تميلك الأراضي للأجانب "فخ".. والمستثمر أهم من المواطن الدعم أكذوبة الدولة لتحصيل قوت الفقراء كتبت شيماء حمدي و محمد يحيى «هما المال والحكم معاهم واحنا الفقرا المحكومين حذر فزر شغل مخك شوف مين فينا بيحكم مين، احنا مين وهما مين» كلمات للشاعر أحمد إمام تغنى بها الشيخ إمام منذ سنوات ولم يعلم أن أجيالًا من بعده سترددها، طالما لم تتبدل الحال بعد. وعلى الرغم من أن هناك ثورتين بسبب الحالة الاقتصادية، إلَّا أنه حتى الآن يتنبأ كثير من الخبراء والسياسيين ب"ثورة الجياع" التي من الممكن أن تندلع في أي وقت لتطيح بالأخضر واليابس، بعد القرارات التي اتخذتها الحكومة مؤخرًا بارتفاع أسعار الكهرباء والغاز والسلع التموينية، وزيادة أسعار المواد البترولية؛ تمهيدًا لرفع الدعم بشكل كامل عن كل ما سبق. استياء ورفض واستنكار، ردود أفعال عمت وجوه المواطنين البسطاء، وأغلقت أمام أعينهم كل أمل في الخلاص من معاناته مع الأنظمة السابقة، ليدخل في معاناة أبشع متمثلة في غلاء أسعار الوقود والكهرباء والسلع التموينية وكل أساسيات الحياة، وسط انخفاض الرواتب وعدم وصولها للحد الأدنى، وتبرير حكومي بأنها "لصالح المواطن". فيما اتفق عدد من الاقتصاديين أن القرار برفع الدعم عن بعض الخدمات جاء مناسبًا للحكومة لسد عجز الموازنة العامة، إلَّا أنه غير مناسب للشعب المصري الذي يعاني في الأصل من تدهور حالته المادية. قرارات لم يتخذها رئيس سابق فى جولة سريعة على الأنظمة السابقة، لم نجد من الرؤساء السابقين، من تجرأ على أخذ خطوة شديدة الخطورة كرفع الدعم، رغم أن الرؤساء السابقين كانوا يقفون على أرضٍ صلبة نوعًا ما. وعندما حاول الرئيس الراحل أنور السادات الإشارة إلى هذه الخطوة كمقدمة لرفع الدعم، قامت انتفاضة الخبز التى ظلت على مدى يومين 18، و19 يناير 1977، حيث شهدت شوارع العاصمة تظاهرات واسعة؛ احتجاجًا على رفع أسعار العديد من السلع الغذائية، عقب إعلان الدكتور عبد المنعم القيسوني، نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية، عن رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية، مما أدى إلى رفع أسعار الخبز والسكر والشاي والأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى من السلع المهمة في حياة المواطن البسيط. وبدأت الانتفاضة بالتجمعات العمالية، حيث بدأ العمال بالإعلان عن رفضهم للقرارات الاقتصادية من خلال هتافات ضد الجوع والفقر وبسقوط الحكومة والنظام، وانضم طلاب الجامعات للعمال ومعهم الموظفون في شوارع وميادين القاهرة والمحافظات، يهتفون ضد النظام والقرارات الاقتصادية وحدثت مظاهر عنف؛ منها حرق أقسام الشرطة وأبنية الخدمات العامة، ورغم الخسائر البشرية التي تصب في الزج بآلاف المعتقلين في السجون، فقد انتهت انتفاضة الخبز بإلغاء القرارات الاقتصادية للسادات. وبعد رحيل السادات وتولي مبارك الحكم لم يلغِ الدعم؛ لأنه تعلم من الدرس الذي لقنه الشعب للسادات حينها، ولم يستطع فى أى وقت من الأوقات المساس بالدعم الذي يساعد عددًا من المواطنين البسطاء على المعيشة، في ظل أجواء ارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور. وسار على خطاه الرئيس المعزول محمد مرسي، لكن تغير الحال مع قرارات رفع الدعم التي اتخذت مؤخرًا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. على حساب المواطن اتخذت الحكومة عددًا من القرارات الاقتصادية ولم تضع في حسبانها المواطنين البسطاء، فقد تم تطبيق الضريبة العقارية مؤخرًا، ورفع الدعم الجزئي عن الطاقة ورفع أسعار المشتقات البترولية؛ لتخفيض عجز