في الساعات الأولى من صباح اليوم، انتهى اللقاء الذي جمع رجب طيب أردوغان برئيس وزرائه أحمد داود أوغلو، في القصر الرئاسي بالعاصمة أنقرةوالذي استمر لمدّة ساعة، باستقالة الأخير من منصبه، مع طاقمه الوزاري. 1-3 في خطوة تمهيدية، للدخول في ديلمة تشكيل الحكومة التركية ما بعد الانتخابات البرلمانية التي انتهت أمس وحصل خلالها حزب أردوغان (العدالة والتنمية على 258 مقعداً) أي بخسارة اثنين وثمانين مقعداً عن البرلمان السابق، فيما حصل على المركز الثاني (حزب الشعب الجمهوري، برئاسة كمال كليجدار أوغلو) حيث حصل على 132 مقعداً زيادة حصته عن البرلمان السابق ب32 مقعداً، وقد حل حزب الحركة القومية (المتطرف يميناً) في المركز الثالث برصيد ثمانين مقعداً حيث رفع حصته عن البرلمان السابق بعدد عشر مقاعد، وجاء في المركز الرابع (حزب الشعوب الديموقراطي) بقيادة رئيسه "المشترك"، صلاح الدين ديمرتاش حاصداً ثمانين مقعداً، بزيادة ستين مقعداً عن سلفه، في البرلمان السابق (حزب المجتمع الديموقراطي) الذي كان يرأسه السيد "أحمد تورك"، والذي قام أردوغان بحله بحكم محكمة منذ عامين، فتأسس على اثر ذلك (حزب الشعوب الديموقراطي) يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول 2012، بوصفه حزباً لكل مكونات، وأطياف المجتمع التركي، ولا يمثل هوية، أو عرقاً بعينه، وينفي أن يكون حزباً كردياً، تحت قيادة مشتركة بين صلاح الدين ديمرتاش، والسياسية الكردية "فيغان يوكسيك داغ"!! إزاء هذه النتائج فموقف حزب العدالة والتنمية هو: 1) خسر الأغلبية المطلقة في البرلمان، فلم يحقق نسبة 66% التي تمكنه من تغيير الدستور منفرداً (من دولة برلمانية، إلى دولة رئاسية)، كما كان يطمح أردوغان، وأعلن عن ذلك صراحة، مؤخراً، تمهيداً، لإعلانه دولة "شبه خلافة" أوتوقراطية إسلامية! 2) كما خسر حزب أردوغان، الاغلبية المطلقة، بنسبة (50%+1)، التي تمكنه من تشكيل حكومة كاملة، موالية له 3) وأمام تصريحات نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، وتصريحات الرئيس (المشترك) لحزب الشعوب الديموقراطي، صلاح الدين ديمرتاش، واللذان صرحا، أمس، كل منهما على حده، بعدم قبولهما مشاركة أردوغان، في تشكيل حكومة ائتلافية، وأمام ترجيح التزام "حزب الحركة القومية" المتطرف يميناً، بنفس الموقف، حيث اشترط رئيسه "دولت بهتشلي" لتشكيل ائتلاف مع "حزب العدالة والتنمية"، في تصريح له اليوم الثلاثاء 9/6/2015 لصحيفة جمهورييت، اشترط "بهتشلي" لتشكيل حكومة ائتلافية، مع "حزب العدالة والتنمية" إنهاء عملية السلام، مع الأكراد! 4) لم يبق أمام أردوغان، سوى محاولة تشكيل حكومة أقلية، اعتماداً على قوة حزبه الذاتيه، مع تطعيم وزارته بتكنوقراط، غير حزبي، لمحاولة استمالة تأييد بعض الأجنحة، في الأحزاب الثلاث، المعارضة له، داخل البرلمان، والحصول على موافقة أغلبية البرلمان على التشكيل، وهو احتمال ضعيف للغاية 5) في حال الفشل المحتمل، لمحاولة أردوغان تشكيل حكومة أقلية، إذا ما رفضها البرلمان، فسيلجاً "جبراً"، لتكليف ثاني أكبر الاحزاب تمثيلاً في البرلمان، بتشكيل الحكومة، وهو حزب الشعب الجمهوري، والذي سيلجأ، قسراً، للتحالف مع الحزبين الثالث، والرابع (حزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديموقراطي) لمحاولة تشكيل حكومة ائتلافية، من أحزاب الأقلية، علّها تحظى بالحصول على تأييد برلماني. 2-3 6) في حال فشل أحزاب الاقلية، في تشكل حكومتها الائتلافية، نتيجة التناقضات فيما بينها، خاصة فيما يتعلق باختلاف "الحزب الثاني والثالث"، مع "الرابع" حول تسوية وحل المشكلة الكردية (بمنح الاكراد حقوقهم القومية، دستورياً وقانونياً، في إطار الدولة التركية)، تكون الأزمة السياسية التركية، قد اشتدت، ما يدفع الأمور في اتجاه انتخابات برلمانية مبكرة جديدة، خلال أشهر! 7) إن أفضت الانتخابات الثانية، إلى نفس نتائج انتخابات أمس، تكون الأزمة السياسية قد استحكمت نهائياً، بما في ذلك من تداعيات محتملة على انكماش، متوقع بشدة، على الحالة الاقتصادية، وهو ما لن تقبله كافة الأطراف، كلٌ لأسبابها! 