"عايزينها تبقى خضرا.. الأرض اللي ف الصحرا، ونقدمها لمصر هدية.. حاجة جميلة ومعتبرة".. كلمات للراحل صلاح جاهين، كانت "تتر" للفقرة الزراعية بالبرنامج الصباحي في التليفزيون، وتزامن هذا الأمل الذي تشير إليه مع تصريحات وإعلانات من الحكومة بالبدء في غزو الصحراء وتعميرها، إلَّا أنها كانت في الواقع تقوم بعملية "تصحير" مقصودة ومتعمدة، خاصة بأرض الفيروز التي أصبحت "خرابة" بفعل التهميش لسنوات. بدأ الحلم ب"المشروع القومي لتنمية سيناء" الذي أقره مجلس الوزراء في 13 أكتوبر 1994، وأصبح أهم مشروعات خطة التنمية الشاملة، وفي سبتمبر 2000، تم إعادة رسم استراتيجية التنمية لتضم محافظات القناة، وبلغت التكلفة الاستثمارية الجديدة 110.6 مليار جنيه حتى 2017، منها 64 مليار جنيه لشمال سيناء و46.6 مليار جنيه لجنوبسيناء. وفي إطار الخطة القومية لإعادة تعمير سيناء، التي من المفترض أن تستمر حتى عام 2017، استكملت عملية الربط بإنشاء جسرين فوق القناة هما، الكوبري "المعلق" جنوب القنطرة، وكوبري "الفردان" المتحرك للسكك الحديدية، فضلًا عن مد خط السكة الحديد بين الإسماعيلية ورفح بطول 217 كيلو مترًا، وكغيرها من المشروعات باءت بالفشل. وبعد 13 عامًا من تولي الرئيس الأسبق حسني مبارك الحكم، أقر مجلس الوزراء المشروع القومي لتنمية سيناء، وقدر له 75 مليار جنيه، وأصدر قرارًا جمهوريًّا بتخصيص 400 ألف فدان لحفر ترعة السلام، لكن توقف المشروع عند المرحلة الثانية منه في عام 2010، بدعوى الحاجة إلى تمويل ب5 مليارات جنيه. وبعد عام من اندلاع ثورة 25 يناير 2011، أصدر المجلس العسكري، مرسومًا بقانون رقم 14 لسنة 2012، بشأن التنمية المتكاملة بسيناء، وأصدر المعزول محمد مرسي أثناء يوليه الحكم، قرار رقم 959 لسنة 2012، لتنفيذ المرسوم الصادر في عهد المجلس العسكري. وبعد عزل "مرسي" صارت سيناء مرتعًا للإرهابيين، وجاء قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي في فبراير الماضي، بتخصيص 10 مليارات جنيه لتنمية ومكافحة الإرهاب بسيناء، ومنذ انطلاق مشروع التنمية في التسعينيات، وسيناء مازالت بعيدة عن مفهوم التنمية بمرور 20 عامًا. المشروع لم يتعد ال30% أوضحت دراسة علمية أعدتها الدكتورة أمل زكريا، الخبير بمركز التنمية الإقليمية بمعهد التخطيط القومي، أن عملية التنمية في سيناء واجهت مشكلات عدة مرتبطة بأخطاء في القرارات التي اتخذت على مدى 30 عامًا من تحريرها، مضيفة أنه رغم توافر المقومات الطبيعية وجزء أساسي من البنية التحتية، إلَّا أنها لم تستغل بشكل جيد. وكشفت الدراسة أنه رغم تنفيذ عدد من المشروعات المهمة بمجال الكهرباء والطرق والمرافق والخدمات الأساسية، وإنفاق المليارات في إطار المشروع القومي لتنمية سيناء، إلَّا أن نسبة التنفيذ لم تتجاوز 20 30%، ولم يصل عدد السكان إلى 3 ملايين، بل بالكاد بلغ سُدس هذا المستهدف رغم مرور 19 عامًا على بدء المشروع، عن استمرار معاناة أهالي سيناء. وأعلن إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، الانتهاء من تنفيذ الأعمال ب220 ألف فدان من إجمالي ال620 ألف فدان بغرب قناة السويس، وتنفيذ 12 محطة طلمبات رفع