تقدم «البديل» عددًا من النماذج الفنية الفلسطينية، التي اعتادت أن تطوع الفن لمقاومة الاحتلال، إذ بات التراث الفني السلاح الوحيد في قبضة المبدع المقاوم. «زهيرة زقطان».. الهوية مطرزة بيد كنعانية الإبداع عندها بلا حدود، وُلدت عام 1950 في مخيم عقبة جبر بأريحا، درست في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في مخيم الكرامة، وأنهت الثانوية سنة 1974، ثم حصلت على شهادة البكالوريوس في الفلسفة وعلم النفس من جامعة بيروت العربية سنة 1979، أقامت عشرات المعارض الشخصية التي تضمنت لوحات تراثية مشغولة بالتطريز على القماش، في الأردن ولبنان وتونس ومصر والعراق وفلسطين، وهي عضو في رابطة الكتّاب الأردنيين. زهيرة زقطان، قدمت عددًا من الأعمال الإبداعية، منها قصص "أوراق غزالة"، وقصص "النعمان"، ورواية "مضى زمن النرجس"، إضافة إلى كتابها التوثيقي عن نصوص أوغاريت "أوغاريت ذاكرة حقل"، تعرف نفسها هكذا: زهيرة خليل زقطان خريجة فلسفة وعلم نفس بيروت العربية، كاتبة وباحثة في تاريخ الشعب الفلسطيني الكنعاني، منذ أصبح كيانًا على أرض سوريا الكبرى، قبل 5 آلاف سنة قبل الميلاد، واكتمل في الألف الثالثة قبل الميلاد، أكتب القصَّة القصيرة والرِّواية وأبحاثًا عن فلسطين ما قبل الميلاد، ضمن كتب وتصاميم لوحات فنيّة, أداتها الرَّسم ثم استخدام التَّشكيل الزُّخرفي لتلك المرحلة عبر الإبرة. قدمت معرضًا باسم "الكنعانيَّات"، في عمَّان ثم رام الله في احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربيَّة، وهو مجموعة من اللوحات التي يختلط فيها الماضي بالحاضر، وحملت لوحاتها قصائد محمود درويش عن الفترة الكنعانيَّة. تعلم جيدًا أن الكثير غاص في تاريخ هذه الفترة، ولعل محمود درويش يكاد يكون صاحب الرِّيادة حين نتجوَّل في قصائده لتكون لنا طريقًا لنكمل أو لنبحث، عاش كنعان في قصائده ملكًا وحارسًا لآدابنا وأساطيرنا وتاريخنا ولوطنٍ استلب، وتقول: أنا تأثَّرت بقصائده ووجدت متَّسعًا وفضاءً للعمل في تلك الجغرافية, ربما تخصصت أكثر من غيري بالعمل وخاصَّة اليدوي حيث كان لديَّ النصّ يرتبط بالزَّخرفة, ومعناها لديهم؛ لأنَّها أخذت شكلًا أدبيًّا رفيعًا، قابلًا للاستمراريَّة وقابلًا للتَّطوير والمعاصرة، ويدخل ضمن الفنِّ والأدب المقاوم في المعركة الفلسطينية. بالنسبة لها اللوحة حالة نص من نصوص كنعان, سواء كانت دينيَّة أو فنيَّة أو وثيقة بيع في يوم تجاري, أو قراءة أسطورة, أو طقس ديني, فهي تتعامل مع النَّص أوَّلًا ثم التَّشكيل بالزّخرفة حسب معناها، كذلك الأشكال المرسومة على المسلاّت التاريخية والمحفورة على جدران المكتشفات أضيفها حسب النَّصِّ إلى اللَّوحة. «محمود المقيد».. أصم يسمع البحر في لوحاته بطل القصة الشاب الأصم محمود المقيد، من مواليد غزة عام 1993، يعاني من صمم وراثي ومشكلات بصرية شديدة، له من الأخوة ستة نصفهم يعانون من الصمم، بدأت موهبة محمود منذ أن كان طفلًا في الرابعة من عمره، يقضي معظم أوقاته بالرسم على الورق وعلى جدران منزلهم المتواضع، شعر المحيطون به أن لدى الطفل الصغير تعلقًا كبيرًا بالرسم، وهو ما حدث بالفعل حيث نمت موهبته مع نموه جسده سنة بعد أخرى. كل رسمة من رسومات المقيد كانت أكبر من سنِّه، تعكس القوة في الخطوط وفي اختيار الألوان، من خلال تجسيد ما تبصره عينه اليمنى الضعيفة في إبصارها، تدرج في التعليم الابتدائي والمتوسط متحديًا ظروف إعاقته ومعيشته الصعبة في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، فلم تمنعه إعاقته المزدوجة بين السمع والكف الجزئي للبصر من ممارسة حياته الاجتماعية، سواء في المدرسة، أو الأسرة أو الشارع فهو كثير الأصدقاء غير انطوائي، استطاع أن يحول إعاقته إلى إبداع وابتكار، بعد أن امتلك موهبة الرسم. بأنامله الصغيرة يخط خريطة الوطن، وينثر على وجهها تفاصيل حياة الفلسطينيين فيها، في القرى