لم تعد المشاريع الضخمة هي أساس إقامة اقتصاد قوي، بل هناك مشاريع صغيرة يمكن أن تساهم في تنميته، خاصة أن هناك بعض الدول التي انتهجت هذا النهج مثل الصين التي أصبحت إحدى الدول الكبرى؛ لاعتمادها على مشاريع ذات رأسمال صغير، حيث احتلت المرتبة الأولى عالميًّا في صناعة الحرير. وفي المقابل نجد أن مصر اختفت من على خارطة إنتاج الحرير عالميًّا، على الرغم من أنها كانت إحدى الدول الكبرى في إنتاجه في ظل الثورة الزراعية الصناعية التي أقامها محمد علي. فصناعة وإنتاج الحرير كنز مصرى اهتم به الأجداد وأهملناه نحن الأحفاد، على الرغم من كونه واحداً من أهم المشروعات الزراعية التصنيعية المجزية التى توفر فرص عمل للشباب، ولا نحتاج فى هذا سوى اهتمام الدولة وتدفق بعض الاستثمارات. ويتضمن نشاط إنتاج الحرير الطبيعي جانبين: أحدهما زراعي وهو يتعلق بزراعة التوت وإنتاج البيض وتربية الديدان وإنتاج الشرانق وحل الحرير، والآخر صناعي ويشمل تجهيز الخيوط وصناعة المنسوجات. وقال سامح أحمد المدير التنفيذي لرابطة منتجي ومسوقي الحرير في مصر إن صناعة الحرير الطبيعي دخلت لأول مرة في عهد محمد على، وكانت مصر آنذاك ضمن أكبر الدول المنتجة للحرير بعد الصينوالهند. واستمرت هذه الصناعة تمر بسنوات ازدهار وأخرى انتكاس، إلى أن تم القضاء عليها في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وأصبح إنتاج مصر من الحرير يمثل واحدًا في الألف من الاحتياج المحلي، حيث لا يزيد على 4 أطنان من الحرير الخام، بينما تستهلك السوق المحلية 250 طنًّا سنويًّا، ويمثل واحدًا من 180 مليون من الاحتياجات العالمية، لافتًا إلى أنه تم إنشاء الرابطة خصيصًا لاحياء المشروع مرة أخرى منذ خمس سنوات تقريبًا، إلا أنهم قابلوا عدة معوقات حالت دون وصولهم إلى مرحلة المنافسة للدول المتربعة على عرش صناعة الحرير في العالم. وأوضح المدير التنفيذي لرابطة منتجي ومسوقي الحرير أن إنتاج الحرير يعتمد بشكل رئيسي على أشجار التوت، والتي قلت أعدادها بشكل ملاحظ وإن وجدت تكُنْ في مناطق ليس بها وعي بقيمة الشجرة ومدى الاستفادة منها، كما يعتمد على بيض دودة القز الذي يحصلون عليه من معهد بحوث الحرير التابع لوزارة الزراعة، إلا أن كمياته لا تكفي للتوسع في الإنتاج؛ ولذلك قام المعهد بالسماح لهم باستيراد أنواع جيدة من بيض دودة القز من الخارج، إلا أنهم لم يلاقوا استجابة في هذا الشأن إلا من دولة بلغاريا التي رحبت بالتعامل معهم، في حين أن كلاًّ من الهندوالصين رفضتا التعامل معهم؛ تخوفًا من قدرتهم التنافسية في هذا المجال والتأثير على تواجدهم في الأسواق العالمية، لافتًا إلى أن دور الرابطة في هذا الشأن يسير على طريق تذليل العقبات التي يواجهها الشباب المنتجين للحرير في مصر، إلا أنهم لا يجدون الدعم اللازم من الدولة التي تعمل على إضاعة مجهوداتهم. وأكد سامح أن التوسع في صناعة الحرير في مصر يرتكز على السماح بزراعة أشجار التوت من السلالات عالية الجودة مثل الهندي في الحدائق العامة وعلى جوانب الترع والمصارف والأحزمة الخضراء حول المدن، بدلاً من اشجار الزينة كالفيكس وغيرها من الأشجار التي لا تعود بالنفع على المجتمع، بالإضافة إلى تذليل العقبات لعملية دخوله من خلال إحالة بيانات الرسائل الاستيرادية إلى قسم بحوث الحرير وجعله هو الجهة التي تقوم بعمليات الحجر والتخليص الجمركي؛ لأنها الجهة الوحيدة المختصه بذلك. إلا أن ما يحدث عكس ذلك، حيث إن البيض يصل للحجر الزراعي والبيطري بكامل الشهادات الصحية المطلوبة، ويقوم مندوب من قسم بحوث الحرير باستلام البيض كله وفحصه في القسم ثم الإفراج عنه، مطالبًا بإعفائه من الجمارك؛ بصفته مادة خامًا لصناعة شبه منقرضة، والعمل على زيادة توعية الشباب بأهمية المشروع لتوجيه القطاع العريض من الشباب والفتيات العاطلين نحو المشروع، واعفاء كافة أرباح المشروع لدى كافة الجهات من الضرائب والرسوم المختلفة، وأخيرًا استيراد ماكينات إنتاج من الخارج؛ لعمل مصنع مركزي لإنتاج الحرير بكفاءة عالية؛ حيث إنهم ما زالوا يعملون بتقنية يدوية شديدة التخلف. وتابع بفوله "إننا نملك الإمكانيات لتحقيق دخل إضافي في حدود مليار جنيه سنويًّا لو تم الاهتمام فقط بزراعة التوت الهندي في المساحات الشاسعة من الأراضي والتي تهددها مياه الصرف الصحي بالغرق والأحزمة الخضراء