الموازنة وتخفيض أعباء خدمة الدين السنوي، إذ خفضت الحكومة دعم المواد البترولية بنحو 30 مليار جنيه "4.2 مليار دولار"، ليصل إلى 104 مليارات جنيه مقابل 134 مليار جنيه متوقعة بنهاية العام المالي الجاري. الحكومة للمواطن: دبر نفقاتك أكد وزير المالية، هاني قدري، في تصريحات سابقة أن تراجع أسعار النفط عالميًّا سبب توفيرًا بالموارد المالية الموجهة لتدبير احتياجات الدولة من المواد البترولية، دون أن يفصح الوزير عن حجم ما تم توفيره للدولة، في الوقت الذي أعلن فيه عن خفض الدعم على المواد النفطية بفارق 42 مليار جنيه بموازنة الدولة العامة للسنة المالية الحالية، عن نظيرتها الماضية من بينها الدعم على السولار، الذي يعد عصبًا لكل القطاعات الصناعية والإنتاجية وحتى الحياتية للمواطن كالمواصلات العامة وغيرها. 15.41 مليار جنيه معدل زيادة بالدعم بلغ إجمالي الدعم السلعي بموازنة العام المالي 2014/2015 الجاري على كل من دعم (السلع التموينية، المواد البترولية، الكهرباء)، نحو 159 مليار جنيه، مقابل 144 مليار جنيه نفقات فعلية بموازنة 2013/2014 الماضية، بزيادة بلغت 15.41 مليار جنيه، حيث خصصت وزارة المالية دعما للمواد التموينية؛ يشمل القمح بما في ذلك (مستورد، محلي، دقيق مناقصات) بلغ نحو 18.55 مليار جنيه لتوريد 8.82 مليون طن خلال موازنة السنة المالية الحالية، مقابل نحو 21 مليار جنيه لتوريد 9.7 مليون طن بموازنة العام المالي الماضي، بانخفاض حجمه 2.4 مليار جنيه. فيما بلغ إجمالي ما تم دعمه من زيت تمويني وسكر وأرز، بقيمة بلغت 13.5 مليار جنيه، لتوريد نحو 3.95 مليون طن، مقابل 11.5 مليار جنيه لتوريد نحو 3.54 مليون طن بموازنة السنة الماضية، بمعدل زيادة بلغ 2 مليار جنيه. أما بالنسبة لدعم المواد البترولية، فقد خصصت الموازنة العام خلال العام المالي الجاري نحو 19.12 مليار جنيه لدعم البوتاجاز وتوريد 4 ملايين طن منه، وبسعر بيعي للجمهور قيمته 1.12 مليار جنيه، لتصل تكلفته على الحكومة 20.24 مليار جنيه، أما البنزين فقد بلغت قيمة دعمه بالموازنة نحو 20.15 مليار جنيه لتوريد نحو 6.1 مليون طن، بسعر بيع قيمته 14.34 مليار جنيه، من إجمالي تكلفة حجمها 34.5 مليار جنيه. فيما وصل الدعم على السولار بنحو 45 مليار جنيه، على نحو 13 مليون طن، بإجمالي قيمة بيعه للجمهور بلغت 25.12 مليار جنيه، من إجمالي تكلفة بلغت نحو 70 مليار جنيه، أما المازوت فوصل دعمه الحكومي لنحو 16 مليار جنيه، بحجم 13.2 مليون طن، لتبلغ إيراداته البيعية نحو 28.9 مليار جنيه، من إجمالي تكلفة حجمها 44.9 مليار جنيه. ووصل إجمالي الدعم علي الكهرباء لنحو 27 مليار جنيه، مقارنة ب13.3 مليار جنيه في الموازنة السابقة، بزيادة بلغت نحو 14 مليار جنيه. عن ذلك الدكتورة قالت هدى المنشاوي، الخبيرة الاقتصادية: الحكومة حتى وإن كانت تقدم دعمًا فعليًّا للمواطنين، فستلغيه؛ خصوصًا أنها أعلنت ذلك ضمن توجهاتها لرفع الدعم تدريجيًّا، وكأنها تقول للمواطن دبر نفقاتك بنفسك حتى وإن لم تكن تستطيع، وليس لنا أي دخل بذلك. وأشارت المنشاوي إلى أن الحكومة لن تتوقف عند ذلك الحد، لكنها ستستمر في تكبيده بأعباء الزيادات الضريبية، وعلى المواطن أيضًا تحمل ارتفاع الأسعار، بداية من السلع الأساسية وصولًا للمرافق من فواتير كهرباء ومياه وغاز وخدمات صحية وتعليمية، فالحكومة تتعامل مع المواطنين بسياسية "اضرب دماغك ف الحيط". وذكرت المنشاوي أن معدلات التضخم منذ فترة السبعينات ارتفعت وحتى نهاية 2014 إلى معدلات غير مسبوقة، متهمة الحكومة بأنها تضحك على المواطنين، خصوصًا أن معدلات