ارتبط ارتفاع معدلات الاستهلاك المحلي على مستوى السلع الغذائية كافة بمصر بحلول شهر رمضان المبارك، حيث تشير الإحصائيات إلى ارتفاع معدلات الاستهلاك المحلي في هذا الشهر عن باقي شهور العام بنسبة 150%، بعد زيادة إقبال المستهلكين على الشراء. ومع ارتفاع معدلات الاستهلاك تظهر أزمة نقص السلع الزراعية واستيراد نحو 80% منها لسد حاجة الأسواق، ورغم اعتماد المواطن الفقير على بعض السلع التي تتناسب مع مستوى دخله، إلَّا أن زراعتها كادت أن تختفي، وأصبحنا نعتمد بصفة رئيسة على استيرادها. وتأتي سلع الفول والعدس واللوبيا وغيرها من البقوليات في مقدمة السلع الزراعية القريبة من المواطن البسيط والتي ارتفعت أسعارها على مدى الأعوام السابقة بصفة متتالية، حتى تخطى سعر الكيلو منها ال10 جنيهات، وتحولت إلى سلع بعيدة عن متناول الفقراء. لحمة الفقراء تعتبر البقوليات اللحوم الخضراء من الأغذية عالية القيمة الغذائية، ويعتمد عليها كثير من الشعوب كبديل للحوم، باعتبارها غنية بالبروتين النباتي، وهناك أكثر من خَمسمائة صنف من البقوليات، تختلف في أشكالها وتركيبها الغذائي والبعض يسميها (لحم الفقراء)؛ لرخص ثمنها وتوافرها في معظم أوقات السنة، وتفيد في بناء أنسجة الجسم وتقوية العظام والأسنان، وتساعد على زيادة نسبة الهيموجلوبين بالدم. وتعتبر البقوليات مفيدة للتربة التي تزرع فيها؛ لأن جذورها تحتوي على عقد بكتيرية تثبيت الآزوت الجوي في التربة، وتخصب التربة التي تزرع فيها. ورغم اعتماد المواطن على أنواع معينة من المأكولات، إلَّا أن البقوليات تشكل الجزء الأكبر من اعتماد المصريين على الطعام، لاحتوائها على كمية كبيرة من الألياف التي تعمل على تخفيض مستويات الكوليسترول في مجرى الدم، وبالتالي تحافظ على وزن صحي والوقاية من الأزمات القلبية. فهذه الألياف القابلة للذوبان تعمل على حوصلة الكولسترول وطرده خارج الجسم، كما أنها ترتبط بعصارة الصفراء، مما يقلل من كمية كوليسترول الدم. ورغم أهمية البقوليات إلَّا أن ملايين المصريين من الفقراء ومحدودي الدخل يواجهون أخطارًا من البقوليات تسبب لهم أمراضًا؛ لاعتمادهم بشكل رئيس عليها، سواء كان في الإفطار والغداء وربما العشاء، إضافة إلى أن بها عددًا من السميات؛ نتجية المبيدات التي تضاف إليها في الأراضي الزراعية، مما يهدد بدخول فيروسات تدمر صحة المصريين، خاصة مع وجود شكوك قوية حول دخول فيروس التسمم البقولي من المبيدات التي توضع على البقوليات. الغرفة التجارية: الاستيراد والسماد أبرز العقبات يقول باشا إدريس، أمين صندوق الغرفة التجارية بالقاهرة: ارتفاع أسعار البقوليات في الوقت الحالي يعود إلى اختفاء معظم المحاصيل البقولية أو الأساسية، التي يتم الاعتماد عليها في الزارعة وتحولت إلى الاستيراد بالكامل، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها بالأسواق، مشيرًا إلى أنها ستستمر هكذا؛ لأنه في الفترة الأخيرة تم القضاء على استنباط سلالات جديدة في مختلف السلع الزراعية، وليست البقوليات وحدها. وأوضح إدريس أن الزراعة ليست سبب خطورة البقوليات، بقدر ما ترجع لسوء الاستخدام لدينا؛ بسبب المعتقدات المتوارثة، إضافة إلى الفقر، مؤكدًا أن القضاء على الزراعة والتوجه للاستيراد مخطط للتحول للاستيراد من الخارج، الذي ظهر في تخفيض ميزانية البحوث الزراعية سنويًّا لاستخراج سلالة جديدة تقاوم الأمراض، كما أن دور الإرشاد الزراعي أصبح معدومًا، والفلاح لم يجد حيلة سوى التوقف عن الزراعة بعد تسلمه مبيدات زراعية فاسدة تقضي على المحاصيل. واستطرد: الكثير من البقوليات انعدمت زراعتها بمصر، رغم أنها الأهم لدى المواطن المصري، كالعدس وذرة الفشار والترمس والحلية والحمص. من جانبه قال أحمد يحيى، رئيس شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية: الأسعار تشهد ارتفاعًا حاليًا، لنقص المعروض من المنتجات، خاصة بعد التوقف الجزئي في نسبة الاستيراد من الخارج، مضيفًا: المستوردون أصبحوا غير قادرين على دفع مستحقات الموردين من الشركات الأجنبية، وتابع: مصر تستورد نحو 65% من البقوليات، حتى الفول والعدس اللذان يعدان من أكثر الأكلات انتشارًا بمصر، يتم استيرادهما من إنجلترا وفرنسا وكندا وتركيا، وهي أسواق مرتبطة بالأسعار العالمية وسعر الدولار، الذي أطاح بالجنيه المصري في الأشهر الأخيرة؛ بسبب سياسات البنك المركزي مؤخرًا، موضحًا أن أسعار البقوليات مثل بقية الأشياء بمصر ترتبط بالدولار والسياسيات الاقتصادية. توعية مفقودة من ناحية أخرى يقول دكتور عبد اللطيف محمد، أستاذ الطب الوقائي بكلية قصر العيني: البقوليات التي كنا نعتقد دائمًا أنها مفيدة للقلب، أثبتت تجارب جديدة أنها أيضًا مفيدة للدم والجسم بشكل عام بصورة لم نكن نتوقعها؛ إذ لا تعمل على تحسين نسبة الجلوكوز في دم المصابين بالسكري فقط، بل لها تأثير واضح على ضغط الدم. وأوضح محمد أن السبب في هذا التأثير للبقوليات على سكر الدم لا يزال مبهمًا، لكنه ناتج على الأرجح من البروتينات والألياف والأملاح المعدنية التي تحتوي عليها البقوليات، مؤكدًا أنه رغم أهمية البقوليات إلَّا أن عددًا كبيرًا من المصريين لا يدركون فعليًّا الدور الذي تلعبه، والبعض يستخدمها بشكل يومي، مما يؤدي إلى الإصابة بأمراض لم تكن متوقعة، لافتًا إلى أن البقوليات مثل الأطعمة كافة الإصراف فيها يحدث خللًا وهكذا النقص منها. وتابع: قول البعض إن البقوليات هي اللحوم الخضراء التي يمكن الاعتماد عليها كبديل عن اللحوم الحقيقة غير صحيح من الناحية الطبية، مشيرًا إلى أن اللحوم الحمراء والبيضاء لها فوائدها الطبية، فلابد أن يحصل عليها الجسم بنسبة معينة، مثل الخضروات والفواكه والبقوليات على اختلاف أنواعها.