تألمنا كثيرًا عند رحيل الأبنودي، وزاد الألم من مرارة الأسئلة التي لا تريد الهدوء والسكينة، حقًا الأبنودي ساكنًا في ذاكرة الأمة المصرية، لكن أين هو من الدراسات الأكاديمية والنقدية؟ برحيلة ما الأسئلة التي يمكن لتجربته أن تضيفها في الحقل النقدي؟ وغيرها الكثير من الأسئلة التي تتعلق بمكانة الأبنودي على الصعيد الدرسي والأكاديمي، وحتى نقترب من إجابات هذه الأسئلة كان لنا لقاء مع نقاد وأساتذة الجامعة المصرية. جاءت الإجابات صادمة، إذ أكد الناقد الدكتور حسين حمودة عدم وجود دراسات أكاديمية تناولت أعمال الأبنودي بالرصد والتحليل الوافي، إذ لا يوجد سوى مجموعة مقالات لبعض دواوينه. وأرجع «حموده» هذا التخاذل، إلى عدم اهتمام الدراسات الأكاديمية بشعر العامية؛ مشيرًا إلى أن ما حدث مع الأبنودي يعود إلى جذور قديمة ورغبة من كبار الأكاديمين في رفض العامية لغة أدبية، وقد وصف ناقدنا هذا التخاذل بالظلم الكبير لأن العامية المصرية جزءًا من هويتنا لا يمكن إقصاءها أو عدم الاعتراف بها كلغة أدبية. الظلم الواقع على اللغة العامية لم يقطع طموح "حموده" في اهتمام الأكاديمين بها مستقبلًا، لاسيما شعر الأبنودي، وهو ما عبر عنه ساخرًا "مستنين الشعراء يموتوا عشان نهتم بيهم"، وعن الأسئلة التي يمكن لتجربة الخال أن يضيفها في مجال النقد الأدبي والشعري، يقول "حمودة": الأبنودي صاحب تجربة كبيرة وكتاباته غير تقليدية، وهناك 3 أعمال: وجوه على الشط، جوابات حراجي القط، سيرة أحمد سماعين، هم مغامرة كبيرة في الكتابة ويعدون مشروع أكاديمي ناجح لأي باحث يرغب في دراسة الحالة الاجتماعيه في الصعيد، أيضًا هناك موضوعات عدة يمكن للنقد العربي أن يجد فيها غذاءه من شعر الأبنودي مثل: علاقة الشاعر بالمدينة، البعد الحواري في أشعار الأبنودي كما جاء في قصيدة يامنة. أيضًا يقول الناقد الشاب أحمد إبراهيم الشريف، أنه لا توجد دراسات نقدية قدمت عن شعر الأبنودي، ربما هناك بعض مقالات لدواوينه معظمها قراءات غير متعمقة، على أي حال عدم اعتراف الجامعة بشعر العامية لا يغفلنا عن الانتباه بأن ما حققه الأبنودي بحصوله على جائزة الدولة التقديرية هو اعتراف رسمي من الدولة بشعر العامية، أيضًا نجح الأبنودي في توسيع الدائرة أكثر ويحقق اعتراف عالمي من خلال حفظ منطمة الأمم المتحددة للعلوم والثقافة "اليونسكو"، ما جمعه فيما يتعلق بالسيرة الهلالية، وإدراجه ضمن أول مورث شعبي ثقافي مصري غير مادي. برحيل الأبنودي يجد النقد نهرًا سخيًا ينهل منه، ما أوضحه "الشريف" قائلًا: قبل وفاة الأبنودي كانت هناك مبالغة في مدحه أو الهجوم على شخصه، من قبل بعض الكُتاب، الأمر الذي من المفترض أن يتغير تدريجيًا برحيله، فالنقد عليه الفصل بين شخص الأنبودي وكتاباته، أيضًا سيتم قراءة الصعيد من خلال شعر الأبنودي مثلًا ديوان "أحمد سماعين.. سيرة إنسان"، يصلح تمامًا لقراءة الصعيد خلال فترة زمنية معينة من الناحية الاجتماعية، فهو يعد توثيقًا للإنسان الصعيدي، وكذلك ديوان "حراجي القط" الذي يقدم فيه الخال قراءة عميقة للمجتمع. يتابع الشريف: علينا إدراك أن برحيل الأبنودي يكون مشروعة الإبداعي قد اكتمل، وسيكون هناك مقارنه بين كل شاعر يأتي من الصعيد بعده وبينه، إذ سينظر للأبنودي أنه النموذج والمعيار لكل شاعر قادم من الجنوب، أيضًا هناك شئ هام علينا التأكيد والتركيز عليه وهو أن بوفاة الأبنودي ستنتهي أعذار الشعراء الذين كثيرًا ما برروا عدم ظهورهم على الساحة، بأن الأبنودي كان مسيطرًا وعائق أمامهم، هنا يمكن أن نقول "مات العذر الأخير للشعراء". الدكتورة أماني فؤاد قالت أن هناك دراسات قليلة جدًا عن الأبنودي، وإن لم تكن دراسات بالمعنى المتعارف عليه من عمق وبحث، مشيرة إلى أن شعر الأبنودي مادة خصبة للدراسات النقدية، إذ قدم العديد من التجارب الجديدة، كحالة الأمل التي بعثها في الحس الجماهيري بعد نكسة 67 وتقديمه أغنية "عدى النهار"، أيضًا قدرته على التعبير عن الجغرافية الصعيدية وما تبدوا عليها من صلابة، إذ نجح في استنطاق هذا الجمع من الأصوات والشخوص، كما شهدت تجربته احتفاء بالمرأة الصعيدية واحتل الرمز عنده مكانه خاصة مدفوعًا بالحيوية. تتابع أماني: شعر الأبنودي ملئ بالموضوعات التي تصلح لأن تكون مادة بحث قوية، مثل الوعي بالتراث المصري الصعيدي واستخراج النفسية الخاصة بالصعيد والتعبير عنه بحيويه، كذلك اللغة العامية التي ظهرت في شعر الأبنودي فهي تجمع بين التماسك والجمال والحيوية. نهاية يبدو أننا أمام معركة جديدة تتعلق بشعر العامية وعلينا خوضها، فمع كل حدث ستطرح الأسئلة نفسها من جديد وستنظر من يجيبها.