التضخم زادت فعليًّا بموازنة العام المالي الجاري، رغم وجود فائض في أسعار الطاقة والمواد النفطية على المستوى العالمي إلَّا أن وزارة المالية مازالت لا تريد الإفصاح عن حجم ذلك الفائض. قرارات للمستثمرين اتخذت الحكومة المصرية عددًا من الإجراءات الاقتصادية خلال الشهور الأخيرة، تشجيعًا لحضور المستثمرين الأجانب لمؤتمر شرم الشيخ الشهر المقبل، منها خفض قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، وتقليل الدعم للوقود والكهرباء، وتقليل مصروفات الاستثمارات الحكومية بالموازنة والاستعداد لفرض ضريبة القيمة المضافة، على حساب المواطن البسيط، الذي لحق به الضرر نتيجة تلك الإجراءات. حيث خفض البنك المركزي المصري قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، من 7.14 جنيه للدولار إلى 7.68 جنيه للدولار، خلال أسابيع قليلة، إرضاءً للمستثمرين الأجانب، حتى يجدوا سعرًا موحدًا للصرف يساعد على إقناعهم بالحضور لمؤتمر شرم الشيخ. كما صرح وزير الكهرباء بأن هناك زيادة أخرى في أسعار الكهرباء في يوليو المقبل، بالإضافة إلى القوانين التي أصدرها الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل ساعات من انطلاق المؤتمر الاقتصادي، حيث أصدر ثلاثة قرارات بقوانين، وكانت التعديلات الأبرز في قانون الاستثمار تملُّك الأراضي والعقارات ونصت المادة 12 من التعديلات، على «عدم الإخلال بالتصرفات التي تمت قبل تاريخ العمل بهذا القانون، ويكون للشركات والمنشآت الحق في تملك الأراضي والعقارات اللازمة لمباشرة نشاطها أو التوسع أيًّا كانت جنسية الشركاء أو المساهمين أو محال إقامتهم أو نسب مشاركتهم أو مساهمتهم في رأسمالها، وذلك عدا الأراضي والعقارات الواقعة في المناطق التي تنظمها قوانين خاصة أو يصدر بتحديدها قرار من مجلس الوزراء». ومنحت الفقرة الأولى من المادة 32 من القانون، الحق للبضائع التي تصدرها مشروعات المناطق الحرة للخارج، أو التي تستورد، في الإعفاء الكامل من الجمارك، والضرائب بأنواعها (عامة مبيعات)، وأي رسوم مقررة. وأخضع القانون هذه المشروعات، لرسم سنوي مقداره 1% من قيمة السلع المصدرة والمستوردة من الخارج، مع إعفاء تجارة «الترانزيت»، وفق لما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 42. حوافز للمشروعات كثيفة العمالة أعطت المادة 20 مكرر، الحق لمجلس الوزراء في منح المشروعات الاستثمارية ذات التشغيل كثيف العمالة أو التي تعمل على تعميق المكون المحلي في منتجاتها، أو التي تستثمر في المجالات اللوجستية أو تنمية التجارة الداخلية، ومشروعات مجالات إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء والمشروعات الزراعية ومشروعات النقل البري والبحري والسكك الحديدية، العديد من الامتيازات والحوافز، ومنها: السماح بإنشاء منافذ جمركية خاصة، ومنحها أسعار مخفضة للطاقة، ورد قيمة توصيل المرافق المخصصة للمشروع، وتحمل الدولة لجزء من تكلفة التدريب الفني للعاملين، وتحمل الدولة لحصة العامل وصاحب العمل في التأمينات أو لجزء منها لمدة محددة. ونصت المادة 7 من القانون على تسوية المنازعات الاستثمارية بالطريقة التي يتم الاتفاق عليها مع المستثمر، أو وفقًا لأحكام قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية. تسهيلات ضريبة وفي قانون المبيعات، أقر الرئيس تعديلات متعلقة بتسهيلات ضريبة على المستثمر، منها تحديد سعر الضريبة على المعدات والآلات المستخدمة في الإنتاج 5%. كما ألزم القانون الدولة برد الضريبة على الآلات والمعدات التي تستخدم في إنتاج سلعة أو أداء خدمة خاضعة