خطت فلسطين خطوة جديدة في حملة دبلوماسية وقضائية أطلقتها القيادة الفلسطينية في عام 2014، خطوة من شأنها أن تشكل بداية مرحلة جديدة في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن بحّت حناجر الفصائل الفلسطينية ونشطاء المجتمع المدني، الذين طال انتظارهم لحسم القرار الفلسطيني إزاء مثل هذه الخطوة. قال وزير الخارجية الفلسطيني، "رياض المالكي" إن انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية يمثل خطوة نحو إنهاء حقبة عدم المساءلة والإفلات من العقاب، وأشار "المالكي" إلى أهمية اتخاذ كافة الخطوات الممكنة لضمان المساءلة على جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وفي نفس الوقت تأمين الحماية للمدنيين الفلسطينيين، بالقول "إن الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية ليس حقًا فقط، بل واجب في وجه الظلم الدائم والكبير الذي يتعرض له شعبنا، والجرائم المتكررة التي ترتكب ضده، مع ذلك فإن قرار فلسطين للانضمام هدفه السعي لتحقيق العدالة وليس الانتقام". إعلان المحكمة الدولية عن انضمام فلسطين إليها جاء على لسان الناطق الرسمي باسم المحكمة الجنائية الدولية، "فادي العبد الله"، حيث قال أن فلسطين انضمت الأربعاء رسميًا إلى المحكمة بصفة عضو كامل الحقوق، وأوضح أن اتفاقية روما التي تعتمد عليها المحكمة في أنشطتها، دخلت اليوم بكامل بنودها حيز التطبيق بالنسبة لفلسطين، بما في ذلك حقوق وواجبات الدولة العضو. وبذلك اصبحت دولة فلسطين العضو رقم 123 رسميًا في المحكمة الجنائية الدولية ما يتيح لها ملاحقة مسئولين صهاينة بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو أخرى مرتبطة بالاحتلال، وجرى حفل في جلسة مغلقة في مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بمناسبة هذا الانضمام، إذ تسلم وزير الخارجية "رياض المالكي" خلال الحفل نسخة خاصة من اتفاقية روما. قرار الأممالمتحدة بقبول فلسطين كعضو في المحكمة صدر في يناير الماضي، استجابة لطلب فلسطين الذي جاء في إطار حملة دبلوماسية أطلقتها السلطة الفلسطينية لنيل الاعتراف دوليًا، بعد فشل المفاوضات المباشرة مع الكيان الإسرائيلي، وبدأ الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" عملية الانضمام إلى المحكمة أواخر السنة الماضية، بعد فشل الجهود لتمرير مشروع قرار دولي عبر مجلس الأمن يضع جدولا زمنيا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. أثار قرار المحكمة الجنائية ردود فعل غاضبة في إسرائيل، حيث هاجمت القرار الفلسطيني بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية واصفة إياه ب"النفاق"، وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، إن "موقف إسرائيل، المشابه لمواقف الدول الأخرى بما فيها الولاياتالمتحدة وكندا وغيرها، هو أنه لا يحق للفلسطينيين الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، وأن لا صلاحيات للمحكمة في مثل هذه الحالة، لأن أولا لا توجد دولة فلسطينية وفق القانون الدولي". وقالت الخارجية الإسرائيلية إن "القرار الفلسطيني بالانضمام إلى لاهاي في محاولة للبدء بإجراءات ضد إسرائيل هو قرار سياسي ساخر وملون"، معتبرة أن محاولة الفلسطينيين القيام بإجراءات ضد إسرائيل في المحكمة تتناقض مع الأسس التي أقيمت من أجلها المحكمة وستترتب عليه أثار مدمرة لمكانة المحكمة، كما اعتبرت الخارجية الإسرائيلية القرار الفلسطيني بمثابة خطوة من طرف واحد مخالفة للمبادئ الأساسية التي توصل إليها الطرفان بدعم دولي لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، مدعية أن ذلك يؤكد رفض الفلسطينيين لإجراء مفاوضات سلمية مع إسرائيل. منذ البداية أبدت إسرائيل معارضة شرسة لفكرة انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، خشية مواجهة مواطنيها بقضايا دولية، وللحيلولة دون تعزيز الوضع الدولي لفلسطين على خلفية هذا النجاح. انضمام فلسطين إلى الجنائية الدولية يسمح لها بمحاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين على الجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب الفلسطيني، وتحريك دعوى جنائية ضد قادة إسرائيل وجنودها ومحققيها في حق الشعب الفلسطيني، وكذلك ايضًا كورقة ضغط على الحكومة الإسرائيلية لدعم مسار المفاوضات وحل الدولتين. تحدث مراقبون إسرائيليون عن إمكان محاكمة إسرائيل على مستويين، الأول هو مستوى جرائم الحرب، والثاني هو مستوى البناء في المستوطنات، حيث تأتي التهمة الأولى على مستوى جنود الجيش الاسرائيلي الذين استخدموا القوة المفرطة في عمليات مختلفة، وهذه التهمة يرى المراقبون إمكانية أن تتهرب إسرائيل منها، إلا أن التهمة الثانية هي التي تعتبر الأكثر قلقًا بالنسبة لإسرائيل، إذ انها تهمة تخالف قواعد القانون الدولي، وتخالف قرارات الشرعية الدولية، ومواقف معظم دول العالم، الأمر الذي يمثل عقبة قانونية يصعب على إسرائيل تخطيها. تعمل إسرائيل على اتخاذ جملة إجراءات تبعد عنها شبح المثول أمام المحكمة، وذلك من خلال إقامة محاكم شكلية، يبادر إليها القضاء الإسرائيلي وتنتهي ببراءة المتهمين، أو بتوجيه أحكام مخففة جداً، كخطوة استباقية لإغلاق الطريق أمام أي محاكمة لضباطها وجنودها، ولإبطال مفعول وآليات عمل المحكمة الجنائية الدولية. انضمام فلسطين إلى الجنائية الدولية ليس معناه أن الحقوق الفلسطينية سترد إلى أهلها، فالعدالة في المحكمة نسبية، حيث تخضع لعدة عوامل ومؤثرات سياسية أهمها ضغوط الدول المشاركة التي تظل تلعب الدور الحاسم إزاء ما يصدر من قرارات، فقبل ذلك حصل الفلسطينيون على قرار أو حكم استشاري من محكمة العدل الدولية في لاهاي صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة، يقضي بعدم شرعية جدار الفصل العنصري، ويطالب بإزالته، لكن الجدار لم يتم إزالته حتى الأن فلازال يفصل بين وحدة الأراضي الفلسطينية.