8) لا يخفى على أحد، أن هناك لاعبين، غير حزبيين، يؤثرون بقوة، على ملامح السلطة السياسية، وتشكيل سياساتها، وتوجهاتها في تركيا، وهي بالتحديد "القوات المسلحة التركية"، ممثلة في هيئة الأركان، والسلطة القضائية، وهيئات التدريس الأكاديمية، في الجامعات، وقطاع واسع من الآلة الإعلامية التركية، تلك القوى التي تجنح، في مجملها، تجاه ترسيخ الدولة العلمانية، في تركيا، على النهج الأتاتوركي، تلك المؤسسات تراقب تطورات الموقف السياسي، بتعقيداته، وتترقب نتائجه 9) أمام حالة الانسداد السياسي التي طلت برأسها منذ الأمس، وما يستتبعها من مخاطر على الاقتصاد التركي، والتقدم الملحوظ للأكراد في ساحة السياسة التركية، والذي ترفضه بشده التيارات القومية واليمينية وحتى الاسلامية في تركيا، وأمام هذه الحالة من التوازن غير القابلة للحل السياسي، يلوح في الأفق المخرج التقليدي التركي الذي تم اللجوء اليه في مطلع الثمانينات، وهو قفز هيئة أركان القوات المسلحة التركية الى السلطة (كما حدث في نموذج كنعان إيفرين عام 1982). 3-3 في المجمل سينعكس هذا الوضع السياسي التركي المأزوم بشده، على الموقف التركي حيال قضايا شعوب، وبلدان، الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الوضع في سوريا، فقد كانت تركيا، هي الطرف الرئيسي، المتدخل في الشأن السوري، بدعم كافة القوى المسلحة، الناشطة، لتفكيك سوريا، والفتك بشعبها، وتفكيك مؤسسات الدولة بها، وفي المقدمة منها الجيش، فقد دعمت تركيا كلاً من داعش، وجبهة النصرة، والائتلاف المعارض السوري، خارج سوريا، والذي يتخذ أنقره واستانبول مقرات له، وأمام هذه الأزمة السياسية التركية، سينكمش الدور التركي، المتدخل بقسوة، في سوريا، وسيتراجع دعمها للقوى المسلحة فيها، خاصة مع المعارضة المباشرة، والصريحة، لذلك التدخل، من كلا حزب الشعب الجمهوري (فاروق لوغوغلو، المساعد الأول لرئيس حزب الشعب الجمهوري صح أمس لقناة الميادين، إنه في حال شكلت المعارضة حكومة ائتلافية، فإنها لن تتدخل في شؤون الدول العربية، وستدعم خيارات الشعوب، لا خيارات "الإخوان المسلمين"، كما لن تقدم أسلحة للمسلحين في سوريا)، وحزب الشعوب الديموقراطي، ذو القاعدة الجماهيرية الكردية واليسارية، ممثلاً في موقفه العدائي ضد داعش، وجبهة النصرة، نتيجة تعمد مساعدة تركيا ل"داعش" بشكل متبجح في معركة كوباني. وعليه، فالمتوقع تراجع الدعم التركي، للجماعات المسلحة المعارضة، للسلطة في سوريا، والتي تسيطر عملياً على ما يقرب من 60% من الأرض، فيما يحظى النظام السوري، نفسه، على تأييد ما يزيد عن 60% من أبناء الشعب السوري، الذين يتكدسون في دمشق، وغرب سوريا، بعد نزوح ملايين من السوريين إلى تلك المناطق "الآمنة"، بعيداً عن ويلات الحرب، والاشتباكات، وسيطرة العصابات الوحشية المسلحة، وسياساتها الرجعية والعبودية الرعناء، في معاملة جماهير الشعب السوري، في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، الأمر الذي ينذر باحتمالات قوية لانعكاس الوضع مجدداً في سوريا. أما عن مصر، فلاشك أن الأزمة السياسية التركية المستحكمة، والتي ينبئ اتجاه مسار الاحداث، في ضوئها، بخروج تركيا من مسار سياساتها المعادية لمصر، والداعمة لعصابات الإخوان المسلمين وأذرعهم العسكرية في مصر، إلى مسار آخر يتناسب مع القوى الأقرب للسيطرة على زمام الأمور في أنقره، ما يعني مزيد من الاستقرار للسلطة السياسية الحاكمة في مصر الآن، ويفسح المجال أمامها أكثر، من السابق، في ترتيب أوضاعها السياسية (برلمان)، والاقتصادية، بشكل أفضل، وأكثر براحاً، ويخفف الضغوط الاقليمية، ومن ثم الدولية، عنها ! أما عن ليبيا، فستنحسر بالضرورة أيضاً، المساعدات التركية، وبالتبعية (القطرية)، عن المعارضة المسلحة (الداعشية، والاخوانية، أيضاً، "فجر ليبيا"، على مابينهما من اختلافات ثانوية، وتاكتيكية) بما يضعف موقف تلك المعارضة، وبما يصب في صالح استقرار الاوضاع في ليبيا، وانعكاسات ذلك، إيجابياً، على الحال في مصر، وتأمين حدودها الغربية، وأيضاً على الجزائر، وتونس، بتأمين حدودهما الشرقية.