طل علينا العام الجديد وكلنا يحدونا الأمل في عام سعيد ينسينا ما فعله العام المنقضي من أحداث بلطجة وعنف وسلوكيات جديدة علي المصريين ما كنا نتمني ظهورها. هل يشهد العام الجديد عودة لسلوكيات المصريين الطيبة؟! أم سنظل نعاني كما عانينا طوال العامين الماضيين بعد الثورة؟! .. وكيف نعود بهذه السلوكيات إلي سيرتها الأولي؟! .. كل هذه الأسئلة وجهناها لخبراء الاجتماع وعلم النفس الذين أكدوا صعوبة حدوث أي تغييرات في سلوك المصريين بهذه السرعة.. مطالبين بالاهتمام بأطفالنا. خاصة جيل الحضانة والابتدائي لأنهم الأمل الوحيد لتربيتهم علي القيم والمباديء والمثل العليا. أضاف الخبراء ان الاهتمام بدور الأسرة والمدرسة والمسجد والكنيسة والجامعة ومراجعة ما يقدمه الاعلام خطوة علي الطريق الصحيح مع معالجة حالات الانقسام الموجودة في الشارع ودوران عجلة الانتاج والقضاء علي البطالة مما يبعد الناس عن أية سلوكيات سيئة والتأكيد أن العودة القوية للشرطة -دون بطش- سوف تساعد علي الإحساس بالأمان.. وبالتالي اختفاء أعمال البلطجة والعنف. * تقول د. نادية رضوان "أستاذ الاجتماع بجامعة قناة السويس": أنا شخصيا ليس لدي طموح أن تتغير الشخصية المصرية بين عشية وضحاها. ومادام الانقسام موجود بين المصريين فلن يخلف الغد عن البارحة. مؤكدة أن هذا التغيير قد يحدث علي المدي البعيد بعد 15 أو 20 عاماً عندما نربي الجيل الجديد علي قيم وأخلاقيات -للأسف- افتقدناها في الفترة الحالية. شخصية مشوهة أضافت ان الشخصية المصرية أصبحت مشوهة. وهذا نتاج ال30 سنة السابقة. فالزرع الذي تم زراعته -للأسف- لم يكن جيداً. وبالتالي النتاج أو الحصاد جاء مسخاً.. مشيرة إلي أن الإسلام ليس فقط في الجلباب القصير والنقاب. بل هو أكبر وأعظم من ذلك.. أين نحن من تعاليم الإسلام التي تتحدث عن إماطة الأذي عن الطريق. والدين المعاملة. استنكرت د. نادية تدني مستوي الخطاب الديني والذي يُفترض أن يغير سلوكياتنا ويعدلها إلي الأفضل. لا أن نتبع أساليب لا يقرها الإسلام مثل الغاية تبرر الوسيلة! طالبت د. نادية بالاهتمام بالجيل الجديد الذي لم يتجاوز عمره ال8 سنوات أو أقل ونعطيه الخطاب الديني الجيد والتعليم الجيد والاعلام الجيد والاهتمام بمسكنه في بيئة صحية بعيداً عن العشوائيات والاهتمام بصحته مثل حكومات الدول المتقدمة التي تهتم بهؤلاء الأطفال.. ومؤكد ستكون النتيجة أجيالاً متعلمة لديها سلوكيات محترمة. وبالتالي ستصعد طموحات هذه الأجيال إلي القمر أو حتي أكثر من ذلك.. لكن للأسف أحلامنا أصبحت هي العودة إلي فترة الخمسينيات. تدهور شامل * أما د. خالد كاظم أبودوح "أستاذ علم الاجتماع السياسي بجمعة سوهاج" فيقول: إننا الآن نعاني حالات التدهور في كل المجالات. وهذا ليس بسبب ثورة 25 يناير. إنما منذ أكثر من 50 عاماً حيث تعرض المجتمع المصري لإهمال كبير في كافة المجالات. خاصة مجال التعليم الذي لم يقم بالدور المنوط