"العدل أساس الملك".. جملة قد تجدها معلقة في المحاكم، ولكن يبدو أن دوام الحال من المحال ، فهناك وقائع تؤكد أن الأمر ليس بهذه السذاجة، وأن العدل يغيب عندما يصبح أداة تنفيذية فى يد وزارة الداخلية، ويفقتد استقلاليته ونزاهته وعدالته. هذا ما يمكن تطبيقه على ما قامت به نيابة قصر النيل بمصر بتوجيه تهم التظاهر والإخلال بالأمن والنظام العام بموجب أحكام قانون التظاهر رقم 107 لسنة 2013، لعدد من شهود الإثبات في قضية مقتل شيماء الصباغ عضو حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، والتي استشهدت على خلفية فض قوات الأمن للفاعلية الرمزية التي قام بها أعضاء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي يوم 24 يناير 2015 بتوجه وفد من أعضاء المكتب السياسي وبعض الشباب من أعضاء الحزب إلى ميدان طلعت حرب لوضع إكليل من الزهور على أرواح شهداء الثورة إحياءً منهم لذكرى ثورة يناير 2011. حيث وجهت الاتهامات سالفة الذكر إلى 17 شخصًا، وهم: عزة سليمان المحامية بالنقض والإدارية العليا ورئيسة مجلس الأمناء لمؤسسة قضايا المرأة المصرية وأحد مؤسسيها، والطبيب ماهر شاكرالذى حاول إنقاذ الشهيدة، ومصطفى عبد العال عضو بحزب العيش والحرية تحت التأسيس، وأربعة عشر متهمًا من حزب التحالف الشعبي الاشتراكي: طلعت فهمي – زهدي الشامي – إلهامي الميرغني – نجوى عباس – طه طنطاوي – عبد الحميد مصطفى ندا – السيد فوزي – محمد صالح فتحي – حسام نصر – عادل مليجي – محمد صالح – خالد مصطفى – محمد أحمد محمود – أحمد فتحي نصر، بالإضافة إلى الشهيدة شيماء الصباغ والتي أسقطت عنها التهمة لوفاتها. هذا وقد تحدد لنظر القضية جلسة يوم السبت الموافق 4 إبريل 2015. تحويل الشهود الى متهمين رسالة توجهها النيابة لكل من يتجرأ ويشهد ضد الشرطة وينتقدها وقال صلاح السمان – المستشار القانونى للناشطة الحقوقية عزة سليمان – إن ماحدث فى القضية وتحويل عزة و15 فردًا آخرين كشهود عيان فى القضية إلى متهمين يعتبر رسالة توجهها النيابة بكل قوة إلى كل شخص يفكر أن يدلى بشهادة تدين الشرطة أو يشتكى الشرطة، وأنه سيكون مصيره السجن أو تحويله فى القضية من شاهد إلى متهم متورط بالقضية، معربًا عن أنه من المؤسف أن النيابة تساير الشرطة فى اتهاماتها والمحكمة أيضًا، حيث لا تستجيب لدفوع الشخص المتهم، وتأخذ بتحريات الشرطة مباشرة التى تفتقر للأدلة. وأوضح أنه يوجد 16 فردًا آخرين تحولوا فى القضية من شهود إلى متهمين، مضيفًا أن عزة سليمان أدلت بشهادة واضحة وصريحة للنيابة بأن ضباط الخدمة فى طلعت حرب هم من واجهوا المسيرة، وأطلقوا الخرطوش على المجنى عليها "شيماء الصباغ" أثناء مسيرة الحزب الرمزية من أجل وضع إكليل من الزهور بميدان التحرير؛ تأبينًا لشهداء الثورة، وهنا المفصل الرئيسى فى القضية، وهو عقاب سليمان؛ لأنها تجرأت وأدلت بهذه الشهادة. والحقيقة أن الشرطة هى التى قتلت شيماء، وهى شهادة أثبت صحتها الطب الشرعى فيما بعد، على حد قولها. وأوضح أن تحويل الشهود إلى متهمين وبينهم عزة سوف يكون ثغرة يتم استغلالها أثناء محاكمة الضباط أمام محكمة الجنايات، فتحويل الشهود إلى متهمين يمكن الدفاع للضباط بالطعن، وتصبح شهادتهم مشكوكًا فيها، بعد أن أصبحوا متهمين فى القضية أيضًا، فى خرق جديد لحماية الشهود والتنكيل بهم من قِبَل الدولة المصرية بدلاً من حمايتهم. وأضاف أنه فى انتظار نظر مساعد النائب العام