قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم « إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه »، والفقه عن أهل العلم هو التيسير، ولم يقل أحد من أهل العلم، أن الفقه هو التشدد، فلماذا كل هذا الجدل فى البرامج الدينية ؟، فتاوى تصدر من غير متخصصين، وخلاف حاد حول قضايا هامشية، بهدف الإثارة وجذب المشاهدين، وإذا كان الهدف من هذه البرامج هو نشر الوسطية وتصحيح المفاهيم، فلماذا لا تستضيف العلماء المشهود لهم بالوسطية والاعتدال ؟، خاصة وأن الفتاوى التى تصدر من غير المتخصصين فى هذه البرامج تثير الكثير من البلبلة والجدل فى المجتمع ؟!. علماء الدين من جانبهم أكدوا أن هذه البرامج من الوسائل الحديثة لنشر الدعوة، والمفترض أن تلعب دورا فى نشر الثقافة الإسلامية، وهذا يتحقق بالتخطيط الجيد، الذى يتمثل فى استضافة المتخصصين من علماء الأزهر والأوقاف، وكذلك اختيار الموضوعات التى تهم الناس، ولا تخصص فقط للرد على استفسارات المشاهدين، بل لابد أن يتم توجيه المتصلين بالذهاب لدار الإفتاء ولجنة الفتوى فى الأزهر، عندما يكون الأمر متعلقا بقضايا تحتاج بحثا واجتهادا. وطالب الدكتور محمد أبو زيد الأمير عميد كلية الدراسات الإسلامية للبنات بالمنصورة، بضرورة التزام الوسطية والاعتدال والمنهج العلمى الصحيح فى هذه البرامج، لأن الفتوى تعتمد على الدراسات العلمية الصحيحة، مشيرا إلى أن هذه البرامج لابد أن تركز بشكل كبير على المعاملات، لأن الدين المعاملة، والمؤكد أن التركيز على المعاملات يجذب الناس، وهناك الكثير من الأمور التى تحتاج إلى تصحيح، وذلك لبيان جوهر الإسلام، القائم على السماحة واليسر والوسطية، بعيدا عن التشدد، كذلك لابد من التركيز على ضرورة التطبيق العملى لهذه القيم والمبادئ، لأن المجتمع حاليا فى حاجة لمنظومة القيم، ولابد أن تستضيف هذه البرامج علماء الأزهر والأوقاف، لأن هؤلاء مشهود لهم بالوسطية والاعتدال، فالأزهر قائم منذ أكثر من ألف عام باعتداله فيما يتعلق بالفتوى والمعاملات، كما أن الأزهر هو الأقدر على القيام بهذه المهمة، ولذلك فالمطلوب من هذه البرامج سواء فى شهر رمضان أو غيره، أن تتناول قضايا المعاملات، وتستضيف العلماء المتخصصين لتوضيح المفاهيم وتوعيه الناس، من خلال تناول الموضوعات التى تلمس الواقع، وتؤدى لتصحيح المفاهيم ومواجهة الفكر المتشدد. فقه المعاملات ويرى الدكتور محمد نجيب عوضين أستاذ الشريعة الإسلامية جامعة القاهرة، أن المهمة الرئيسية للبرامج الدينية تتمثل فى تصحيح المفاهيم المتعلقة بالمعاملات، وغرس القيم والمبادئ التى حملتها لنا الشريعة الإسلامية، وضرورة مخاطبة جميع الفئات، مع التركيز على الشباب، ولذلك فمن الأفضل أن تبتعد هذه البرامج عن الفتوى، وتقوم بتناول الموضوعات التى تتعلق بحياة المسلم، مشيرا إلى أن هناك عشرات الموضوعات التى من المفترض أن تتناولها هذه البرامج، بدلا من استقبال الاتصالات الهاتفية والرد على الفتاوى، فمثلا لابد من الحديث عن الاجتهاد فى طلب العلم والدراسة، والبعد عن التعصب، وهذا الأمر يخص الشباب فى الوقت الحالي، ويتم تخصيص موضوعات حول التيسير فى الزواج وعدم المغالاة فى المهور، والشروط التى حددها الإسلام فى الزوجة كما جاء فى الحديث الشريف « تنكح المرأة لأربع، لمالها وجمالها وحسبها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وفيما يخص اختيار الزوج، كما جاء فى الحديث الشريف «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه»، فهذه الموضوعات تهم المجتمع بالكامل، لأن بناء الأسرة المسلمة أمر مهم للغاية، فلماذا نترك هذه الموضوعات ونتحدث فى السياسة أو نتناول موضوعات هامشية؟، ووجه رسالة للقائمين على أمر هذه البرامج قائلا : هذه المنابر لابد أن تسخر لخدمة الإسلام والوطن، ومصر اليوم فى حاجة للعمل والبناء، قضايا المرأة المسلمة لابد أن تكون موجودة فى هذه البرامج، وتوضيح منهج الإسلام فى تربية الأبناء أمر مهم، وبيان خطورة التعدى على الممتلكات العام والخاصة والمال العام قضية وطن، توعية الشباب بخطورة الإدمان والتحرش الجنسى تحمى المجتمع من الفاحشة، عليكم مسئولية كبيرة أمام الله، ولابد أن تكونوا على قدر هذه المسئولية . البعد عن الإثارة وفى سياق متصل يقول الدكتور الأمير محفوظ إمام وخطيب مسجد الحسين، أن منهج الدعوة إلى الله عز وجل، يقوم على الحكمة والموعظة الحسنة، كما قال الله تعالي» «دْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ»، ولذلك لابد أن تظل البرامج الدينية بعيدة عن الإثارة، لأن عدم الموضوعية يؤدى إلى تشتيت الأفكار والمعتقدات والقيم لدى الناس، مشيرا إلى أن البرامج الدينية كانت من أهم البرامج التى يحرص الناس عليها، وكان الجميع ينتظر برنامج إمام الدعاة الشيخ محمد متولى الشعراوى رحمه الله، وطالب بضرورة التخطيط الجيد لهذه البرامج، بهدف أن تستمر كوسيلة من الوسائل الحديثة فى نشر الدعوة، بدلا من أن تكون سببا فى الخلاف والتعصب، لأن الهدف منها هو تصحيح المفاهيم ونشر الحقائق ومواجهة غير المتخصصين، الذين يحاولون تصدر المشهد الدعوى. موضحا أن وجود هذه البرامج أمر جيد للغاية، لأنها أصبحت وسيلة للتعامل مع شريحة أكبر من الناس، وفى رمضان يكون الإقبال عليها أكثر، ولذلك لابد أن تكون هناك موضوعية فى تناول القضايا، وأن يكون تناول أى قضية بأسلوب لا إثارة فيه ولا شطط, ولا إفراط فيه ولا تفريط, حتى يتحقق الدور المطلوب منها وهو غرس القيم ونشر الثقافة الإسلامية ومنهج الأزهر الشريف، لكن الجانب السلبى لهذه البرامج يظهر عندما تعتمد على الإثارة من خلال تناول موضوعات تثير الخلاف، لأن ذلك يهدد الأمن الفكرى للمجتمع، ويؤدى للفرقة والخلاف، وهذا الأمر مرفوض تماما، لأنه يؤدى لضعف القيم والمبادئ لدى الناس وينشر الخرافة والجهل فى المجتمع .