فتحت فاجعة تصادم صندل ومركب في النيل بالوراق ملف النقل النهري، المليء بالحوادث المؤسفة، التي راح ضحيتها المئات في جميع المحافظات، فالعشوائية في استخدام نهر النيل السبب الرئيس والأساسي في جميع الحوادث. تجوب المراكب الصغيرة والكبيرة مجرى النهر دون رقيب أو حسيب وبلا ترخيص، تحمل أرواحًا ومعدات ومؤنًا، وتتحرك بحرية يقودها صغار وكبار بخبرة وبدون، فآلاف المعدات على ضفتي النهر جميعًا بلا ترخيص أو رقابة، وهذه تعتبر الطامة الكبرى، حتى إن بعضها تجده مربوطًا بحبل أو سلسلة يتم سحبها لتبحر المعدية بعرض النهر، بما يجود به وقت الإبحار من ركاب؛ سواء كان عددهم يناسب حمولة المعدية أو لا يناسبها. وتقدر أعداد المعديات المخالفة بالآلاف، تنقل ركابها من شاطئ إلى آخر بلا رقيب، وتجوب المراكب المخصصة للتنزه والصيد، المجري المائي بلا ترخيص أو حتى كشف عن قدرتها وما يمكن أن تحمله، فهناك حفلات تقام على هذه المراكب وصبية يقودونها وكأن فوضى الميكروباص انتقلت من شوارع مصر إلى مياه النيل، المعديات الحكومية اختفت بلا سبب واضح. وحتى الكباري التي أنشئت على بعض الجزر النيلية ليست بالعدد الكاف لإنهاء مشكلة انتقال ساكنيها إلى المدن وعواصم المحافظات، ومن ثم مازال اعتماد الأهالي على العبارات متهالكة. آخر كوارث المنيا.. غرق 40 معدية في أسيوط ملايين المواطنين بمحافظة المنيا يعتمدون على المعديات بشكل رئيس للانتقال؛ سواء كانت معديات خاصة أو حكومية، رغم أنها وسيلة المواصلات الأساسية إلَّا أنها تلقى إهمالًا كبيرًا بالمحافظة. فحتي وقت قريب لم يكن هناك سوى كوبري واحد على نهر النيل بمدينة المنيا، فتتكرر حوادث المعديات النيلة المتهالكة وغير المطابقة للمواصفات، حتى أطلق عليها معديات الموت؛ لعدم وجود صيانة دورية لها والمخالفات الهائلة دون أي رادع قانوني، وإغفال الرقابة على التراخيص والقائمين عليها وهو ما ينذر بوقوع كارثة حقيقية. وكان محافظة المنيا قد رصد غرق 40 معدية بمناطق سمالوط وأبو قرقاص وديرمواس، خلال العام الماضي فقط، وكان أغلبها أثناء عبور الأهالي للمدافن الخاصة بالقرية التي لا وسيلة مواصلات لها سوى معدية. الغربيةوالبحيرة.. الأطفال يقودون العبارات.. والمحاضر حدث بلا حرج وفي الغريبة.. فالمعديات والمراكب التي تجوب نهر النيل بمدن كفر الزيات وزفتي وسمنود تنذر بكارثة، فجيمعها بدون ترخيص حتى المراسي غير مرخصة مع تشعب المسؤولية وتشتتها، حتى لا يعرف من الجهة المسؤولة عن الرقابة ومتابعة المعديات. ورصدت الإدراة المركزية لحماية وتطوير نهر النيل غرق 12 عبارة خلال العام الحالي. وفي محافظة البحيرة رصدت الهيئة غرق 10 عبارات خلال هذا العام، بالإضافة إلى تحرير 125 محضرًا لأطفال يقودون المعديات النهرية، لا يتجاوز سنهم ال16 عامًا. القليوبية بلا معديات رسمية منذ 2012 أما عن محافظة القليوبية فقد أعلنت بالتنسيق مع إدارة حماية النيل بوزارة الري عن إعداد خطة للعمل بإنشاء مشروع النقل النهري بالمحافظة، منذ عام 2012 وعلى الرغم من مرور 3 سنوات، إلَّا أن المعديات كافة، التي تتواجد في القليوبية غير مرخصة. ورصدت هيئة السلامة النهرية 122 عبَّارة في محافظة القليوبية غير مرخصين، وعلى الرغم من القبض على أصحابها وتحرير محاضر لهم، إلَّا أن ذلك لم يمنعهم من الاستمرار في العمل. بني سويف تدرس التاكسي النهري وتتجاهل المعديات غير المرخصة وعلى الرغم من أن محافظة بني سويف تعاني من نقص المعديات، إلَّا أن المستشار محمد سليم، محافظ بني سويف إن المحافظة أكد في تصريحات أخيرة أن المحافظة تدرس مشروع (تاكسى النيل) الذي يمتد من مدينة الواسطى شمالًا حتى الفشن جنوبًا، بطول نهر النيل لتفعيل منظومة النقل النهري للمواطنين بالمحافظة. ويعد ذلك اعترافًا بعدم تواجد عبَّارات تعمل بشكل قانوني من المحافظة، على الرغم من أهميتها للانتقال بين المحافظة. وعن محافظة القاهرة فحدث ولا حرج، فالكوراث النيلية التي انتهت بغرق عبارة الوراق لم تكن جديدة، فالنقل النهري يشهد فسادًا ملحوظًا منذ سنوات عديدة، وعلى الرغم من تصريحات المسؤولين المتكررة لتحسين المنظومة إلَّا أنها لم تتحسن. وعن ذلك يقول د. مصطفى صابر، رئيس وحدة بحوث النقل النهرى بالأكاديمية البحرية: اكتمال منظومة الرقابة النهرية، بالتنسيق بين هيئة النقل النهري وشرطة المسطحات المائية والجهات المعنية الأخرى؛ حتى لا تتكرر كوارث النقل النهري. وأكد صابر، أحد الذين حضروا اجتماع رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب الأخير، بعد وقوع حادثة الوراق، أن محلب طلب من الأكاديمية وضع برنامج زمني لحل مشكلات النقل النهري، كما طالب وزارة النقل بمشروع لتعديل القوانين، وحث وزارة الداخلية على تشديد الرقابة بصفة دورية على جميع المراكب النيلية، وتوقع صابر المزيد من حوادث النقل النهري، طالما لم تشدد الحكومة من إجراءات الرقابة والتفتيش وتعديل التشريعات والقوانين المنظمة للملاحة النهرية. وأضاف أن محلب سيجتمع معهم السبت المقبل، لتعرض الجهات المعنية خططها؛ لمنع تكرار حوادث النقل النهرى، وأشار إلى أنه يعمل حاليًا عبر فريق عمل على سرعة إنجاز خططهم، بما يكفل تحسين النقل النهري لكي يتواكب مع اهتمام الحكومة المصرية بمشروع قناة السويس المقرر افتتاحه في السادس من أغسطس؛ لتسهيل الملاحة العالمية. فيما قالت دكتور سلوي المهدي، خبير النقل بجامعة عين شمس: على الدولة أن يكون لها دور في تطوير منظومة النقل النهري، موضحة أن التقاعس من قِبَل المسؤولين بمنظومة الأمن وسلامة الوحدات البحرية واضح، وهو السبب في الحوداث المتكررة، مؤكدة ضرورة الالتزام بقواعد السلامة ومراجعة كاملة لمنظومة النقل النهري، مشيرة إلى أن هناك تكليفًا لوزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارة البيئة ببدء حملة موسعة على كل الصنادل والمراكب العاملة بالنقل النهري، ونحن ننتظر نتائج تلك الحملات.