استأنفت إيران والدول الست الكبرى خلال اليومين الماضيين المفاوضات النووية بعد أن توصلوا إلى اتفاق إطار وضع الأسس لاتفاق نهائي يكتمل بنهاية يونيو المقبل، ليسدل الستار على 12 عاما من الصراع والشد والجذب بين الطرفين حول البرنامج النووي الإيراني. تصريحات تفاؤلية من الطرفين انطلقت مع استئناف المفاوضات، تبعث على الأمل في قرب عقد اتفاق تاريخي، حيث قال وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف"، "بدأت عملية صياغة نص الاتفاق النووي النهائي بين إيران ومجموعة (5+1) في العاصمة النمساوية فيينا حول ملف إيران النووي"، وأضاف "زملائي في الفريق النووي المفاوض سيبدأون مع مجموعة (5+1) صياغة الاتفاق النهائي، وستتم متابعة الموضوع الأسبوع المقبل في نيويورك على هامش مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي". من جانبه أعلن وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" مؤخرًا أن الدول الست الوسيطة وإيران أقرب "من أي وقت مضى" من انتهاء مفاوضاتهما حول برنامج طهران النووي، وأضاف أن "على العالم أن يبقى موحدًا ويرفض فكرة انتشار السلاح النووي أينما كان"، وتابع الوزير الأمريكي قائلا "إن هناك اليوم إمكانية التوصل إلى تقدم تاريخي"، وأوضح أن العمل على تحضير وثيقة الاتفاق بين الطرفين لم ينته بعد وأن هناك مسائل لا تزال عالقة، "لكننا أقرب من أي وقت مضى من التوصل إلى اتفاق شامل جيد". أمام هذه التصريحات المتفائلة تبرز بعض المواقف الحذرة التي تنم عن تخوف كلا الطرفين من عدم تنفيذ الطرف الآخر لالتزاماته المُكلف بها بعد عقد الاتفاق بسبب ظروف داخلية أو ضغوط سياسية، خاصة في ظل وجود تناقض وصراع بين البيت الأبيض والكونجرس، والذي تعتبره طهران نوعًا من تبادل الأدوار وترى نفسها غير معنية به ولا بتداعياته، حيث قال وزير الخارجية الايراني إن الإدارة الأمريكية هي التي ستكون مسئولة عن تنفيذ الاتفاق النووي، وأن الخلافات الداخلية لاتعفيها من تنفيذ التزاماتها الدولية، وتابع "هذا هو الأساس الذي نتفاوض عليه، وبطبيعة الحال نرغب بسماع ايضاحات ولربما نسمع في المفاوضات التي ستكون لنا خلال الأسبوع الجاري المزيد من الايضاحات حول تاثير الوضع الداخلي في أمريكا على تنفيذ التزاماتها فيما لو حصل اتفاق". سعى وزير الخارجية الامريكي "جون کيري" لطمأنة نظيره الإيراني "جواد ظريف"، حيث أكد على أن الإدارة الأمريكية تتمسك بتنفيذ التزاماتها الدولية تجاه إيران بعيدًا عن خلافاتها الداخلية، وقال "ظريف" بعد لقائه مع "كيري"، "أبلغنا کيري قلقنا من القضايا التي طرحت في أمريكا، إلا أن كيري جدد تأکيده علي تمسك الإدارة الأمريكية بالتزاماتها الدولية تارکة مشاکلها الداخلية جانبًا". من جانب آخر يسعى البرلمان الإيراني إلى تحصن موقف المفاوض الإيراني في المفاوضات النووية، وجعله بمنأى عن الضغوط السياسية التي تحاول دول غربية إعمالها لتحقيق مكاسب لم تستطع تحقيقها بمقتضيات القانون والمقررات الدولية، وهو ما جعل البرلمان يبحث عن مشروع قرار عاجل يُلزم الحكومة بالحصول على موافقته لإبرام أي اتفاق نووي. قال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني "حسين نقوي"، إن مشروع القرار يجري العمل عليه لطرحه للتصويت أمام المجلس، ويتضمن المشروع تشكيل لجنة من سبعة نواب للإشراف على سير المفاوضات، لافتاً إلى أنه لا ضمانة لتنفيذ الإتفاق النووي من دون مصادقة مجلس الشورى الإيراني عليه. على الجانب الأمريكي يسعى الكونجرس مدفوعًا بميوله السياسية وبضغط لجماعات اللوبي الإسرائيلي لإقحام نفسه في أي قرار تتخذه الإدارة الأمريكية حيال الاتفاق مع إيران، عبر تمرير قانون يجبر الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" على عرض الاتفاق للتصويت ما يجعل العملية التفاوضية برمتها تحت رحمة الكونجرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون. الدول السداسية الكبرى تعلم جيدًا أنها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التفاهم والتوافق مع إيران في إطار المنطق والقوانين الدولية والسرعة بهذا العمل لصالح الجميع، أو إنكار الواقع واضطرارًا ستشهد في تلك الحالة تقدمًا أسرع للبرنامج النووي السلمي الإيراني، لذلك تسعى هذه الدول على كسب ثقة إيران وطمأنتها بأن الاتفاق لن يتدخل فيه أحد من الأطراف المعارضة لإبرامه.