مثل الحزام الأخضر بمدينة السادس من اكتوبر ومدينة العبور وشرق الطريق الدائري وغيرها. وعلى سبيل المثال تمت زراعة حوالي 40 ألف شجرة توت في أراضي الحزام الأخضر بمدينة السادس من أكتوبر بالجهود الذاتية وبدون أي مساعدة من الدولة، فإذا تدخلت الدولة، فإن العائد من المشروع سيتضاعف وتحل أزمة توافر المادة الخام لناسجي السجاد اليدوي في مصر؛ حيث إن ثمن اللحاف الحرير 500 دولار، في حين أن ثمن متر السجاد الحرير المصري 5000 جنيه. هذا بجانب فتح آلاف البيوت من محدودي الدخل بما لا يحمل الدولة أعباء إضافية من توفير فرص عمل. ومن جانبه قال المهندس منتصر طه مدير رابطة منتجي ومسوقي الحرير "إن استخدام القطاع الآلي في الري أدى إلى ازالة 90 % من أشجار التوت التي كانت تنتشر على طول المجاري المائية من مصارف وترع؛ مما أدى إلى القضاء على أهم المواد الأولية المستخدمة في إنتاج الحرير، فتدهورت الصناعة، إلى أن تم القضاء عليها نهائيًّا بالتوجه إلى استيراد الملابس والمنسوجات الحريرية من الخارج، فجاءت لنا فكرة إنشاء الرابطة؛ لإحياء الصناعة، خاصة أن من يقبل عليها الشباب المتعطل عن العمل والذي يجد في المشروع ضالته المنشودة؛ لأنه لا يحتاج إلى رأسمال كبير وفقًا لدراسة الجدوى التي توفرها الرابطة لمن يرغب في إقامة مشروع لإنتاج الحرير. إلا أن هؤلاء الشباب بعد عدة سنوات يخرجون من المشروع لإقامة مشاريع أخرى لها أنشطة مختلفة، على الرغم من أن ربحية مشروع إنتاج الحرير كبيرة". وأوضح منتصر أن أحد معوقات المشروع هو الحصول على بيض سليم خالٍ من الأمراض الفيروسية، والذي نضطر إلى استيراده من الخارج؛ لعدم توافره في مصر، وبأسعار مرتفعة، إلا أننا نجد صعوبات في دخوله؛ لمروره على عدة جهات غير مختصة، كالحجر البيطري والزراعي، مشيرًا إلى أنه يمكن تسويق المنتج بأسعار جيدة وبكل سهولة، وذلك بإقامة مزاد سنوي بوزارة الزراعة، يقوم التجار من خلاله بشراء شرانق الحرير. ومن جانبه قال الدكتور أسامة غازى رئيس قسم بحوث الحرير التابع لوزارة الزراعة إن مشروع إنتاج الحرير من الأنشطة الاقتصادية الزراعية الصناعية التى تحقق عائدًا مجزيًا، لا ينقصه سوى الاهتمام الفعلي من الدولة، حيث إنه من المشاريع الجالبة لفئات جديدة خاصة شباب الخريجين والأسر المنتجة والمرأة الريفية؛ لإقامة مشروعات صغيرة؛ بهدف زيادة عدد المربيين من جهة وزيادة الإنتاج وتحسين جودته من جهة أخرى بالإضافة إلى توفير فرص عمل. وأوضح غازي أن صناعة الحرير تمر بمرحلتين رئيسيتين، تتمثل الأولى فى مرحلة زراعة أشجار التوت من أجل إنتاج وتربية ديدان القز؛ بغرض إنتاج الحرير، وتتمثل المرحلة الثانية فى إنتاج البيض الذى يتحول ليرقات ثم ديدان تنتج الحرير الطبيعي، والشهرة العالمية لقدرته على مقاومة الرطوبة والحرارة؛ لذلك يلقى إقبالاً كبيرًا من المستهلك فى جميع دول العالم. وتعد الصين من أكبر الدول المنتجة له، حيث يصل إلى 80% من الإنتاج العالمى. وأشار رئيس قسم بحوث الحرير إلى أن هناك ضرورة ملحة للتوسع فى زراعة أشجار التوت على مستوى الجمهورية حول المدن والقرى على امتداد الترع والمصارف وأطراف المدن الجديدة والطرق السريعة من خلال حملة قومية تسعى لأهداف متعددة، منها تحسين البيئة عامة من خلال امتصاص ثانى أكسيد الكربون وزيادة الأكسجين وتقليل التلوث البيئى وزيادة الثروة الخشبية، خاصة أن مصر ليست دولة غابات، وتقوم باستيراد الأخشاب من الخارج، فضلاً عن تشجيع إنتاج وصناعة الحرير الطبيعى فى مصر. فالدعوة لا بد أن تكون قوية بتغيير النمط السائد باستبدال الأشجار غير المثمرة بأخرى منتجة اقتصادية ومثمرة كالتوت، والتى تجمع بين المنظر الجميل وبين الثمار والأخشاب، مؤكدًا أنه لن يتأتى هذا إلا بتضافر عدة هيئات حكومية كالمحافظات ومديريات الزراعة بجميع المحافظات؛ للقيام بحصر الأماكن التى يمكن زراعتها وتوفير الرعاية لها من خلال أجهزة الإرشاد وإقامة المشاتل، فضلاً عن دور مديريات الرى بالمحافظات كى تقوم بالإشراف والسماح بزراعة الشتلات على شواطئ الترع والمصارف، هذا بجانب دور المحليات التى تتبعها أجهزة كثيرة مثل تحسين البيئة وحمايتها أو جهاز النظافة والتجميل والإدارة المحلية وحماية الأراضى وغيرها من الجهات التى يمكن أن تشارك من خلال تحفيز الجهود والمساعدة فى انتشار هذه الشتلات والأشجار.