على ضوء التقدم الميداني الذي يحققه الجيش السوري والمقاومة اللبنانية على أكثر الجبهات سخونة في سوريا، وبعد أن سيطر الطرفين على معظم مدينة "الزبداني"، وبات المسلحون محاصرين من كل الجهات في مساحة لا تتجاوز 5 كلم مربع في وسطها، وهو ما دفع المجموعات المسلحة للبحث عن مخرج ينقذها من هذا الموقف. بداية المفاوضات مفاوضات التسوية لم تكن وليدة الساعة، بل بدأت أولى بشائره بعد أيام من بدء المعارك في "الزبداني"، حيث فوضت مجموعة من الفصائل المسلحة الأمين العام لحزب التضامن "محمد أبو قاسم" ليكون وسيطًا مع الدولة السورية، ووضع الوسيط 9 بنود لإتمام التسوية في السابع من يوليو، أهمها "وقف إطلاق النار، وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط إلى السلطات، وتشكيل لجان غير مسلحة من الأهالي وبموافقة الدولة، والسماح بعودة المدنيين من أبناء المدينة، وإجراء التسويات والمصالحات عن طريق الوسيط، وفتح الطريق أمام من يريد الخروج من المطلوبين إلى الجبل الشرقي". في 13 يوليو نقل الوسيط المطالب للدولة السورية، لكن الاشتباكات حينها استعرت بعد اختلاف الفصائل في ما بينها حول الخروج أو مواصلة القتال، خاصة مع الرفض القاطع من قبل حركة "أحرار الشام" لأي تسوية حينها، لكن مع تقدم الجيش السوري وقضم مساحات واسعة من المدينة والسيطرة عليها، باتت كافة الفصائل المسلحة وعلى رأسها "أحرار الشام" تبحث عن التسوية. هنا حدث التواصل التركي الإيراني للبحث عن حل، وحصل فصيل "أحرار الشام" الذي يقيم ممثله في تركيا على تفويض من الجماعات المسلحة في الزبداني ومن ضمنها "جبهة النصرة" للبت في أمر هدنة أو تسوية يخرج بها المسلحين من هذا المأزق ولا سيما أن المعركة على وشك الحسم الكامل في الزبداني لصالح الجيش السوري والمقاومة، لتبدأ في تركيا لقاءات بين موفد إيراني ينسّق مع السلطات السورية وآخر من "الجناح السياسي لحركة أحرار الشام"، ووسط شد وجذب بين الطرفين، تم التوصل إلى الهدنة الحالية. بنود الهدنة تقضي الهدنة بوقف العمليات العسكرية في منطقة "الزبداني" بريف دمشق، وفي بلدتي الفوعة وكفريا بريف إدلب، ووقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة، على أن تنتهي هذه الهدنة عند الساعة السادسة من صباح يوم الجمعة، قبل أن يتم تمديدها 24 ساعة أخرى لتنتهي الساعة السادسة من صباح يوم السبت، وتشمل الزبداني وكفريا والفوعة، وثانياً تمهيد خروج المسلحين من الزبداني، ليأتي البند الثالث وهو إجراء مصالحة وطنية في مدينة الزبداني لمن يرغب البقاء فيها. بداية الهدنة مع بزوخ شمس يوم الأربعاء دخلت الهدنة بين الجيش السوري والمقاومة اللبنانية من جهة والجماعات المسلحة في الزبداني وكفريا والفوعة من جهة أخرى حيز التنفيذ، ومع مرور الساعات الأولى للهدنة في مدينة "الزبداني"، سعت الجماعات المسلحة إلى التشويش على الهدنة وخرقها، حيث قامت الجماعات المسلحة وتحديدًا ما يسمى "جيش الإسلام" المتواجد في الغوطة الشرقية وفي مدينة دوما بريف العاصمة دمشق، بإطلاق عشرات القذائف الصاروخية بإتجاه الاحياء الآمنة وسط العاصمة دمشق، حيث سقطت أكثر من 60 قذيفة هاون على عموم المناطق الآمنة في العاصمة دمشق، وأكدت مصادر محلية مقتل شخصين بينهم إمرأة والحصيلة مرشحة الى الزيادة، بالإضافة إلى جرح مواطنين وأضرار مادية. تمهد الهدنة الطريق لمعالجة الملفات الأمنية المعقدة في المدينة والمتمثلة في إخراج الحالات الانسانية الصعبة، وفك الحصار عن البلدتين المحاصريتن في ريف إدلب، وإخراج مئات المسلحين من حركة "أحرار الشام" وجبهة النصرة خارج الزبداني، وإدخال قوافل مساعدات طبية وغذائية للسكان. معاناة تتفاقم بعد سنوات من الصمود، يعقد أهالي بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب أمالهم على اتفاق التسوية هذا، حيث ساهم الحصار الذي يفرضه المسلحون في تفاقم معاناة السكان، فما بين 45 ألف شخص يقيمون في الفوعة وكفريا يباتون في العراء على وقع أصوات القصف والصواريخ، ينقصهم الغذاء والدواء والكثير من مقومات الحياة الكريمة، على الرغم من محاولات الجيش السوري إرسال طائرات لهم محملة بمواد غذائية لمساعدتهم على الصمود، إلا أن أوضاعهم تزداد سوءًا كلما طال الحصار. كنظرة مبعدية فإن استمرار هذه الهدنة ونجاح التفاوض سوف يمثل تطورًا إيجابيًا على جبهات ساخنة أخرى، فقد تكون الخطوة الأولى لتحقيق النصر النهائي في الغوطة الشرقية، وقد تكون نموذجًا يحتزى به لجبهات أخرى خاصة مع التحركات السياسية التي تشهدها المنطقة.