شهدت الفترة الماضية سلسلة من الجرائم الانتهاكات داخل أقسام الشرطة، أبرزها أقسام المطرية وإمبابة والخليفة ومصر القديمة، حيث شهدت هذه الأقسام العشرات من حالات التعذيب، وانتهي أغلبها إلى وفاة دون أن يكون هناك عقاب رادع لأفراد الداخلية، الذين ارتكبوا هذه الجرائم التي كانت أقوى أسباب قيام ثورة يناير، وحذر الدستور المصري الذي أقر مطلع العام الماضي على تجريم التعذيب بأشكاله كافة حيث نصت المادة (42) من الدستور على أن "كل مواطن يقبض عليه، أو تقيد حريته بأي قيد يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذاؤه بدنيًّا أو معنويًّا". كما ينص الدستور في المادة (57) على أن "الدعوى الجنائية أو المدنية الناشئة عن التعذيب لا تسقط بالتقادم"، ثم يأتي قانون العقوبات ليفصل تلك القواعد في عدد من المواد منها المادة (26) التي تنص على أن "كل موظف أو مستخدم حكومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك لحمله على الاعتراف يُعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من 3 10 سنوات، وإذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل العمد"، والمادة (282) التي تقرر أنه يحكم في جميع الأحوال بالأشغال الشاقة المؤقتة على من قبض على شخص بدون وجه حق، وهدده بالقتل أو عذبه البدنية. ويُضاف إلى تجريم كل من الدستور وقانون العقوبات لجريمة التعذيب، ما ورد في اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقَّعت عليها مصر، وتعتبر مكملة للدستور ومن أهم بنودها: "لا يجوز التذرع بأي ظروف استثنائية أيًّا كانت سواء أكانت حالة حرب، أو تهديد بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي، أو حالة من حالات الطوارئ، كمبرر للتعذيب. ورغم ذلك توجد مشكلة قانونية تتمثل في المادة (162) من قانون الإجراءات الجنائية التي تحرم المجني عليه أو أهله في حالة وفاته من حق التقاضي المباشر، وتعطي هذا الحق للنيابة العامة دون غيرها، وتعتبر تلك المادة أن التعذيب إذا ما حدث أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها، من حق التقاضي أو استئناف الأمر الصادر؛ حيث تنص على أنه لهذه المادة فقد تمَّ حفظ عشرات القضايا بقرار من النائب العام، ليس هذا فحسب، بل إن بعض القضايا قد تصل إلى قاعات المحاكم ثم يحكم بأنه لا وجه لإقامة الدعوى لعدم كفاية الأدلة وفقًا للمادة (154) من قانون الإجراءات الجنائية. كما توجد صعوبات حقيقية في استيفاء الأدلة على واقعة التعذيب وكفايتها، منها أن المجني عليه يُعذب وهو معصوب العينين، واستخدام الضباط لأسماء غير حقيقية، فضلًا عن أن هناك أساليب للتعذيب لا تترك أثرًا ظاهرًا، أو يصعب إثباتها كالتحرش الجنسي والصدمات الكهربية، كما أنه في كثير من الحالات لا يتم عرض المجني عليه على النيابة والطب الشرعي إلَّا بعد زوال آثار التعذيب، كما أن الطب الشرعي لا يثبت إلَّا الإصابات العضوية الظاهرة، ولا يلتفت إلى الإصابات النفسية الناجمة عن التعذيب رغم أنها الأشد قسوةً والأكثر تأثيرًا. كما تنص اتفاقية الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة لحقوق الإنسان ضمن مرجعية الأممالمتحدة. وهي تهدف إلى منع التعذيب في جميع أنحاء العالم. وتلزم الاتفاقية الدول الأعضاء باتخاذ تدابير فعالة لمنع التعذيب داخل حدودها، ويحظر على الدول الأعضاء إجبار أي إنسان على العودة إلى موطنه، إذا كان هناك سبب للاعتقاد بأنه سيتعرض للتعذيب. وشهد قسم إمبابة أكثر من 8 جرائم لحالات وفاة خلال الفترة الماضية، بين قتل وهتك عرض، بالإضافة إلى قسم مصر القديمة الذي شهد حالتي وفاة خلال 48 ساعة منذ عدة أيام، ويضم قسم الخليفة أيضًا سلسلة الأقسام الأكثر تعذيبًا للمواطنين. ويقول جورج إسحاق، عضو المجلس القومي: تقرير المجلس رصد وجود 36 حالة تعذيب داخل أماكن الاحتجاز، لذلك يجب إعادة النظر في أماكن الاحتجاز الموجودة داخل أقسام الشرطة، موضحًا أنّ المجلس نجح في تعديل اللائحة الداخلية للسجون، لافتًا إلى أنّه: "يُوجد أشخاص مرضى في السجون وعلى شفا حفرة من الموت"، موضحًا أنّ المجلس القومي لحقوق الإنسان رصد تجاوزات في مجال الصحة وغيرها من المجالات الأخرى، مؤكداً أنّ التوصيات التي تخرج من المجلس القومي لحقوق الإنسان لا تُؤخد بعين الاعتبار من المؤسسات التنفيذية. وفي السياق نفسه، أشار الناشط الحقوقي محمد زارع إلى ارتكاب العديد من الانتهاكات يوميًّا بأقسام الشرطة دون محاسبة أو رقابة من الدولة، موضحًا أن هناك أقسام شرطة تشتهر بالتعذيب، منها قسم المطرية الذي شهد العديد من حالات التعذيب، انتهت بموت بعض المتهمين داخله، لعل آخرهم مقتل المحامي كريم حمدي. وتابع أن هناك تحذيرات عديدة من الوضع داخل السجون إلَّا أن الداخلية مازالت مصرة على العودة إلى ما قبل ثورة يناير، واستمرار سياسية التعذيب مع المتهمين في أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز، مشيرًا إلى أنه لابد من تفعيل القانون والدستور وعقاب كل من يقوم بهذه الجرائم، مع توفير حياة آدمية في أماكن الاحتجاز، سواء في السجون أو أقسام الشرطة.