مسلسل «القاضى والزبال» الثقافة الحاكمة للمجتمع المصرى منذ 7000 سنة، حين نصب الحاكم الفرعون نفسه إلهًا تجب طاعته والرضوخ لإرادته. وعلى مر العصور لم يفقد الحكام والمسئولون تلك النظرة لأنفسهم وللشعب، فالمسئول لا يخطئ ولا يحاسب، وله فروض الطاعة والولاء، والمواطن يجب عليه الالتزام بتنفيذ أوامر واتباع نهج السادة. ولعل تصريح وزير العدل المستقيل خلال الأيام الماضية عن عدم جواز تعيين ابن عامل النظافة في مناصب قضائية؛ لأن وضعه الاجتماعى لا يسمح له بأن يطمع فى مكانة مرموقة يحتلها الساسة و"ولاد الذوات"، وعليه أن يشكر الدولة على السماح له بإكمال تعليمه، وحادث العريش الإرهابي الذي أسفر عن مقتل 4 مواطنين، بينهم 3 قضاة، ليتصدر مانشيتات الصحف خبر اغتيال القضاة، فيما تجاهلت كافة وسائل الإعلام مقتل السائق الرابع فى الحادث؛ لعل هذا يوضح لنا أن العنصرية فى مصر أصبحت أسلوب حياة، وليست سقطة لسان وقع فيها وزير العدل محفوظ صابر. حكومة «الشو الإعلامي» تلتفت لأهل السائق بعد حملات مدوني التواصل الاجتماعي نشر نعي على صفحة القوات المسلحة بموقع "فيس بوك" هو ما كل ما حصلت عليه عائلة "شريف حسين" سائق قضاة العريش ضحايا الحادث الإرهابي بالعريش، يوم السبت الماضي. ورغم الاهتمام الإعلامي بالحادث، إلا أن التركيز كان على القضاة فقط والاكتفاء بالإشارة إلى وفاة السائق معهم، كما أقامت الحكومة جنازة عسكرية للقضاة، وحضرها كبار المسئولين في الدولة، في حين أن سرادق العزاء الخاص بالسائق خلا من أي شخصية تتبع وزارة الداخلية أو القوات المسلحة، كما لم يتصل بذويه أحد من أي جهة أمنية. وكالعادة لم تتحرك الحكومة الحالية أو أي من مسئوليها إلا في أعقاب الهجوم من قِبَل وسائل التواصل؛ نتيجة إهمال أهل الشهيد، فخرج المتحدث باسم الحكومة ليصرح بأنه تتم دراسة تخصيص مرتب شهري لأهل المتوفى، كما قال المستشار الزند رئيس نادي القضاة بأنه سيتم صرف 100ألف جنيه لأهل الشهيد، بالإضافة إلى عمرة لزوجته، غير أن ذلك التحرك لم يكن ليحدث لولا الهجوم الحاد من رواد مواقع التواصل، وهو ما يؤيد أن الأصل لدى الحكومة هو ثقافة السادة والعبيد، ولكنها تحاول تحت الضغوط أن تظهر عكس ذلك. يقول الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن الأزمة التي تواجه المجتمع حاليًّا هي عدم الاهتمام بالجانب الإنساني للمواطن والتركيز فقط على الجوانب السياسية والاقتصادية؛ مما أثار حفيظة المواطن الكادح البسيط والذي شعر خلال الفترة الماضية بتهميشه، سواء من خلال القرارات الحكومية أو التناول الإعلامي. ويضيف العالم بأن السائق في حادثة الاغتيال التي وقعت بالعريش إنسان مثله مثل القضاة، وكان لزاماً على الإعلام الاهتمام به وبأسرته، وتوضيح فكرة أن كل من يستشهد في عملية إرهابية هو شهيد وطني له كافة الحقوق والواجبات على الدولة والمجتمع، لا أن يكون هناك فارق بين شهيد من علية القوم وآخر من الكادحين. ويؤكد الخبير الإعلامي أنه ربما لقيمة الحدث وتوقيته، بحيث تم استهداف القضاة عقب حكم الإعدام على مرسي وأعوانه، هو ما جعل الإعلام يركز على الصفة الوظيفية للمتوفين أكثر من شخصياتهم، ولكنه ليس مبرراً كي نتناسى بأن الجميع مصريون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، حتى لا تترسخ فكرة الطبقية لدي المواطنين البسطاء. إهمال الدولة للمواطنين يفسح المجال للطرف الثاني وقال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي وأمراض المخ والأعصاب، إن هناك قاعدة مترسخة فى أذهان المسئولين تجاه المواطين فى التعامل معهم، وهى ازدواجية المعايير فى المعاملة. وأكبر دليل على ذلك هو خروج وزير العدل السابق علينا ليفجعنا بمقولته عن ابن الزبال "كتر خيره إنه اتربى"، وسط حالة من ذهول الجميع، وبالأمس القريب اهتمام المسئولين بحادثة اغتيال القضاة وغض الطرف عن السائق الذى يعبر عن المواطن المطحون. وأوضح فرويز أنه لا يمكن حل تلك المشكلة النفسية التى أصبحت يعانى منها المجتمع بكافة طبقاته، والتى ترسخت منذ أمد بعيد، بالمواجهة الإعلامية أو الكتابة الصحفية، فالأمر أصبح معقدًا، بعدما أثرت تلك المشكلة فى ثقافة المصريين، بل يحتاج إلى جهد كبير من كافة مؤسسات الدولة؛ لمواجهة ومعالجة تلك الثقافات؛ لأن الأمر خطير جدًّا، فالبسطاء من الناس إذا لم يجدوا من يحنو عليهم وينصرهم، سيفتح ذلك الباب للطرف الثانى؛ ليكون لهم نصيرًا لهم، ويستغل حاجاتهم وافتقارهم للاهتمام، ويقوم هو بذلك الدور، ويصنع من نفسه قادة لنصرة أفكارهم، وحينها لن يكون ولاء المصريين لوطنهم، بل سيكون لتعاليم وإرشادات هذا الطرف، سواء كانت مع مصالح الوطن أو ضده.