لا إرهاب اليوم أعتى من إرهاب النظام الحاكم، ولا مقاومة أوجب من مقاومة أفعاله، الحوادث تتراص يوما بعد يوم لتبرهن أن الخطر الأكبر على الدولة لا تمثله جماعات إرهابية على اختلاف مسمياتها بل تصدره مجموعة حاكمة هي أقرب في سياساتها إلى العصابات الإجرامية منها إلى الأنظمة الدستورية. الجماعات الإرهابية التي تهدف بممارساتها إلى هدم النظام وتقويض الدولة مهما ازداد عنفها وتعددت عملياتها لا تؤسس للفوضى بقدر ما تؤسس لها ممارسات نظام لا يعلي دستورا ولا يعبأ بقانون ولا يُعنى بخدمة مواطنيه، كل همه استقرار سلطانه لا استقرار الدولة، وكل أعماله وقرارته تهدف إلى إحكام قبضته على هذه الدولة لا إعلاء شأنها، وتطويع مؤسساتها لا تطويرها. الفترة القصيرة الماضية حملت من المؤشرات ما يثقل كاهل كل مهتم بالشأن العام، ويدفعه دفعا إلى استنتاج وحيد أن الانفجار، ومن ثم الفوضى العارمة، هو المآل المتوقع ولا نقول العقاب المستحق على انعدام وعي الجماهير وخيانة النخبة وانبطاح الإعلام. المؤشر الأول: تقرير أصدره مؤخرا مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب عن حالة حقوق الإنسان العام الماضي، واصفا إياه بأنه الأسوأ، فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، منذ تأسيس المركز سنة 1993، حيث رصد المركز الحقوقي 272 حالة وفاة نتيجة لتعذيب تعرض له مقبوض عليهم داخل السجون وأقسام الشرطة ومقرات أمن الدولة، إضافة إلى 289 حالة تعذيب و189 حالة اختفاء قسري! المؤشر الثاني: ما فعله ويفعله الجيش بسيناء فيما يعد "تدميرا ممنهجا وواسعا ومتعمدا لكل أشكال الحياة"، والعبارة للناشط السيناوي وعضو لجنة الخمسين مسعد أبو فجر، التدمير الذي ازدادت وتيرته بعد محاولة داعش الأخيرة السيطرة على مدينة الشيخ زويد، محاولة عدها أبو فجر، مجرد بروفة لاحتلال المدينة من قبل داعش فيما بعد، ترتب على هذه المحاولة ترك الأهالي لمنازلهم فرارا من الموت الذي يطلقه خلفهم الجيش كما داعش، في استهتار بالأرواح يدفع ثمنه باهظا أهالي سيناء قتلا عشوائيا وتهجيرا وشللا لحياتهم بفعل حالة الطوارئ المطبقة منذ أمد. المؤشر الثالث يتمثل في قرار بقانون أصدره الرئيس السيسي، يجيز له إعفاء أعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، فيما عده كثيرون موجها ضد رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، بعد تقديم الرجل لسلسلة من البلاغات وصلت إلى 933 بلاغا ضد فساد الأجهزة السيادية، فكان الرد قرارا بقانون ينتهك الدستور، ويتعارض مع قوانين الأجهزة الرقابية، وفي مقدمتها قانون الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي ينص على أن رئيس الجهاز غير قابل للعزل، بجانب هذا القانون هناك آخر حاول النظام تمريره، مستهدفا من ورائه بسط مزيد من النفوذ على المجتمع، وهو قانون الإرهاب، الذي أقر: -الحبس سنتين لكل من نشر أخبارا أو بيانات عن العمليات الإرهابية مخالفة للبيانات الرسمية! (المادة 33) -حظر قيام أى فرد أو جهة بتسجيل أو تصوير وقائع جلسات المحاكمة بأية وسيلة كانت أو بثها عبر وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة أو على شبكات الاتصالات أو التواصل الاجتماعي أو على أية وسيلة أخرى، وذلك كله ما لم تأذن المحكمة! (المادة 37) -لا يُسأل جنائياً القائمون علي تنفيذ أحكام هذا القانون إذا استعملوا القوة لأداء واجباتهم، أو لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو الأموال، وذلك كله متى كان استخدامهم لهذا الحق ضرورياً وبالقدر الكافي لدفع الخطر! (المادة 6) -المؤشر الرابع: تخطي الدين المحلي حاجز ال2 تريليون جنيه، وذلك لأول مرة في تاريخه بزيادة قدرها 199.9 خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي (2014 -2015)، وفقا لما أعلنه البنك المركزي مؤخرا، واكب الإعلان كشف الحكومة عن موازنة العام الجديد (2015-2016) وخفض ميزانية وزارتي الصحة والتعليم بها، إضافة إلى تقليص دعم المواد البترولية سدا للعجز، ليدفع المواطن البسيط ثمن فشل الحكومة في تحقيق أي طفرة اقتصادية تخفف من حدة معاناة اكتوى بنارها طويلا، في الوقت نفسه ما فتأ يسمع بين الحين والآخر بزيادات في مخصصات القضاء والشرطة والجيش، أما هو فمطالب بأن "يجوع كي يبنى الوطن"! المؤشرات جميعها تقول بأن السيسي -لا التنظيمات الإرهابية ولا الإخوان -هو الخطر الأكبر على الدولة اليوم، بنهجه الأمني الذي يفرخ الإرهاب ويشرعنه، وتوجهاته الاقتصادية التي تهرس الفقراء وتئد أي أمل لهم في تحسن أحوالهم، إضافة إلى تعطيله للمسار الديمقراطي عبر عرقلة الانتخابات التشريعية واستمرائه إصدار قوانين هي معاول هادمة للدستور، كذلك إدارته للدولة التي تصمها العشوائية وانعدام الكفاءة، ولو ربطنا كل هذا بتهويمات يعتقدها الرجل في نفسه، وتمنعه التراجع عن مسار خطه لحكمه؛ فإن الفوضى هي المآل المحتوم، وإذا كان ثمة أمل فمرهون بأن تخلق الفوضى المتوقعة بداية لعهد جديد يقطع الصلات بتاريخ طال في ظل أنظمة مستبدة فاسدة، أهلكت الزرع والضرع، وخربت العقول، وأمرضت الأبدان، وأفسدت الضمائر، وأهدرت الكرامة.