به. وبالتالي وصلنا الآن لهذه المرحلة المتدهورة من الأخلاقيات. أضاف ان ثورة 25 يناير عملت علي زيادة حالات الانفلات الأخلاقي والأمني. مؤكداً أن العلاج يبدأ بعمل ثورات وتحويلات جذرية في كافة المجالات.. والبداية مهمة جداً ب3 أطراف هي: الأسرة والمدرسة والاعلام. أولاً : بالنسبة للأسرة يجب معالجة كافة المشاكل التي تواجه الأسرة.. فدورها لا يقتصر علي الجانب الاقتصادي من توفير المأكل والمشرب والمسكن.. فللأسرة أدوار أكبر من ذلك. أهمها دور الأبوة والأمومة والذي يشمل التربية السليمة وأيضا حل كل المشكلات التي تواجه أفراد الأسرة لأنها نواة المجتمع وهي تحتاج لإعادة نظر سريعة. ثانياً: المدرسة وهي التي تكمل دور الأسرة بالاهتمام بالمناهج التعليمية التي تناسب المجتمع لأنه من المفترض أن تعمل هذه المناهج علي تخريج أجيال صالحة تستطيع أن تلعب الأدوار المطلوبة منها. ثالثاً: الاعلام وهو المؤسسة التي تخدِّم علي الأسرة والمدرسة ولهذا يجب أن نعيد النظر في الاعلام. خاصة سيطرة رأس المال علي القنوات الفضائية الذي أدي إلي تدهور الخطاب الاعلامي.. ويجب الاهتمام بالاعلام كمهنة وذلك بأن يتولي أمره أشخاص مؤهلون علمياً يستطيعون أن يقدموا اعلاماً واعيا بعيداً عن الإسفاف والتجاوزات. أشار د. أبودوح إلي أننا لو اهتممنا بالأسرة والمدرسة والاعلام نستطيع أن نقول اننا بعد 5 سنوات قد نري بعض الإصلاح وبعد 10 سنوات نحصد ما زرعناه.. مؤكدًا أن المجتمع المصري -الآن- مازل يلعب في أزقة التاريخ. ويحتاج لعملية جذرية ليضع قدمه علي الطريق الصحيح. شعب متسيّب * يقول د. جبر محمد جبر "أستاذ علم النفس الإكلينيكي بجامعة المنوفية": إن الشعب المصري أصبح شعباً متسيباً -للأسف- ويحتاج عملية انضباط سريعة.. مؤكداً أن الثورة لا تعمل علي التسيب إنما تؤدي إلي النضج. أضاف أن المطلوب هو إعادة الثقة بين الشعب والسلطة. وأيضاً أن تعمل القوي السياسية المتناثرة والمتناحرة علي الالتقاء لمصلحة شعب مصر. وأيضا علي الشعب المصري أن يبعد عن السلبية ويكون له دور فاعل في الحياة السياسية. أشار د. جبر إلي أنه علي البرلمان أن يصدر تشريعات لانضباط المجتمع. والشرطة يجب أن يكون لها دور إيجابي بعيداً عن التسلط. مؤكداً أن معظم مؤسسات الدولة مترهلة عدا المؤسسة العسكرية. ولذلك فعليها دور كبير لمشاركة قوات الشرطة في حفظ الأمن. استنكر د. جبر ما تفعله أجهزة الاعلام. خاصة القنوات الفضائية الخاصة التي تركز علي مجموعة صغيرة من النخبة السياسية متناسين أن هذه النخب لا تمثل عموم المجتمع المصري. ولهذا فعلي أجهزة الاعلام ترك هذه النخب والنزول للشعب المصري للاستماع إلي آرائه. أضاف ان أئمة امساجد لهم دور إيجابي وأيضاً حيادي والمفروض عدم فرض آرائهم علي المصلين. وعليهم أن يكشفوا للناس الحقائق بعيداً عن التوجيه. بلطجة وليس عنفاً * يقول د. جمال فرويز "أستاذ الطب النفسي بالأكاديمية