فى التظلم المقدم له بوقف نظر الدعوى ووقف إحالتها للمحكمة، لحين إجراء تحقيقات مرة أخرى وإثبات أن عزة سليمان لم تكن مشاركة فى المظاهرة بالفيديوهات والبوستات التى كانت تكتبها لحظة بلحظة على الفيس بوك أثناء وجودها فى مطعم "ريش"، والتى قامت بإدلائها أمام النيابة. قضية عزة سليمان جرس إنذار يشير بأن العدالة تتلاشى من مصر قالت ماجدة سليمان – مديرة برنامج التنمية المجتمعية بمركز قضايا المرأة المصرية – إنه تم تقديم تظلم لمساعد النائب العام رقم 1492 عريضة بخصوص تحويل عزة سليمان كشاهدة فى حادثة مقتل الشهيدة شيماء الصباغ عضو حزب التحالف الشعبى الاشتراكى فى طلعت حرب يوم 24 يناير 2015، حيث حولت النيابة الشاهدة إلى متهمة فى القضية على ذمة قضية خرق قانون التظاهر وتنظيمهم لمظاهرة بدون الحصول على تصريح، معربة عن أن سليمان ليست عضوًا فى الحزب، ولم تنضم للمسيرة أو التظاهرة، بل كانت تتناول غداءها مع أصدقائها فى مطعم "ريش" الكائن فى شارع طلعب حرب، والذى وقعت فيه الاشتباكات بين الشرطة وأفراد مسيرة حزب التحالف الشعبى الاشتراكى. وأضافت سليمان أنها لا تتحدث لمجرد أن عزة أختها، ولكنها كمواطنة مصرية مع آخرين تم توجيه اتهامات باطلة وظالمة لهم، وتحويلهم من شهود إلى متهمين فى القضية بشكل ينذر بأن العدالة فى طريقها للتلاشى بمصر، ومع مرور كل يوم "نتأكد أننا لا نعيش فى دولة قانون". وأشارت إلى أن قانون التظاهر منذ صدوره ويواجه بحالة رفض مجتمعى، وقدمت العشرات من المنظمات والأحزاب السياسية والقوى الثورية أوراقًا خاصة بتعديل بنوده؛ لأنه يحوى ثغرات أصبح يتم استخدامها لقمع حرية الرأى والتعبير، ولم يعد فقط يستخدم لمواجهة الإرهاب كما أقنعت الدولة آنذاك الشعب بأهميته. واختتمت أنها ترى أن هذه القضية تكشف بقوة أن السجون ستكون مصير كل من يعارض أو ينتقد أى أوضاع سياسية أو مجتمعية، وهو بكل تأكيد نهج مخالف ومنحرف عن أهداف ومبادى الثورة التى نزل الملايين من أجلها. القضية تمثل تلويحًا بالعصا لإسكات أصوات المدافعات الحرة.. ونطالب بسرعة قانون لحماية الشهود قالت هبة عادل – مؤسس مبادرة المحاميات المصريات – إن ما حدث مع عزة سليمان واقعة خطيرة تهدد سير العدالة لأكثر من سبب؛ الأول لأننا طالما طالبنا وما زلنا بقانون يكفل ضمانات حماية الشهود بجميع القضايا، وخاصة القضاء الجنائى، وما حدث مع الناشطة النسوية عزة إخلال بمبدأ حماية الشهود، وثانيًا أن ما حدث تلويح بالعصا لكافة المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان لإسكات أصواتهم الحرة ضد الانتهاك أو عدوان، وثالثًا أنه ما زال هناك طريق مفتوح لقبول التظلم المقدم أمام مساعد النائب العام وإلغاء قرار الإحالة، من أجل تحقيق العدالة وإعادة لميزانها لوضعه السليم، أما التجاهل والتنكيل بالناشطاتً والنشطاء فإن الخاسر هنا الجميع، لأن غياب العدالة يؤدى بالتبعية لغياب الأمن، فالعدل يا سادة مفتاح الأمن. وطالبت عادل بسرعة إصدار قانون حماية الشهود لمنع حدوث وقائع مشابهة وسرعة تعديل قانون التظاهر الجائر والإفراج عن الشباب ووقف محاكمة الشهود الذين تحولوا إلى متهمين. انتصار السعيد – رئيس مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان – قالت إن القضية معقدة ومركبة خاصة أن الشهود الذين تحولوا إلى متهمين ذهبوا للنيابة من تلقاء أنفسهم بشكل تطوعي ليساعدوا العدالة فى الكشف عن