البصر نعمة من الله، يهبها من يشاء ويسلبها ممن يشاء ليختبرهم، لكنه يمنحهم قدرات يستطيعون التمييز بها عن كثير من المبصرين، فالعين من أعظم أسرار قدرة الخالق عز وجل، فبرغم صغرها، لكنها تتسع لرؤية الكون أجمع، فالبصر مرآة الجسم وآلة التمييز والنافذة التي يطل منها على العالم الخارجي. وعلى الرغم من الصعاب التى تواجه المكفوفين، إلا أنهم يحملون بين طيات أجفانهم أنوارا هائلة تهبهم القدرة ليس فقط على الحياة لكن الإبداع، وهناك نماذج كثيرة من المكفوفين اتخذوا من نقطة ضعفهم قوة، رافضين أي نظرة شفقة من المجتمع. ويأتى محمد خالد، الطالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، نموذجا حيا للإصرار والإرادة الفولاذية التى تحدت الصعاب للحاق بقمم الكليات التى طالما سعى لها مبصرين دون إرادة ففشلوا. ويبدو أن الترهل الحكومى وغياب التخطيط والفساد أبوا أن يكمل "محمد" رحلة نجاحه، فبعدما قاتل من أجل دخول كلية "اقتصاد وعلوم سياسية"، لكنه قرر التحويل منها، بعدما أيقن أنه لن يستطيع إكمال مسيرته التعليمية بالتفوق ذاته الذي حققه خلال السنوات السابقة. تناست إدارة الكلية تفوق "محمد"، وتذكرت فقط أنه "كفيف"، حاول الطالب مراراً وتكراراً التعلم بالطريقة التي اعتاد عليها "برايل"، لكن أساتذة الكلية رفضوا إعطائه نسخ إلكترونية، مدعين أن ذلك خرق لحقوق الملكية الفكرية. ولم ييأس "محمد"، وتقدم بطلب للكلية لعقد امتحانه فى قاعة طه حسين بالمكتبة المركزية المخصصة للمكفوفين، لكن الكلية رفضت دون إبداء أسباب مقنعة سوى التحجج بأن الطلاب المكفوفين ليس لهم مكان ب"اقتصاد وعلوم سياسية"، الأمر الذى دفع "محمد" إلى التساؤل: "لماذا قبلت الكلية الطلاب المكفوفين من البداية؟»، مطالبا بضرورة تطبيق كل الكليات منظومة جديدة تتناسب مع الطلاب المكفوفين. على الجانب الآخر، قال فتحى عباس، المستشار الإعلامي لجامعة القاهرة، إن الجامعة تهتم بملف المكفوفين وقضاياهم، وتقدم لهم خدمات مختلفة، وتوفر لهم الإقامة في المدينة الجامعية دون رسوم، مضيفا أن الجامعة توفر لهم أيضًا قاعة مخصصة في المكتبة المركزية "قاعة طه حسين" بها كل الإمكانيات التي تسهل لهم عملية البحث العلمى. وأوضح "عباس" أن حالة الطالب في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ليست الأولى، بل سبقها الكثير من الطلاب المكفوفين الذين تخرجوا من جامعة القاهرة، وقدموا العديد من الأنشطة داخل الجامعة تتمثل في الرسم والتصوير.