أصدقاء الحلم لا عليكم، هذا ما جنيناه على أنفسنا ولم يجنه أحد علينا، عندما قرر أي منا وهو في كامل قواه العقلية بأن يمتهن الكتابة والبحث عن المتاعب، لم نكن نعلم بأن صاحبة الجلالة أصبحت "سبوبة"، وبأن بلاطها لم يعد يصلح حتى للجلوس عليه كالمشردين، لم تعتريني المفاجأة عندما علمت بقرار إغلاق جريدة التحرير ولكن اجتاحني الحزن على كل أحلامنا التي يتم قتلها بدم بارد، خاصة وأني أعلم بأننا لا نملك شيء لمحاربة هؤلاء إلا الحبر والورق. القضية ليست لعب على أوتار المشاعر أو ذكريات الصحفيين في زوايا المكان وهم يكدحون ويكتبون ويبيتون ليلاً لكي تخرج كلماتهم إلى النور، ولا قصة أن تلك الذكريات لن تبرح القلب برغم أن العقل يرجو رميها بعيداً عن مرأى العين، القضية في هذا الواقع المرير الذي يدفع العين للبكاء ليست الذكريات، ولا الإخلاص والتفاني في العمل؟ ولا حلم شرف النقابة؟ بل القضية تكمن في أكثر من 200 صحفي أصبحوا في لحظة بلا عمل ليبدأوا رحلة البحث من جديد على جريدة تأويهم، القضية تكمن في كم أسرة سوف تنكسر، وقلوب سوف تتأوه من الوجع خاصة أمام كل من ضايقونا واستهزئوا بنا وبعملنا الصحفي وقالوا بأنها مهنة لا تحمل مستقبل ولا تحمل لصاحبها إلا الإهانة. القضية تكمن في هذا العبث الذي نحياه دون رابط أو قانون يردعه صحف ممولة من الداخل والخارج ولكل منها هدف ورؤية حتى إذا انقضى هدفها قررت الإغلاق ولا يهم من كدحوا وتعبوا وشعروا بذل السنين لهذا المكان، القضية تكمن في رجال الأعمال الفاسدين وجذورهم المتأصلة في أعماق الأرض، ولا يوجد محاولة حقيقية ناجحة لاقتلاعهم فكل من خاف المُساءلة، غسل أمواله من خلال جريدة ورقية أو الكترونية أو قناة تلفزيونية وعندما تحقق الهدف المرجو منها يقرر إغلاقها دون الاكتراث بأرزاق الناس ومستقبلهم وأولادهم، والسؤال الحقيقي الذي يؤرقني لماذا لا يجد الفاسدين والقاتلين والعملاء إلا مهنة الصحافة متكئاً حتى يهربوا من القانون ألا تعلم الدولة بكم الصحف والمواقع الالكترونية التي لها أجندات داخلية وخارجية؟ ألا تعلم الدولة بأن البعض منها لغسل الأموال والبعض منها تمويلات خارجية لهدف ما والبعض منها ملك أشخاص لا يعلمون عن مهنة الصحافة سوى أسمها ودخلوا المجال من باب التجربة أو المنظر أو أي سبب لا يمت للمهنية بصلة وكأنه مشروع إن فشل عادي جدا يقرر المالكين إغلاقه وكأن شيئاً لم يكن. رفقاً بشبابنا الضائع ورفقاً بأحلامنا المذبوحة،القضية لا تكمن في إغلاق جريدة التحرير فحسب المشكلة تكمن في تكرار التجربة لصحف أخرى وتسريح الصحفيين من صحف كبرى ليصبح الصحفي كالبائع المتجول ليس له مبدأ أو انتماء فكيف يُسأل الصحفي بعدها عن صدق كلماته وكيف يُسأل عن ضميره وكيف يُسأل عن قضيته وكيف يُسأل عن الوطن.