«اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير، فترة من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، فقد عانى الشعب المصري، قبل تلك الثورة فترة عصيبة من الظلم والاستعباد وفقدان العدالة الاجتماعية، والفروق الشاسعة بين طبقات المجتمع والتي ظهرت جديًا في الجيش».. كلمات قالها السادات فى البيان الأول لمحمد نجيب إلى الشعب المصري، بعد نجاح ثورة 23 يوليو 1952، بالاستيلاء على مبنى الإذاعة والمرافق الحيوية. شعر المصريون قبيل ثورة 52 بقدر كبير من المهانة؛ نتيجة رفض إنجلترا منح مصر الاستقلال الحقيقي، وهزيمة الجيش المصري في فلسطين، وتحالفت القيادة السياسية مع الإنجليز وهجرت الشعب، مما ولد شعورًا عميقًا لدى النخبة المثقفة بالتمزق وعدم الاتفاق على مفهوم موحد للهوية ولإمكانية التغيير. في نهاية الأربعينيات ازداد عدد الإضرابات العمالية، وبرزت الطبقة العمالية كجماعة تتميز بقدرة تنظيمية عالية وبالإحساس بالاغتراب السياسي، وإزاء ذلك، عجزت الطبقة الحاكمة عن فهم ما يحدث وإدراك أثاره على النظام الاجتماعي بأسره، وعن تطوير سياسات تستجيب وتتلاءم مع الظروف الجديدة. كما نشأت طبقة وسطى جديدة طالبت بقدر أكبر من المشاركة السياسية والعائد الاقتصادي، شملت خريجي الجامعات والمثقفين والمهنيين، وقدمت القيادة الفكرية للتغيير الاجتماعي والسياسي المنشود، وعبّر تدخل الجيش عن آمال هذه الطبقة الوسطى الجديدة ضد النظام القائم الذي حال دون تطورها. وشهدت المدن وخاصة القاهرة في فترة ما بين الحربين ازدياد الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن دون أن تكون المدن قادرة على استيعاب وتوفير خدمات الإقامة والتعليم وفرص العمل للمهاجرين، وأصبح هؤلاء مادة جاهزة للحركات الثورية أو لأي تمرد. وتتابعت الأحداث بسرعة، ففي عام 1950 وقع 49 إضرابًا عماليًّا، وزاد العدد إلى 200 في عام 1951، وفي نفس العام حدثت بعض الانتفاضات من قبل الفلاحين، وتعددت حالات مصادرة الصحف، واستخدام الإجراءات البوليسية في مواجهة العناصر الداعية للتغيير في المجتمع، لكن هذه الإجراءات كانت عاجزة عن التصدي الجدي للأفكار، وتشاتم الوزراء على صفحات الجرائد، وانتشرت قصص فساد الأسرة المالكة والحاشية. وفي يناير 1952، حدثت أزمة انتخابات نادي الضباط، وسقط مرشح الملك – حسين سري عامر- في انتخابات مجلس الإدارة، وفي فجر 25 يناير 1952 وقعت مذبحة الإسماعيلية وشنت القوات البريطانية هجومًا على مبنى محافظة الإسماعيلية، أسفر عن مصرع 46 من رجال الشرطة المصريين وإصابة 72 شخصاً، وفي اليوم التالي تظاهر المصريون الغاضبون بإضرام النيران في المؤسسات والمصالح الأجنبية، ومات يومها 50 مصريًّا و9 أجانب، وفي اليوم التالي حُرِقَت القاهرة، ونزل الجيش إلى الشوارع، وأقيلت حكومة الوفد وبدأت سلسلة من وزارات القصر. فعندما حرق وسط القاهرة في 26 يناير 1952، فقد سقط معه النظام السياسي والاجتماعي القائم والطبقة الحاكمة التي كانت تعبر عنه، هكذا توفرت في مصر كل شروط "الروح الثورية" عدا التنظيم القادر على قلب الأمور، وسادت مصر حالة من عدم الاستقرار، مما أدى إلى أن غَيَّر الحكم الملكي في مصر الحكومات بصورة متعاقبة سريعة خلال فترة قصيرة. «يوليو».. ثورة بيضاء أنصفت لفقراء وفي فجر 23 يوليو 1952، قامت مجموعة يطلق عليها اسم "تنظيم الضباط الأحرار" بشن ثورة يوليو، فكانت ثورة بيضاء لم ترق فيها الدماء، ولها العديد من الإنجازات في شتى المجالات السياسية، والثقافية، والتعليمية، والاجتماعية والاقتصادية، فقد عملت على تأمبيم قناة السويس وإلغاء الملكية، وإعلان الجمهورية، كما عملت على إنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة، وقررت مجانية التعليم العام، وأضافت أيضًا مجانية التعليم العالي، وأخيرًا أدت إلى القضاء على الإقطاع وتوزيع الأراضي على الفلاحين. يقول الدكتور زين العابدين كرم، أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة، إن ثورة 23 يوليو جاءت في مصلحة الطبقات الكادحة في مصر، فكان الفقير في عهد الملك فاروق لا مكان له على الأرض مثله مثل اللا شئ لا حياة لا وكرامة ولا حتي عدالة اجتماعية، وحين جاءت الثورة انحازت في البداية للفقراء فحصل الجميع على حقوقه، مضيفا أن ثورة يوليو كانت وستظل دومًا لدي قطاعات كبيرة في مجتمعنا حتى الوقت الحالي، العنصر الأساسي للتغيير، فدونها ما حصل الفلاحون على أراضيهم التي ينتفعون بها حتى وقتنا الحالي. وأوضح "كرم" أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كان لديه تصور للعدالة الاجتماعية، واتخذ إجراءات متتالية لتحقيقها، لافتا إلى أن قانون الإصلاح الزراعى تم على 3 مراحل، ففى البداية نص على توزيع الأراضى بمقدار 400 فدان للأسرة و200 فدان للفرد كحد أقصى، ثم 200 فدان للأسرة و100 للفرد، وقبل وفاته بعام فى 1969 صدرت المرحلة الثالثة من قانون الملكيات بتحديد 100 فدان للأسرة و50 للفرد، كما توالت الإجراءات التى اتخذها لتحقيق تقدم فى ملف العدالة الاجتماعية مثل إجراءات التعليم المجانى، والصحة، والتأهيل الاجتماعى، وإسكان محدودى الدخل والبسطاء، ووضع حد أدنى لأجور العمال. من جانبه، يقول الدكتور محمود سلمان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن كل الثورات التي شهدتها مصر كان هدفها واحد "تحقيق العدالة الاحتماعية"، ومنذ عام 1952 وحتي وقتنا الحالي ولا زلت مصر تحارب من أجل الوصول للهدف المنشود. وأكد "سلمان" إن مصر على مدار عصورها العديدة، والفقراء هم الطبقة المهمشة التي تقوم الثورات من أجلهم، مطالبا بضرورة أن نأخذ ثورة 52 عبرة لنا، فقد حققت حقوق الفقراء في بدايات السبعينيات أي بعد حوالى 17 عاما من بدايتها، ما يؤكد أن العدالة الاجتماعية في مصر لا زلت مطلب لم يحقق بعد.