كتب-سايمون هندرسون ترجمة: إسلام أبو العز تَبيّن أن الأذرع المحلية لتنظيم داعش في السعودية الأقل تمييزاً في تحديد الهدف، ففي مايو ضُرب مسجدان للشيعة في المنطقة الشرقية، مما أسفر عن مقتل 26 شخصاً، وفي 6 أغسطس قام التنظيم الجهادي بتفجير مسجد للسنة في جنوب غرب المملكة، على مقربة من الحدود اليمنية، وأسفر الحادث عن مقتل 15 شخصاً معظمهم من رجال الأمن السعوديين. جاء ذلك بمثابة تذكير لأفراد العائلة المالكة السعودية بأنه بينما يشارك تنظيم داعش نزعاتهم المعادية للشيعة، إلا أنه يكره أيضاً آل سعود وكل ما يمثلونه. كما أن هذا يذكر أيضاً بأن تضييق الخناق السعودي الحالي ضد تنظيم داعش سيستمر، ففي الشهر الماضي أعلنت السلطات السعودية عن إلقاء القبض على 431 شخصاً يشتبه بانتمائهم للتنظيم. وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من مواطني المملكة الذين يقارب عددهم 27 مليون شخص ربما يفضلون زعامة الملك سلمان على الفوضى التي اجتاحت العالم العربي منذ عام 2011، إلا أن نسبة لا يستهان به من الشباب السعودي استوحى على ما يبدو من رؤى الجهاد التي تقوم بتغذيتها وسائل الإعلام الاجتماعية بصورة مستمرة ويجدون أن المجتمع السعودي لا يدين غالباً هذه الحماسة الشبابية. إن تفجيرات المساجد السعودية علامة واحدة على تصاعد الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجه المملكة، وكثير من هذه الأزمات لها صلة حقيقية أو متخيلّة مع إيران. وفي حين كان رد الرياض الأكثر وضوحاً هو جمع رسائل الدعم والمواساة من الحلفاء إلا أنه من المحتمل أنها تساءلت عن من سوف تلقي عليهم اللوم من المشتبه بهم الاعتياديين الذين سوف تقوم باعتقالهم هذه المرة. ومهما كانت إجابة التساؤل، لابد أن ينظر إليها على أنها توحد البلاد بدلاً من أن تقسمها. إن تحقيق هذا التوازن سيشكل تحدياً بارزاً إذا وقع المزيد من الهجمات التي تنسب لداعش، أو حتى (الحوادث) التي تأتي كعلامة على الثأر من سكان السعودية الشيعة. ولكن ليس من الواضح أن قيادة المملكة هي على مستوى هذه المهمة الخاصة بالتصدي لتنفيذ سلسلة من الهجمات الإرهابية على أراضيها أو المشاكل الأخرى التي لا تعد ولا تحصى التي تواجهها. فعاهل البلاد لا يتمكن حتى من تخطيط إجازة بشكل صحيح: ففي الأسبوع الماضي، قرر الملك سلمان على ما يبدو بأنه يكره جنوبفرنسا، على الرغم من أنه قد تم تطهير الشاطئ العام من المتشمسين الفرنسيين – والذي يُنظر إليه من القصر الأنيق الذي يقضي فيه عطلته. لذلك انتقل مع أكثر من 600 شخص من حاشيته إلى قصره في المغرب. وفي الوقت نفسه، وعلى الجبهة الداخلية، يتولى مسؤولية إدارة الحكومة كل من ولي العهد الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الابن المفضل للملك الذي يعمل كحلقة لتفضيلات سياسة العاهل السعودي. العلاقة بين الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان كانت قد أثارت الكثير من النقاش في دوائر السياسة الخارجية في جميع أنحاء العالم، وما من شك في أن العاهل السعودي يرغب أن يصبح نجله محمد ملكاً يوما ما، والسؤال الوحيد هو ما إذا كان سيُسمح لبن نايف بأن يصبح ملكاً بعده وقبل أبنه، وهنا يعتقد العديد من المراقبين السعوديين في الوقت الحالي أن الملك سلمان سيعلن اعتزاله ويصرح بأن محمد بن سلمان قد حل محله، حيث أن نظام الخلافة هناك في حالة سيولة مستمرة، ويبدو أن القاعدة الصارمة الوحيدة بخصوص الخلافة والتي لها الأهمية القصوى هي الانصياع لرغبات الملك. ولكن هناك معلومات متضاربة بشأن ما إذا كان التنافس قائماً بين الأمراء الاثنين. ويقول البعض أن محمد بن نايف – أو على الأقل أولئك الخدم الذين سيكونون الطرف الخاسر في هذه المناورة – يخطط لتولّي المنصب لنفسه، مما سيُنحي جانباً ابن عمه الأصغر سناً. ومع ذلك، تفيد تقارير أخرى من الأجانب الذين تعاملوا معهما، بأن بإمكان الخصمين العمل في الواقع بشكل جيد كفريق واحد. وفي الأشهر المقبلة سيتم اختبار هذه الشراكة بشكل متزايد. ويُعهد إلى الرجلين بدفع المؤسسة العسكرية السعودية التي غالباً ما تسودها الانقسامات، إلى العمل نحو هدف مشترك: ويشغل محمد بن نايف أيضاً منصب وزير الداخلية المسئول عن الأمن الداخلي، بينما