الطبية": يوجد الآن جانبان.. الأول: أن الناس تميل إلي النظام الحاكم ليس حباً فيه بقدر الخوف علي البلاد من الانفلات وشبح الافلاس.. والجانب الثاني وجود الطرف الثالث الذي يخرّب في البلاد ويسرق وينهب ليس بهدف السرقة. ولكن بغرض تخويف المصريين.. مشيراً إلي أن الخوف كل الخوف أن يصل الأمر إلي درجة الاغتيال السياسي لبعض الشخصيات التي لديها قبول شعبي بهدف تدمير البلاد. أضاف ان ما يحدث الآن ليس عنفاً. ولكنه بلطجة. والفرق بين الاثنين كبير جداً. فالبلطجة هي من طرف واحد. ولكن العنف من طرفين.. والبلطجي شخصية سيكوباتية لديها سلبية ولا مبالاة. مؤكداً أن عدة جهاز الشرطة بكامل هيئته وهيبته. وبدون بطش. ينهي هذه السلوكيات السلبية لأن هناك نوعاً من البلطجية لم يصل لهذه الدرجة إلا بعد ضعف المستوي الأمني لأنه كان عنده استعداد للانحراف وخوفه من الشرطة منعه. أشار د. فرويز إلي أن عودة المصريين لما كانوا عليه يعتمد في المقام الأول علي الحكومة لأن إهمال الحكومة سوف يزيد من البلطجة. ولو كانت الحكومة قوية ولديها جهاز شرطة قوي فسوف تري التزاماً وعودة إلي السلوكيات الطيبة. تحقيق أهداف الثورة * تقول د. سميحة نصر "أستاذ علم النفس ورئيس شعبة بحوث الجريمة السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية": لا نستطيع الجزم بتغيير سلوكيات المصريين في العام الجديد. ولكن سلوكيات المصريين يمكن أن تتغير عندما يفرغون كل ما بداخلهم بعد أن عاشوا 30 سنة محبطين مكبوتين. في قلق وخوف وضغوط اجتماعية واقتصادية لا حدود لها. أضافت أن الثورة إلي الآن لم تغير شيئاً قد تكون فرّغت جزءًا صغيرًا مما بداخلهم. وإلي أن يتم تفريغ كل ما بداخلهم وقتها سوف نقول إننا وصلنا إلي السلوكيات الأصيلة والطيبة للشعب المصري. ونستطيع أن نقيس ذلك عند حدوث -ولو قدر من- الاستقرار. أو عندما يشبع المصريون جزءًا مما طلبوه خلال الثورة من عيش وحرية وعدالة اجتماعية .. وإلي الآن لم يتحقق أي منها. ولو تحققت كل مطالب الثورة فسوف يحدث -وقتها- استقرار للشخصية المصرية. * يقول د. محمد هاشم بحري "أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر": إن عودة سلوكيات المصريين إلي ما كانت عليه يعتمد علي خطة العمل التي تنتهجها الحكومة لتطوير البلد. ولو كانت هناك خطة عمل جيدة نشعر بها وبنتائجها فسوف يعود الاستقرار. مؤكداً أنه ما دام لا يوجد عمل والبطالة تسود توقع الأسوأ. والدليل المثل العامي الذي يقول: "الفاضي يعمل قاضي" وهذا معناه أن الذي لا يعمل سوف يتحكم في الناس. أضاف أن السلوكيات لها شكلان.. الأول: شكل الثقافة وهو الظاهر علي الوجهه.. والموجود بين الناس وهو متغير حسب الظروف.. والثاني شكل الحضارة وهو أصل البني آدم. وهو لا يتغير حيث أنه يمتد إلي 7 آلاف سنة.. مشيراً إلي أنه بمجرد أن تدور عجلة الانتاج فسوف ينشغل الناس بعملهم وبأكل عيشهم بعيداً عن السلوكيات غير السوية.