يصورهم بين الجداول والينابيع، فهم يعيشون حياة بسيطة، يترجم مشاعرهم بريشته على الأوراق بألوان تتموج كقوس المطر، وفي لوحات أخرى يصور آلامهم ونكباتهم. نمى موهبته من خلال دراسته في مدرسة الصم التابعة لجمعية أطفالنا للصم بمدينة غزة، واستطاع أن يشارك بلوحاته الفنية في الكثير من المعارض المحلية والدولية، التي لم تنل فقط إعجاب من يبصرها، بل أيضًا استحقت الجوائز، إذ حصل على المرتبة الثالثة ضمن جائزة فلسطين الدولية للإبداع والتميز عن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة قبل أعوام. الرسم بالنسبة له وطنه وملاذه، ويتعدى كونه نشاطًا ترفيهيًّا إلى أداة لإيصال رسالة سامية، يعبر من خلالها عما يدور على الساحة الفلسطينية، اجتماعيًّا وإنسانيًّا وسياسيًّا، فينسج لوحات القدس من تفاصيل واقعها الأليم، من دموع المصلين، وأمل المرابطين في حفظها، ولوحات أخرى ينسجها من أحلام وردية يتمنى أن تحقق واقعًا، لا تبتعد كثيرًا عن الحرية والوحدة والحياة الآمنة. ولوحات ثالثة من حكايات الأجداد تعكس التاريخ والتراث والعادات والتقاليد الفلسطينية، تعيد من يبصرها إلى الوراء، وتدعوه إلى التمسك بذلك الحق الذي أوشك أن يسلب ليس عنوة وبإرادة واهنة غير مدافعة عن الحق والأرض والتراث. «رائد القطناني».. يخلد موروث أجداده تتجلى في لوحاته مواقف عديدة من جماليات الموروث الفلسطيني، وكأنه بذلك يتخير حدود رغباته وانحيازه لخياره الوطني وانتمائه لذاته الفلسطينية، الممجدة لتراب الوطن، وناسه الطيبين، وجموع الشعب المنتشرين داخل الحدود وخارجها في أماكن اللجوء القريبة والبعيدة. الفنان التشكيلي الفلسطيني "رائد القطناني"، المولود عام 1973، والمقيم في مدينة دمشق، ومتابعًا فيها جميع مراحل حياته الدراسية الأكاديمية والمهنية الوظيفية، هو من عائلة فلسطينية مُهجرة ولاجئة، تعود في أصولها إلى قرية يازور قضاء مدينة يافا الفلسطينية. تخرج من قسم التصميم الإعلاني/الاتصالات البصرية/بكلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 1995، ليخوض غمار رحلته الفنية والمهنية في ميادين العمل متعددة الصنائع، حيث تسنى له العمل في مجالات التصميم الطباعي، وإدارة البرامج الجرافيكية منذ عام 1996، ويعمل حاليًا مدرسًا في معهد تدريب دمشق التابع لوكالة الغوث الدولية في سوريا، في قسم التصميم الفني. مُشارك في معارض اتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين فرع سورية، وحاصل على مجموعة جوائز أولى وشهادات تقدير عن مساهماته في مسابقات التصاميم الفنية لبطاقات التهنئة والمجوهرات وسواها. يقول عنه الناقد والفنان التشكيلي عبد الله أبو راشد: لوحاته المدرسية الملازمة لمراحل دراسته الفنية في رحاب كلية الفنون الجميلة، تشي بطبيعة ميوله ومجال اهتمامه في تخيير مواضيع قريبة من ذاته الإنسانية وأحلامه الموصولة برسم تفاصيل لشخوص من بيئته المحلية المحيطة، التي تجد في المواضيع التراثية الشعبية مجالها الحيوي في رصف بنيان مكوناته الشكلية، فكرة ومواضيع ومعالجات تقنية منفذة بالتأليف الخطي واللوني المباشرة باليد الحرة الطلقة، وأخرى قائمة على توظيف تقنيات برامج الكمبيوتر من عينه المبصرة والبصيرة في انتقاء مدرات وصفه البصري عبر توليفات شكلية متعددة الخصائص والمسميات. لوحاته مسكونة بالهم الفلسطيني وحركة نضاله المستمرة من خلال توظيف رمزية المقاومة المتجسدة بالحصان، أو بتشكيلات الفدائيين الفلسطينيين الذين يحملون بنادقهم المشرعة نحو قوات الاغتصاب الصهيوني، ودماؤهم على راحة ايديهم الممسكة بالسلاح، وربطها الحسي والبصري في مجاز الوصف لتجليات التراث الشعبي، وشخوص النسوة والرجال في مظلته الوصفية، له ما يبررها كدلالة معنوية على تكامل النضال الوطني الفلسطيني ما بين أبناء الشعب وأرضه وتاريخه وموروثة في جعبة نضالية واحدة غايتها تحرير فلسطين الأرض والإنسان.