الخاصة بالمشروع، باستثمارات تقدر ب498.4 مليون جنيه، وتخطيط شبكات الري العامة ل25 مأخذًا على ترعة الشيخ "جابر الصباح" لري أراض بمساحة 156.5 ألف فدان، والانتهاء من تنفيذ أعمال البنية الأساسية ل8 مآخذ لري 28.909 ألف فدان، وجاهزة للطرح والاستثمار. وتنفذ وزارة الكهرباء والطاقة أعمال التغذية الكهربائية لمشروع تنمية سيناء، حيث بلغت قيمة استثمارات ما تم تنفيذه حوالي 551.884 مليون جنيه، كما أنه جاري تنفيذ 15 مأخذًا آخر بمساحة 85 ألفًا و217 فدانًا. "تعمير سيناء".. جهاز بلا جدوى قال محمود عشري، موظف: مشروعات تنمية سيناء عليها التسليم بأن البداوة هناك أسلوب حياة ونمط للإنتاج، وسكان الصحراء أساس التنمية وليسوا مجرد مستفيدين منها، وهناك ضرورة لمشاركتهم في رسم خطط المشروعات، كلما كان ذلك ممكنًا، مشيرًا إلى أنه لا فائدة من جهاز التعمير سوى صرف ميزانيات بالملايين والحجة "تعمير سيناء"، ولا نرى صداها على أرض الواقع . وعلق محمد السقا، رئيس جهاز تعمير سيناء: مشروعات التنمية لم تتوقف منذ 1982، واتهامات عدم جدوى الجهاز غير دقيقة، مضيفًا: نحن لا نكتفي بالشعارات، لكن نعمل من خلال منظومة وفكر مدروسين. وأضاف "السقا": أن الجهاز أدخل 95% من الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وصرف صحي للمدن الرئيسة بسيناء، مثل "طابا وبئر العبد ورأس سدر والطور والعريش"، ويتم التركيز حاليًا على تنمية التجمعات البدوية، بتوفير سكن وتنفيذ شبكة طرق تربط تلك التجمعات بالطرق الرئيسة. "الإسكان" وحدها لا تكفي تقتصر مهمة تنمية سيناء على وزارة الإسكان، فهي وحدها التي تحدد موازنة تعميرها كل عام، رغم إلحاح كثير من الخبراء بضرورة إنشاء وزارة خاصة لتعمير سيناء فقط. وأعلن الدكتور مصطفى مدبولي، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، عن مناقشة الموازنة المقترحة لجهاز تعمير سيناء بالجهاز المركزي للتعمير "2015 2016″ ب456 مليون جنيه، بزيادة عن العام الحالي 66 مليون جنيه، لاستكمال تنفيذ مشروعات جارية وأخرى جديدة، مشيرًا إلى أن الجهاز بدأ منذ فترة تنفيذ عدد من مشروعات العام المالي الحالي "2014 2015″، باستثمارات تصل إلى 834 مليون جنيه، ورأى كثيرون أن هذه التصريحات لا تعدو كونها استهلاكًا محليًّا؛ لأن موازنة العام الحالي جاءت دون أي بند واضح للتخصيص في هذا الشأن. وأوضح خبراء: أن تنمية سيناء لا تتوقف على إقامة وحدات سكنية فقط، وإنما تحتاج إلى خطة تنمية شاملة على مستوى أكبر، لافتين إلى أن ثروات سيناء ومواردها قادرة على تحقيق التنمية الحقيقية. وقال أحمد خزيم، الخبير الاقتصادي: تحتاج سيناء إلى تطوير لإقامة اقتصاد سياحي وفتح مجال لاقتصاد زراعي وصناعي وخدمي وبحري، وكلها تتوافر بنسبة 100% وتكفي لسد عجز الموازنة المصرية خلال 5 سنوات، ويمكن في ذلك الاستفادة من التجربة الماليزية. وقال محمود علي، من العريش: نحتاج فقط إلى التصنيع، فيوجد بوسط سيناء 13 خامة تعدينية، تكفي لإقامة مشروعات استثمارية ومصانع لعشرات السنين، كمصنع للرخام وللزجاج والإسمنت، بالإضافة إلى الصناعات الثقيلة واستخراج الفحم، مما يوفر فرص عمل وخلق مجتمع اقتصادي.