يشغل محمد بن سلمان منصب وزير الدفاع، وبالتالي قائد الجيش السعودي والقوات الجوية والقوات البحرية بحكم الأمر الواقع. وعلى نحو تقليدي، لا يعمل الجيش ووزارة الداخلية السعودية معاً بصورة فعالة. أما القوة الثالثة فهي "الحرس الوطني السعودي" بقيادة الأمير متعب بن عبد الله، الذي تضاءلت طموحاته لأن يصبح ملكاً عندما توفي والده قبل ستة أشهر، واختفى تماماً عندما قام الملك بترقية محمد بن سلمان إلى منصب ولي ولي العهد في أبريل. ويتشبث الأمير متعب الذي يُنظر إليه باعتباره حليفاً لمحمد بن نايف، بمنصبه في "الحرس الوطني" على الرغم من التقارير التي تفيد بأن محمد بن سلمان يريد استيعاب القوة التي هي قبلية أساساً في القوات البرية السعودية، مما يجعل متعب عاطلاً. وتشكل حملة اليمن المشكلة الأكثر إلحاحاً التي تواجه فريق الأمن القومي الجديد للمملكة. فقد فشلت الضربات الجوية – للتحالف الذي تقوده السعودية، والتي بدأت في مارس – في هزيمة المتمردين الحوثيين وحوّلت الوضع إلى لعبة ضرب الجذران ضد قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الأمر الذي يكبّد أضرار جانبية ضخمة للمدنيين الأبرياء. ومؤخراً أعادت حكومة الرئيس المنفي عبد ربه منصور هادي إرساء موطئ قدم لها في مدينة عدن الساحلية في جنوب البلاد، والتي تَقَدم منها عمود من دبابات الإمارات العربية المتحدة شمالاً في وقت سابق من هذا الأسبوع. لكن التحالف بين صالح والحوثيين لا يزال سليماً، وقد أعطى الزعيم السابق مقابلة مشاكسة للموقع الجديد ل "هافينجتون بوست" باللغة العربية هذا الأسبوع، دعا فيها إلى تقديم هادي إلى المحاكمة في لاهاي. إن دور دولة الإمارات، اللاعب الكبير الوحيد الذي انضم إلى التحالف الذي تقوده السعودية، قد غيّر مجرى الحرب كما يحتمل. وكونها تعمل انطلاقاً من قاعدة أمامية في إريتريا، فقد كان السلاح المفضل للقوات الإماراتية من "الحرس الرئاسي" هو حقائب من النقد، لأن هذه القوات تحاول رشوة القبائل المحلية في جنوب اليمن من أجل القتال ضد الحوثيين. وبشكل مقلق، تم أيضاً تجنيد عناصر من تنظيم القاعدة للانخراط في صفوف المقاتلين. لقد كان التفسير القاسي الذي قدمه مسئول يمني سابق رفيع المستوى بأن "العدنيين لا يقاتلون" هو السبب وراء الحاجة ل تنظيم «القاعدة» من أجل ترجيح كفة الميزان في القتال، مما تسبب في تراجع الحوثيين. وسواء سيستمر النجاح الذي تقوده دولة الإمارات بواسطة قواتها المدرعة هو موضوع قابل للنقاش. وخارج وحداتها من النخبة، فإن جودة جيش الإمارات هو أمر مشكوك فيه، على الرغم من معداته من المستوى الأول. أما سوريا فلا تزال تشكل أيضاً مصدر قلق سعودي كبير، بسبب كراهية الرياض للرئيس السوري بشار الأسد ورغبتها في إلحاق داعميه الإيرانيين هزيمة إستراتيجية. لقد كان هناك قدر كبير من النشاط الدبلوماسي على هذه الجبهة في الأيام الأخيرة: فقد التقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير في الدوحة هذا الأسبوع. كما سافر وزير الخارجية السوري إلى عُمان. وهناك شائعات عن قيام مدير المخابرات السورية بزيارة إلى الرياض. وبالإضافة إلى المعارك التي يخوضها حكام السعودية ضد أعدائهم داخل البلاد وخارجها، يجب عليهم التعامل أيضاً مع الأزمة المالية، فقد انخفض سعر النفط مرة أخرى إلى أقل من 50 دولاراً للبرميل الواحد، كما أعلنت السعودية عن خطط لاقتراض مبلغ ضخم قدره 27 مليار دولار. إن النفقات الباهظة في اليمن والمنح التي تقدر بحوالي 32 مليار دولار التي أُغدِقت لإرضاء السكان عندما اعتلى الملك سلمان العرش سببت استنزافاً واضحاً للخزينة السعودية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، من هو صانع القرار الرئيسي فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية السعودية؟ قد يكون هذا الشخص هو الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 29 عاماً، بصفته رئيس "مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية". إن ذلك يشير مرة أخرى إلى الصعوبات التي تواجهها المملكة: فسجل الحسابات الذي يعكس ما يجب القيام به مقابل الموارد المتاحة غير متوازن. رابط المقال بالإنجليزية: https://goo.gl/WXOWRI موضوعات متعلقة