المتهمين، وهو مؤشر خطير؛ لأن أى شاهد فى مكانهم فيما بعد سوف يفكر مليون مرة قبل أن يدلى بشهادته خوفًا من تحوله إلى متهم. وطالبت السعيد بوقف محاكمة جميع المتهمين واستبعاد الاتهامات الموجهة ضدهم، وأهمية حماية حق الشهود، وسرعة تعديل قانون التظاهر الجائر الذى حصد آلافًا من شباب الثورة، وأصبحوا فى السجون، والإفراج عن كل متهم على ذمته طالما لم يتورط فى أعمال عنف. القضية خير دليل على كيدية الاتهام وتلفيق التهم ضد النشطاء بينما أكد رضا الدنبوقي – المدير التنفيذي لمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية – على تضامنه التام مع الناشطة الحقوقية النسوية "عزة سليمان" والتي وجهت لها نيابة قصر النيل مخالفه أحكام قانون التظاهر رقم 107 لسنة 2013، وذلك بعد الإدلاء بشهادتها ضد أفراد الشرطة واتهامهم بالاستخدام المفرط للقوة ومقتل شيماء الصباغ عضو حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، موضحًا أن الاتهامات التى تلحق بالناشطة عزة سليمان ما هي إلا انتقام منها ومجاملة للداخلية ونظامها الفاسد، وتم قيد جنحة برقم 2841 لسنة 2015 جنح قصر النيل ضدها وتحويلها من شاهدة إلى متهمه بالمخالفة للقانون. وأضاف الدنبوقي أن مصر تشهد نشاطًا حقوقيًّا نسويًّا منذ أكثر من عشرين سنة برزت من خلاله العديد من الناشطات، ومع انطلاق الحراك العربي عام 2011 للمطالبة بالحريات العامة والحقوق المدنية إضافة للمشاركة السياسية، تم استهداف النشطاء والناشطات من خلال العديد من الانتهاكات لحقوقهم في التعبير ابتداء بالتهديد والترهيب، ثم الاستدعاءات المتكررة والتحقيقات المهينة، وصولاً إلى الفصل من العمل والمنع من السفر، وحتى الاعتقال والعنف اللفظي والمادي والحط من الكرامة والمعاملة القاسية. وقد عانت الناشطات المصريات أشد المعاناة لإيقاف نضالهن الحقوقي أو الحد منه بشتى السبل والوسائل التعسفية وغير المشروعة. وتأتي تلك القضية خير دليل على كيدية الأتهام وتلفيق التهم ضد النشطاء. 57 منظمة حقوقية ونسوية و40 شخصية تتضامن من أجل إسقاط الاتهامات على عزة سليمان وفى سياق متصل أعلنت أمس الأحد 57 منظمة وجمعية ومبادرة حقوقية ونسوية وأكثر من 40 شخصية عامة وحقوقية في بيان وقعت عليه، طالبوا فيه الحكومة المصرية بالحفاظ على مبادئ دولة القانون وباتخاذ الإجراءات اللازمة لإسقاط التهم الموجهة إلى شهود العيان الذين تم تحويلهم إلى متهمين ومنهم عزة سليمان، خاصة وأن سير التحقيقات يكشف عن وجود خلل يطرح العديد من التساؤلات حول منظومة العدالة. كما طالب الموقعون بإسقاط التهم الموجهة إلى أعضاء وعضوات الحزب المعني بموجب قانون التظاهر المطعون عليه بعدم دستوريته والذي يتعارض مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تصون الحق في التجمع والتظاهر السلمي، ويطالب الموقعون السلطات المصرية باحترام والالتزام بحق حماية الشهود وحماية المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان التي تنص عليها الاتفاقيات والمواثيق المُشار إليها أعلاه. تجدر الإشارة إلى أنه من بين المنظمات الموقعة نظرة للدراسات النسوية، الاتحاد النسائى المصرى، مبادرة المحاميات المصريات، مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، مؤسسة بشاير حلوان، مركز الأرض لحقوق الإنسان، مبادرة شفت تحرش، المركزى المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.