مأساة يعيشها آلالاف الصيادون المصريون، الذين رغم العواصف والأنواء وتقلبات الطقس وتباعد المسافات، هجروا بيوتهم وأطفالهم ونسائهم وقطعوا مئات الأميال للبحث عن الرزق، الذي يمكنهم من الإنفاق على أسرهم بعد أن ضاقت عليهم أرضهم وبحارهم، وهذا لا يخلي مسئوليتهم عن ارتكاب بعض الأخطاء. مأساة تكررت كثيرا خلال هذا العام، خاصة مع من يبحثون عن رزقهم في مسافات بعيدة، ففي اتجاههم غربًا تهاجمهم السلطات الليبية أو التونسية وتحتجزهم، وباتجاههم جنوبا عبر البحر الأحمر نحو السودان وإريتريا تلقي القوات السودانية القبض عليهم وباتجاههم شمالًا تلقي القوات التركية عليهم وتوقع عليهم غرامة طائلة. ليبيا في يناير الماضي حاصرت السلطات اللبيبة في مصراته 300 صياد مصري، ورغم استمرار واشتداد المعارك بين الجماعات المتفرقة في ليبيا، إلا أنهم تمكنوا من الهروب على متن 10 مراكب صيد ، وفي فبراير تكررت الحادثة حيث احتجزت جماعة فجر ليبيا 21 صيادًا مصريًا كانوا يعملون في ليبيا. الواقعة نفسها حدثت في يونيو الماضي عندما احتجزت جماعة "فجر ليبيا"، مركب صيد يطلق عليها "الأميرة منى"، وعلى متنها 16 صيادا مصريا فوجئوا بالهجوم عليهم من مجموعات مسلحة قرب ميناء مصراتة، وتم إطلاق النار عليهم، ما أسفر عن مصرع أحدهم وتمكنت السلطات المصرية من استعادة باقي المحتجزين. وفي يوليو الماضي ألقت السلطات الليبية القبض على مركب الصيد "أبو هناء" ، بميناء البحرية بطرابلس، وكان على متنه 16 صيادًا من محافظة كفر الشيخ، وحتى الآن لم يفرج عنهم، وتبدو المؤشرات التي أعقبت هذا الحادث توضح أن الأمر بات سياسيا بشكل كبير، على خلفية أن الاحتجاز من قبل حكومة طرابلس، وهي الحكومة غير المعترف بها من جانب مصر. السودان وفي شهر ابريل كان الحادث الأبرز عندما شد 101 صيادًا مصريًا من أبناء المطرية التابعة لمحافظة الدقهلية رحال مراكبهم الثلاثة باتجاه السواحل الإريترية في أقصى جنوب البحر، لكن حظهم العاثر أوقعهم في شباك السلطات السودانية، فوجدوا أنفسهم خلف القضبان يحاكمون بتهمتي الصيد بدون ترخيص وخرق المياه الإقليمية والعقوبة 6 أشهر سجنا وغرامة 5 آلاف جنيه، وفي أوائل أغسطس انتهت القضية واصدر الرئيس السوداني عمر البشير عفوا عن الصيادين، في الوقت نفسه أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عفوًا رئاسيًا عن عدد من السودانيين في قضية البحث عن الذهب الخام التي أحبطهتها قوات حرس الحدود عام 2013 ، إلا أن ثمة تقارير سودانية تشير إلى استمرار احتجاز السودانيين وعدم الإفراج عنهم حتى الآن. وقالت وزارة الخارجية السودانية يوم الأربعاء الماضي إنها مطمئنة لإطلاق سراح معدنين سودانيين محتجزين لدى السلطات المصرية، بالرغم من صدور قرار بالعفو عنهم من الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ نحو أسبوعين، وأعلنت إعتزامها استجواب السفير المصري بالخرطوم رسميا حول الأمر، مرجحة انتهاء محنة المعدنيين خلال 48 ساعة. وطالب سفير السودان بالقاهرة عبد المحمود عبد الحليم، هذا الأسبوع، السلطات المصرية بتنفيذ قرار السيسي بحق المعدنين السودانيين، أسوة بقرار مماثل من الرئيس السوداني عمر البشير أطلقت السلطات بموجبه 101 من الصيادين المصريين المحتجزين. ما حدث مؤخرًا يكشف مدى تعميق الأزمة، حيث نشرت تقارير في الصحف القومية المصرية تؤكد أن السلطات السودانية احتجزت مرة أخرى 4 مراكب صيد تقل 16 صيادًا كانت تقوم بالصيد بمنطقة أبو رماد بالشلاتين بالمياه الإقليمية المصرية، وعند اقترابها من الحدود البحرية السودانية، قامت السلطات بالقبض عليها، والتحفظ عليهم بمنطقة "أوسيف". تونس