بداية ليس المقصود بمصطلح دولة الظل استعراض حالة من حالات الدولة العميقة، بل المقصود ما هو أعمق من الدولة العميقة، فبتعبير موجز يمكننا أن نقول "اذا كانت الدولة العميقة تعني مراكز السيطرة والتحكم والتأثير، فإن دولة الظل المقصودة هي منهج ونظرية تلك المراكز". وبشرح أدق وأكثر تفصيلًا لهذا الفارق نجد أن الدولة العميقة كمصطلح يمكن توظيفه للتعبير عن منظومة غير رسمية من رجال السياسة والأعمال والفن والإعلام، التي تتحرك وتحرك الشارع نحو أهداف محددة. لتكون بذلك أشبه بالدولة الموازية التي تمتلك أدوات التأثير والضغط على الدولة الرسمية. أما دولة الظل فهي تلك الفكرة والانطباع الموروث الذي يبقى في عقول وسلوك الشارع ليسيطر ويتحكم فيه، بل ويدفعه للتحرك بخوف نحو اللا (هدف) ليجد نفسه يفضل البقاء في ظل الموروث تحت تأثير العاطفة لا العقل. وأجعلنا نتوقف عند تلك الفكرة. ونسأل كيف تتكون تلك الدولة فينا؟ ويمكننا أن نجيب من وحي مسماها.. فهي تمامًا كالظل تردد ما نقول تنكسر بضوء الثورة ثم تتمدد لتعكس عشوائيتنا, طبائعنا وحركتنا العاجزة.. تتوارى خلف ستار الليل والظلم كأنها عدم، ورغم أننا كنا نراها ونيقن أنها قائمة فلا نجرؤ على أن نتحدث إليها. نخشي غموض ملامحها وهي بهذا الغموض عامل التشابه فينا لا الإجماع بقناعة كما ندعي. فهي بكل أسف شبح الموروث ينعكس بحركات المستقبل. هي دولة اللا(أوراق) . من اللافت بشدة أن خصائص وصفات تلك الدولة هي نفس ثوابت الموروث العقيم، فهي تعود إلى أعماق التاريخ حاملة معها كل الخيبات إلى مستقبل. لتكون بذلك انعكاس نظرية الحكم القديمة على طبائع وأفكار الشعوب، التي بدورها تقرر مستقبلها بالتكرار. لتكون رافضة لأي محاولة لإنتاج نمط أو توجهه لمنظومة حكم جديدة.. مفاد الأمر. هي من بعد النظام نظام, هي أبو القوانين وأم الدساتير، هي دولة التنميط والتقليد، هي تعبير كامل لجمود ظل التاريخ مهما تحركنا نحو المستقبل، هي قاعدة متباينات الأمن والتنمية، الضرورة والمصير، الثورة والاستقرار، هي بكل امتياز نموذج محاكاة للفشل، أو إن صح التوصيف هي حضانة لاستنساخ المستقبل علي وجه التخلف، لا الاختلاف. لنجد أنفسنا أمام دولة مشوهة الأفكار عشوائية المنهج والخطة وبهذا تتجدد فينا دولة الخوف والتخلف لتحيا فينا حتى وإن اسقطناها، ويكون كل منا ظل الدولة القديمة على الأرض. ومهما ادعينا الحكمة والعقل نظل كذلك حتى ننتج البديل.. ويومًا سيحدث. [email protected]