أكدت منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة "فاو" في تقرير لها أن التربة السليمة تشكل أكبر مستودع للكربون الأرضي، ويمكن للتربة عندما تدار بطريقة مستدامة أن تقوم بدور هام في التخفيف من آثار تغير المناخ عن طريق تخزين الكربون وتخفيض انبعاثات الغازات في الغلاف الجوي. وفي المقابل، عندما تساء إدارة التربة أو تزرع بممارسات زراعية غير مستدامة، يمكن لكربون التربة أن ينطلق في الغلاف الجوي في شكل ثاني أكسيد كربون، وهو ما يمكن أن يساهم في التغيرات المناخية، ويمكن تفادي ذلك عن طريق استصلاح الأراضي المتدهورة والأخذ بممارسات الحفاظ على التربة، لتخفيض انبعاثات الغازات الناجمة عن الزراعة، وتعزيز احتجاز الكربون وبناء القدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية. ومن جانبه قال الدكتور محمد فهيم وكيل المعمل المركزي للمناخ الزراعي التابع لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي إن الوضع في مصر مختلف، حيث إن محتوى التربة من الكربون العضوي يؤدي إلى خفض انبعاث أكاسيد النيتروز من التربة، وهي تعد المصدر الرئيسي لانبعاث الغازات من التربة، لافتًا إلى أن مصدر هذه الأكاسيد الأسمدة المعدنية والتي تستخدم في الزراعات المصرية بكثافة، خاصة بعد بناء السد العالي الذي قلل من محتوى الطمي في التربة، والذي يحتوي على المواد العضوية المحللة والتي تحتاجها التربة لتجديد ما تستهلكه النباتات. وأوضح فهيم أن هناك علاقة تربط بين المحتوى الكربوني للتربة والنيتروجين في الانبعاثات. فكلما انخفضت نسبة الأخير قلت الغازات المنبعثة، ولن يتأتى ذلك إلا بخفض الكميات المستخدمة من الأسمدة النتيتروجينية واستبدالها بالتسميد الأخضر عن طريق قلب مخلفات النباتات بعد حصادها في التربة وتركها تتحلل، وهو أمر لا يمكن ان يدخل نطاق التنفيذ في مصر؛ لأن الزراعة المصرية مكثفة، ولا يستطيع الفلاح المصري ترك أرضه بدون زراعة لمده تتراوح بين الشهرين والثلاثة؛ لزيادة المكونات العضوية للتربة، مشيرًا إلى أنه لا يوجد حل لتلك المشكلة، خاصة أن الأراضي المصرية من أكثر الأراضي ذات انبعاث غازات الاحتباس الحراري، سوى تطبيق بعض البحوث والدراسات التي أثبتت أن إضافة تراكيب معينة إلى التربة تقلل من دورة النيتروجين داخل التربة، وبالتالي تعمل على خفض الانبعاثات الحرارية، وذلك عن طريق تكاتف المراكز البحثية وقطاع الإرشاد بوزارة الزراعة. فيما قال الدكتور مسعد قطب المدير الأسبق للمعمل المركزي للمناخ الزراعي إن التربة تعد أحد مصادر غازات الاحتباس الحراري في حالة عدم إدارتها بشكل يتواءم مع مواصفات الجودة للبصمة الكربونية، مشيرًا إلى أنه سيتم تعميم هذه المواصفات على مستوى العالم بنهاية العام الحالي عن طريق اتفاقية "كيوتو"، وهو ما ترفضه مصر؛ لأنه سيؤثر على الصادرات الزاعية بالسلب، لافتًا إلى أن قطاع الزراعة يشارك بنسبة 20 % من غازات الانبعاث الحراري على مستوى العالم. وأوضح قطب أنه يمكن أن نجعل التربة تحتفظ بالكربون، وهو أحد غازات الانبعاث الحراري بإدارتها بشكل جيد، فعلى سبيل المثال نجد أن التربة المبتلة الغدقةتكون بيئة مناسبة للتفاعلات اللاهوائية التي تؤدي إلى انطلاق الغازات، ومع تحسين نوعية التربة بزيادة مادتها العضوية تزيد قدرتها على تخزين الكربون، لافتًا إلى أن الأراضي الطينية والطميية من أنواع الأراضي التي تنخفض بها غازات الانبعاث الحراري؛ لأنها لا تحتاج إلى إضافة أسمدة بخلاف الأراضي الرملية التي لا بد من تسميدها بأسمدة معدنية، والتي ينطلق فور الانتهاء من التسميد 10 % منه على شكل غازات. وأكد قطب أننا يمكن أن نجعل أراضينا الزراعية، خاصة أراضي الدلتا، تحتفظ بالغازات عن طريق زراعة أصناف جديدة تزيد من إنتاجية الوحدة من الأسمدة والالتزام بالمواعيد وتحميل زراعات على بعضها، بالإضافة إلى استنباط أصناف جديدة ذات مقننات مائية منخفضة؛ لأن الماكينات المستخدمة في الري أحد مصادر التلوث؛ لكونها تعتمد على السولار في تشغيلها، بالإضافة إلى التخلص التام من قضية حرق مخلفات المحاصيل، الأمر الذي يسهم أيضًا في الحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري.