، وقدمت على مسرح الجمهورية واستعان بعدد من طلبتها في عرضه على ميامي، من إنتاج فرقة المسرح الحديث. وقدم المخرج الشاب مازن الغرباوي عددًا من العروض المتميزة والمتنوعة ومنها "هنكتب دستور جديد" الذي نال عنه جائزة الدولة التشجيعية في مجال الإبداع الفني والمواطنة عن الإخراج المسرحي 2013، وعرض "طقوس الموت والحياة" و"بيكيت" وغيرها من العروض التي نالت العديد من الجوائز، قرر مؤخرًا التركيز في هذه المرحلة على تجربته الفنية لتقديم عروض موسيقية تتكامل مع مشروعه الأكاديمي، حيث يعد حاليًا رسالة الماجستير بالمعهد العالي للمسرح حول تقديم نماذج موسيقية لأعمال شكسبير، ويقول إنه يريد تقديم عمل مأساوي، وآخر تاريخي في قالب موسيقي، معتبرًا أن المسرح الموسيقى يحمل دائمًا تفاصيل وأدوات جديدة للعرض المسرحي.