تعتبر واحدة من أبرز الدول التي يحدث بها مشكلات تتعلق باحتجاز الصيادين، فكثيرا ما يتم احتجاز صيادين مصريين هناك، ففي الأعوام الماضية تكررت هذه الأزمة في ميناء صفاقس، وآخر حادثة من ذلك النوع كانت منذ شهر تقريبًا ، حينما ألقت سلطات الأمن التونسية القبض على 17 صيادًا مصريًا من قرية "برج مغيزل" التابعة لمركز مطوبس، بكفر الشيخ، كانوا على متن مركب صيد، معروفة باسم "الحاج جلال"، بدعوى اختراقهم للمياه الإقليمية. تركيا منذ أسبوعين تقريبُا، ألقت قوات خفر السواحل بتركيا القبض على 15 صيادًا مصريًا على متن مركبي صيد، وذلك داخل البحر الأبيض المتوسط، وفرضت السلطات التركية غرامة مالية على الصيادين قدرها 37 ألف دولار، لدخولهم المياه الإقليمية التركية دون إذن، وكان المركبان المصريان يصطادن قبالة سواحل ولاية مرسين، جنوب البلاد، في فترة حظر الصيد، مع إعلان السلطات التركية الإفراج عنهم عقب إنهاء الإجراءات القانونية لهم. وتعتبر ظاهرة الصيد بطريقة غير شرعية صداع يؤرق الحكومة المصرية في كثير من الأحيان، حيث تعددت هذه القضايا في كثير من الدول بعد اختراقهم للمياه الإقليمية بدون قصد، في هذا السياق يقول السفير عمرو معوض مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية أن هناك خلية تم تشكيلها تتولى موضوع البحارة واختراق المياه الإقليمية للدول المجاورة، وهي أزمة مستمرة لا تحل إلا بطرق ودية، لافتا إلى أن الاتجاه القانون قد يصل بنا إلى محاكمات وتنفيذ للأحكام سواء على الصيادين أو ملاك المركب. وأضاف معوض في تصريحات ل«البديل» أن الحقيقة التي يجب الاعتراف بها ان الأسطول المصري غير مؤهل للصيد في المياة الدولية، وما يحدث أن معظم هذه المراكب تصطاد على عمق معين من سطح البحر وليس أعماق كبيرة وبالتالي تلك المساحة تخلو من السمك نتيجة تكرار الصيد فيها، ومن هنا يتجه الصيادين إلى مناطق أخرى بعيده للحصول على السمك، حتى يجدوا انفسهم فجأة وقد وصلوا إلى المياة الإقليمية لدول أخرى دون إن يدروا. وعن الحل أكد معوض أن هذه الظاهرة يجب التعامل معها بطريقة تواكب العصر الحديث، من خلال تحديث اساطيل الصيد، مؤكدًا أن وزارة الخارجية قامت بتشكيل لجنة لدراسة الأسلوب الأمثل لمواجهة تلك الازمة. من جانبه قال السفير أحمد القويسني مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية الأسبق إن استمرار حدوث أزمة تخص الصياديين المصريين في دول الجوار يوضح أن أجهزة الدولة المعنية في هذا الشأن عاجزة عن إدارة هذا النشاط مؤكدًا أن كان من المفترض أن نشاط البحري في مصر يتم تنظيمه بطريقة حديثة . وأضاف القويسني في تصريحات خاصة ل«البديل» أنه لابد من تدريب الصياديين المصريين على الصيد بطريقة منتظمة بالإضافة إلى عقد مصر اتفاقيات مع دول الجوار لتسمح للصياديين بالصيد في المياه الإقليمية للدول المجاورة مشددًا على إنه يجب توعية الصياديين المصريين لأنهم بيمثلوا إحراج للحكومة والدولة المصرية. وأشار المسئول السابق بوزارة الخارجية عن ملف الصيد الغير الشرعي أن هيئة الثورة السمكية تعتبر في غيبوبة تامة لعدم حل مشاكل الصيادين المصريين في الدخل مؤكدًا أن السواحل المصرية تفتقر إلى الأسماك لذلك يقوم الصياديين بالإبحار خارج مياه مصر الإقليمية ويتم القبض عليهم . وأضاف القويسني أن مثل هذه الأزمات تضع الحكومة المصرية في إحراج شديد ويعرض الدولة المصرية لنوع من الابتزاز السياسي ، مشيرًا إلى وجود توترات في العلاقات بين الدولة المصرية من جهة ودول مثل السودان وحكومة طرابلس ، كما أن الضغط الداخلي من قبل أهالي الصياديين وشيخ الصياديين تمثل أيضا إحراج للحكومة .