»مجنونة يا طماطم .. مجنونة يا حكومة».. كلمات كان يجذب عم ربيع، بائع الطماطم بسوق الاثنين، فى منطقة الناصرية بالسيدة زينب زبائنه، بعدما ارتفعت أسعار الطماطم بشكل جنونى لتصل إلى 8 و10 جنيهات للكيلو جرام. وفى مشهد آخر، سألت امرأة مسنة تبلغ من العمر 70 عامًا، عم محمد "الفرارجي"، صاحب محل لبيع الدجاج، "كيلو أجنحة الدجاج بكام؟"، فأجابها: ب 12 جنيهًا يا أمي، وفجأة تسمرت المرأة مكانها، وباتت تتمتم بكلمات غير مفهومة، ثم عادت أدراجها، مرددة: "شكرًا يابني"، والحسرة تملأ عينيها وشفتاها وخطواتها البائسة تجر خيبة الأمل فى إطعام أسرتها. والسؤال هنا: هل هذا ما نادى به جموع الشعب فى ثورتهم حين هتفوا «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، وهل الزيادات فى أسعار السلع الأساسية حقيقية أم أنها بالونة اختبار لجس نبض الشعب، قبل أن تصدمه الحكومة برفع الشريحة الثانية من الدعم على البترول، لترتفع الأسعار بشكل جنوني، مثلما فعل الرئيس السيسي، فى موازنة الدولة لعام 2014/2015. يقول الدكتور إيهاب الدسوقى، رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات، إن حل الأزمة يكمن في تخفيض النفقات والبحث عن تزويد الإيرادات من خلال تنشيط الاستثمارات بكل الطرق، وتحصيل الضرائب من كبار رجال الأعمال، وتسهيل إجراءات دخول مستثمرين جدد للسوق المصرية من خلال تسهيل حصولهم علي أراض بأسعار مخفضة، إلي جانب النظر إلي الثروة المعدنية المهدرة التي ستدر علي مصر عائدا ماديا كبيرا يساهم في خفض عجز الموازنة. وأضاف "الدسوقى" أن اتجاه الحكومة إلى تقليص الدعم يمثل عبئا جديدا على محدودى الدخل والفقراء، موضحًا أن دخل المواطن البسيط لا يتناسب مع احتياجاته اليومية؛ بسبب غلاء الأسعار وتوجه خطط الحكومة واعتمادها على معونات الخليج، بالإضافة إلى هروب المستثمرين من السوق المصرى بسبب التعقيدات التى تمارسها الحكومة وعدم وضوح الخطة الاستراتيجة لهم. من جانبه، قال الدكتور سرحان سليمان، الخبير الاقتصادى، إن الخطة البديلة للحكومة لتقليل عجز الموزانة هى زيادة الإنتاج بما يعادل 7% على الأقل من المشاريع الإنتاجية، ولا يوجد دليل على أرض الواقع باتجاه الحكومة نحو زيادة الإنتاح، لافتا إلى أن الحكومة تحل عجز الموازنة، بتخفيض دعم الطاقة ورفع الضرائب، وتقليص الدعم في بنود عديدة أخرى تتصل مباشرة بحياة الفقراء والأشد فقرًا. وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن 70% من الشعب المصرى لا يستطيع تحمل عبئ إضافى من الحكومة، مضيفا أن الحكومة ليس لها طرق أخرى لتقليل عجز الموازنة غير انخفاض الدعم وتحميل أعباء جديدة على كاهل المواطن البسيط لسد عجز الميزانية. وفى نفس السياق، أوضح الدكتور شريف دلاور، الخبير الاقتصادى وأستاذ الإدارة الزائر بالجامعات العربية والأوروبية، أنه ليس بالضرورى أن يتمثل تصريح الرئيس عبد الفتاح السيسى برفض الموزانة الجديدة لعام 2014/2015 بسبب العجز الكبير إلى انخفاض الدعم، لكنه يوجه الحكومة إلى الترشيد فى النفقات واستغلال الموارد وزيادة الإنتاج، وبذلك يحقق انخفاض عجز الموزانة العامة دون انخفاض الدعم الذى يتحمله محدود الدخل. كان مجلس الوزراء عقد اجتماعا يوم الأربعاء الماضى؛ لبحث عدة موضوعات في مقدمتها الموازنة الجديدة، التي وجه الرئيس السيسي، بضرورة ضبطها، وترشيد النفقات، وتخفيض العجز بها، بعدما أعلن رفضها؛ بسبب "العجز الكبير" الموجود فيها، والذي يصل إلى 292 مليار جنيه، تمثل الفارق بين إيرادات الدولة ومصروفاتها خلال عام مالي واحد، فضلاً عن ارتفاع الديون إلى أكثر من تريليوني جنيه، ومن جانبه، قال وزير المالية، هاني قدري، إن مجلس الوزراء سيبحث ترشيد النفقات وتخفيض العجز في مشروع الموازنة إلى ما بين 240 و250 مليار جنيه، وهو نفس معدل العجز بموازنة العام المالي 2013/ 2014، الذي ينتهي أواخر الشهر الجاري.