للضريبة عند تقديم أول إقرار ضريبي. وعقب إنهاء المؤتمر الاقتصادي عكفت وزارة العدل على إجراء تعديلات بالقانون 120 لسنة 2008 الخاص بإنشاء المحاكم الاقتصادية، باستحداث نص جديد في القانون بإقرار نظام العدالة أو الإقرار بارتكاب الجريمة مقابل استبدال التدابير بالعقوبات المقيدة للحرية في الجرائم الاقتصادية. وجاءت التعديلات تنفيذًا لتوصيات مؤتمر شرم الشيخ حول إجراء الإصلاحات التشريعية لمناخ الاستثمار التي تزيد من ثقة المستثمرين وتشجيع الاستثمار، وتنفيذًا لتوصيات المؤتمر الاقتصادي "المناخ القضائي الداعم للاستثمار" الذي نظمته المحكمة الاقتصادية بالإسكندرية، في الفترة من 26 إلى 28 فبراير الماضي؛ لبحث سبل تطوير القضاء الاقتصادي. سد عجز الموازنةبرفع الدعم قال سرحان سليمان، المحلل السياسي والاقتصادي: رفع الدعم بصورة كلية سيرفع من سقف المطالب الاجتماعية لعموم الشعب, ويشجع وجود مزيد من الوقفات الاحتجاجية؛ للمطالبة برفع الأجور لمواكبة الزيادة المتوقعة في الأسعار على كل المستويات، مشيرًا إلى أن الإجراءات المتعلقة برفع الدعم عن المشتقات البترولية ستخلق نوعًا من السخط الشعبي على رئيس الجمهورية وعلى الحكومة الحالية، وقد تتسبب فى خلق فئات احتجاجية جديدة. وأكد سرحان أن الحكومة تسير بمنهج رفع الدعم، لأنها عاجزة عن توفير وسائل أخرى لتجنب تفاقم عجز الموازنة، وسيكون لها تأثير مباشر على المناخ السياسي وخلق مطالبات لرفع المعاناة عن كاهل المواطنين، مضيفًا: إلَّا أن هناك أيضًا بعض القرارات الخاطئة التي اتخذت لاستقبال المؤتمر الاقتصادي، منها حق الشركات الاستثمارية لتملك العقارات والأراضي وهو ما يبيح تملك أراضينا للأجانب. وأضاف أن تحديد طرق فض المنازعات، التى لا تخرج عن طرفي المستثمر والحكومة، ولا يحق لأي حكومة مقبلة محاسبة السابقة على أخطاء ارتكبتها وفقًا للقانون الجديد. من جانبها قالت الدكتورة كريمة كريم، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر: من الخطأ إلغاء الدعم تمامًا؛ لأنه سوف يولد عواقب لن يحمد عقباها؛ لأن الفقر والجوع من أسوأ ما يمكن أن تتعرض له البلاد. وأكدت أنه كان على الحكومة أن تعاود توزيع الدعم مرة أخرى، بحيث يرفع تمامًا عن القادر، وأن يظل كما هو لمنخفضي الدخل، مما يسمى ب"الدعم التبادلي" بمعنى أن تزيد أسعار بدءا من مواد الطاقة إلى السلع الأساسية على الأغنياء، في مقابل تقديم دعم حقيقي وخدمات لمنخفضي الدخل. وأضافت أن التعديلات التي أجراها الرئيس قبل المؤتمر الاقتصادي، منها ما هو في الصالح؛ مثل إعفاء بضائع المناطق الحرة من الضرائب والرسوم، بالإضافة إلى التسهيل على المستثمر وإنهاء الإجراءات كلها في مكان واحد لكسر روتين الدولة الممل، لكن هناك بعض النقاط التي تجعلنا متخوفين، وعلى الدولة عودة التفكير فيها، منها قرار تملك الأراضي والعقارات للأجانب، فلابد من أن تكون للدولة اليد العليا. في سياق متصل أكد أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكي المصري، أن اقتراح الرئيس عبد الفتاح السيسي بعقد المؤتمر الاقتصادي بشكل سنوي سيكون مرهقًا جدًّا للأمن ومكلفًا، ولن يعطي فرصة لإنجاز المشروعات، مؤكدًا أن المؤتمر وما سابقه من قرارات اقتصادية غاب عنه البعد الاجتماعي لدى الدولة إذ تناست المواطن العادي، وأصدرت قرارات بتفعيل قوانين لم تخدم فى الحقيقة سوى المستثمرين ورجال الأعمال فقط، لكنها ستأتي بالسلب على الأغلبية من الشعب المصري الموجودين تحت خط الفقر، مضيفًا أن قرار إلغاء الدعم الذي سبق تلك القرارات غير مدروس، وسيأتي على حساب البسطاء.