يبدأ موسم "سبوبة" البرامج الدينية بالفضائيات مع شهر رمضان الكريم من كل عام، نظرًا لارتفاع الوازع الديني بالمجتمع وانتشار الأجواء الروحانية، فتتصدر الشاشات برامج تفسير الأحلام، والرؤى الشرعية، وعلاج السحر والمس بالقرآن، ومؤخرًا ظهرت الفتاوى الأغرب على الإطلاق مثل إرضاع الكبير وهدم "أبو الهول" والأهرامات الثلاثة، وامتناع دفاع الرجل عن زوجته في حال تعرضها للاغتصاب، إذا كان ذلك سيعرض حياته للخطر وهو ما ينافي فطرة الإنسان ومنطقه، والملفت للنظر أن كل ذلك يتم فى حضور مؤسسة الأزهر الشريف، ولكنها لا تحرك ساكنًا، رغم أن أغلب المتصدرين شاشات التلفزيون غير دارسين فى الأزهر ولا علاقة لهم به، ولكنهم مجرد إناس حفظوا بعض كلمات الدين ليرددوها فى خطبهم الرنانة ويجنوا الملايين دون أن يقدموا شيئًا قيمًا للمجتمع. ويرى خبراء أن المسبب الاساسي لتصدر الجهلة بالدين للمشهد الإعلامي هو انعدام مبدأ التخصص فأصبح كل شخص يسعي للإلمام بمعلومات عدة في مختلف الفروع دون تعمق أو دراسة متأنية حتى يتمكن من الإدعاء بكونه ملم بأمور الدين كي يظهر أمام مريديه بمظهر العلامة الفقيه فى أمور الدين كافة، مشددين على أن بعض من هؤلاء المدعين يساهمون في خلق حالة من عدم الاستقرار الفكري والتشكيك في ثوابت الدين. قال الدكتور محمود تغبان، الأمين العام لدار الإفتاء، إنه لابد من العلم أننا في زمن التخصص فى جميع المجالات وان تقدم الأمم انما ياتى من التخصصية وقطع الطريق على الجهلة أو من ياتوا بالقواعد الشاذة من اجل الظهور والشهرة او من أجل المال، وذلك يحتم علينا أن نلجأ في كل أمر إلى المتعمقين فيه والدارسين له وفق ما تقرره المناهج العلمية المتبعة في شتى التخصصات من علوم وفنون وثقافات، وهذا ماجاء به القرآن الكريم وحكم به تبيانًا للناس أجمعين فقال تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) فبين الحق تعالى أنه لن يسوغ ولا يصلح أن يكون كل قارئ للكتاب مستنبطا للأحكام منه ويظهر علينا بشواذ الفتاوى غير المنطقية، فليس بمجرد الإلمام بالآيات والأحاديث ليس كافيا في إعطاء الإنسان شهادة صلاحية للنظر والاستنباط واعطاء الأحكام والفتاوى، كما كان من هدى الأولين وصحابة رسول الله من هدي أن يكف من لا يعلم فيهم عن الكلام فيما لا يعلم ، لذلك فإنه يقال : لو سكت من لا يعلم لزال أربعة أخماس النزاع بين الناس. وأضاف ان الأزهر الشريف مؤسسة علمية منضبطة فكريا تسير وفق المعتمد في مذاهب الأئمة الأربعة في الفقه، وتنتهج في الاعتقاد منهج أهل السنة والجماعة وتسلك في التصوف السني الرائق المعتدل الموافق للكتاب والسنة، وفى ظل غياب منبر تلفازى للمؤسسة العريقة استغل البعض المنابر الإعلامية ليبثوا أفكارهم المغلوطه وفتواهم المشبوهة فى الوقت الذى يتعطش فيه المواطن الى المعلومة السريعة وتطوق نفسه الى من يدلة على الخير والطريق الى الله سواء أكان بسؤال يخص دينه أو فتوى تلمس أمور حياته ويستوى بها دينه، ومن هنا كانت الطامة الكبرى حيث استغل هؤلاء الممولين الغير متخصصين عامة الناس و نصبوا أنفسهم للتوقيع عن الله في أمور جدلية مثل الأمر أو النهي أو إطلاق مسميات مثل الحلال والحرام ومستحب ومكروه وغيرها، وأحدثوا هذه الفوضى الافتائية التى نعيشها فى تلك الآونة. وأوضح أن الفتوى هي مرسوم ديني في دين الإسلام يقوم بإصداره علماء في الشريعة الإسلامية يتحلون بصفات معينة فهى بمثابة صنعة واحترافية وفق انطباط علمى ومنهجى، وبدونهما لايمكن للفتوى أن تخلوا من عيب يشوبها أو كدر يعكر صفوها، وأيضا هى بمثابىة أمرا عظيما من ناحية المسؤولية و يتم إصدار الفتوى عادة نتيجة غياب جواب واضح وصريح يتفق عليه الغالبية في أمر من أمور الفقه الإسلامي ويتعلق بموضوع شائك ذات أبعاد سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو دينية. وأكد أن العالم أجمع سيشهد فى القريب العاجل افتتاح قناة فضائية خاصة بالأزهر الشريف والتي سترد على كافة استفسارات وأسئلة المشاهدين حول العالم مسلمين كانوا أو غير مسلمين. وطالب الجهات المسئولة في الدولة أن تسن من القوانين التشريعية ما يحفظ على الناس أمر دينهم وما ينأى بهم عن مزالق الغلو والتمييع ومايظهر على شاشات التلفاز وخاصة فى شهر رمضان الكريم. وبنفس السياق قال الشيخ أيمن زكي أمين اللجنة العليا للدعوة بوزارة الأوقاف، أن الاستخفاف بالفتوى هى مسئولية السائل والمسئول فلو علم صاحب المسئلة عظم الأمر ولم يستهن به لما توجه لغير متخصص ليفتيه بما يتوافق مع هواه ويريح ضميرة بغض النظر عما اذا كان طالبا للحق أوباحثا عما يرضى الله، فليس كل مايسمع يقال وليس كل مايقال يعمل به، وقد بذل الأزهر الشريف مجهودًا كبيرًا لدحر مثل تلك الفتاوى ومحاربة تلك البرامج التى يظهر فيها الجهلة وضعاف النفوس أصحاب الأفكار والفتاوى الشاردة الذين يستغلون برامجهم لخلق حالة من عدم الاستقرار الفكرى بين الناس والتشكيك فى ثوابت الدين بل وهدم الدين بأكملة. كما اتهم زكى الاعلام لكونه هو من يصنع منابر من ذهب لهؤلاء الناس من خلال البرامج التى تبث بغرض احداث البلبلة التى من شأنها جعل الناس يصطفون حول تلك البرامج وبالتالى ينجح البرنامج أو القناة من خلال الأعداد المتزايدة فى المشاهدات لتلك البرامج والقنوات المتربحة.