قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية إنه حال سارت الأمور وفقا للخطة الموضوعة، فإن تركيا سوف تتجه نحو إجراء انتخابات جديدة خلال هذا الأسبوع، مما يفتح الطريق أمام الحزب الحاكم لخلق محاولة أخرى للحصول على الأغلبية، مضيفة أن من شأن هذه الخطوة، والتي توقعها المسؤولين على نطاق واسع، تأتي بعد شهرين من الانتخابات التي فقد فيها الرئيس "رجب طيب أردوغان" بريق حزبه العدالة والتنمية، وحصل الأكراد على أكثر من 12%، من الأصوات على الصعيد الوطني، وبذلك عبروا العتبة التي جعلتهم قوة مهمة في السياسة المحلية، ومصدر إزعاج كبير لأردوغان على حد سواء، وفي الأماكن الأخرى من المنطقة، كانت النتيجة أكثر عمقا من ذلك أيضا. وتشير الصحيفة إلى أنه في غضون شهر، أعادت تركيا قتالها ضد الحركة الانفصالية الكردية، وحزب العمال الكردستاني، والذي كانت عقدت معه هدنة استمرت لنحو عامين، كما سمحت للولايات المتحدة استخدام أحد قواعدها الجوية لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، وهي خطوة رفضتها قبل عامين، على الرغم من مناشدة حلفائهالها بتنفيذ ذلك. وتضيف الصحيفة البريطانية أنه في الوقت نفسه بدأت تركيا في قصف مواقع حزب العمال الكردستاني بكردستان العراق، والقوات الكردية السورية، وذلك تحت غطاء طائرات الولاياتالمتحدة، موضحة أن تركيا أعلنت مؤخرا أن الأكراد يشكلون تهديدا أكبر من داعش، والذي قام بتخريب العالم العربي ويشكل حاليا تهديدا كبيرا على الاستقرار الإقليمي، وتحديا مباشرا للنظام العالمي. وتلفت الصحيفة إلى أنه عند كل زاوية يصبح الشرق الأوسط الآن أكثر اشتعالا من أي وقت مضى خلال القرن الماضي، حيث يستمر "داعش" في تقويض السلطة في كل من العراقوسوريا بشكل خاص، ومع ذلك، وبالنسبة لأنقرة، تبقى نقطة الصفر لتفكيك المنطقة هي جبالها الجنوبيةالشرقية، حيث يستغل الأكراد الفوضى الراهنة من أجل تحقيق أهدافهم الخاصة،وتضيف الصحيفة أن ما يحدث يؤكد إلقاء نظرة سريعة على الطرف الذي يحتفظ الآن بالأرض في داخل سوريا أثار مخاوف تركيا، فهناك تسيطر وحدات حماية الشعب الكردية، التي كانت إلى جانب قوات البيشمركة التابعة لكردستان العراق، هما القوة الوحيدة المقاتلة الموثوقة ضد "داعش" على مساحة من الأرض الواقعة إلى جنوب الحدود التركية، والتي تمتد من الحدود العراقية إلى الحافة الشمالية الشرقية من حلب، كما أن لدى الأكراد معقل آخر في شمال غرب سوريا، وهذه الفجوة الواقعة بين المكانين هي المنطقة التي تصر تركيا الآن على تأسيس منطقة حظر للطيران فيها، وقد تم تسويق هذه الخطوة على أنها تهدف إلى إقامة ملاذ آمن للمدنيين والمقاتلين السوريين، لكن الواقع هو أنها سوف تمنع القوات الكردية من الربط بين منطقتيها، بالإضافة إلى تغيير الجغرافيا السياسية للحدود، من وجهة نظر أنقرة. وذكرت الصحيفة أن التحالف مع الولاياتالمتحدة دون الأكراد، لا يمكن من خلاله خوض حرب ضد داعش، وهي أحد الألغاز التي ستجعل الوضع مضطربا على المستوى الإقليمي، وحتى الآن قد قبلت واشنطن عرض تركيا لاستخدام قاعدة انجرليك الجوية، ولكنها امتنعت عن فرض منطقة حظر جوي بسوريا، بينما تحث تركيا "بنجاح محدود" على وقف الهجمات ضد المصالح الكردية المختلفة. وتوضح الصحيفة أنه في أماكن أخرى تظهر عجائب جديدة، ففي وقت سابق من هذا الشهر، زار مسؤولين روس الرياض، لإجراء مناقشات مع وزير الدفاع السعودي "محمد بن سلمان"، كما أن رئيس المخابرات السوري "علي مملوك" كان على متن الطائرة نفسها، في إشارة إلى أن السعوديين لم يرفضوا ذلك، وهي خطوة كانت بعيدة حتى عن مجرد التصور في السنوات الثلاث الماضية التي مزقت الحرب فيها سوريا،بالإضافة إلى ذلك، زيارة وفد إيراني إلى عمان، والصفقة النووية التي دعمتها الولاياتالمتحدة، والدعم الروسي لمحكمة الأممالمتحدة للوصول إلى الأسلحة الكيميائية السورية، بالإضافة إلى التحركات الدبلوماسية في الشهر الماضي والتي بلغت ذروتها مقارنة بالخمس سنوات الماضية. وترى الصحيفة أنه لا يعني هذا أن نهاية واحدة من أكبر المآسي في التاريخ الحديث أصبحت تلوح في الأفق، فإن سوريا تشتعل، وسوف تستمر معاناة مواطنيها من النازحين والمحرومين لسنوات عديدة مقبلة، ومن الصعب رؤية الكيفية التي ستستطيع بها أي سلطة مركزية استعادة السيطرة على البلد، ويمكن قول الشيء نفسه عن العراق وبشكل متزايد، ولا يزال السعي الذي لا يكل، والذي يبذله أصحاب المصالح في المنطقة من أجل النفوذ، يستمر في إشعال الحرب السورية بشكل خاص، ولا تزال الأرضية المشتركة بطيئة في الظهور بين أصحاب المصالح الخاصة المتخندقة، ومع ذلك، ولأول مرة منذ بداية الأزمة، هناك الآن بعض الإشارات على أن اللاعبين البارزين كافة "إيران، السعودية، والولاياتالمتحدةوتركيا" أصبحوا يدركون الآن أن ملاحقة الأجندات المتباينة لن تفضِ إلى أي مكان في نهاية المطاف سوى الدمار المتبادل. وتلفت الصحيفة إلى أن تركيا والسعودية وقطر يتمنون رحيل "الأسد" لأنه سيمنحهم فرصة للتحرك، وبالمثل لداعش، موضحة أن رسائل روسيا في الأسابيع الأخيرة تركت الأمر للنقاش، ولكن في هذه الأثناء يبدو أن الانشغال الرئيسي في أنقرة ليس الأسد أو داعش، وإنما آمال "أردوغان" في انتخابات جديدة، بعد أسابيع من قتال الأكراد، بالإضافة إلى كسب دعم القوميين لمواجهة الإرهاب، وخلق تشققات في حزب الشعب الديمقراطي الكردي، عندها فقط سيحول "أردوغان" انتباهه إلى أطياف واسعة يمكن أن تحدد مستقبل المنطقة، ولكن الخطر يكمن في بحث "أردوغان" عن مصالحه السياسية الخاصة على حساب تسوية إقليمية يمكن أن تجلب السلام.