ما بين تضارب أسعار وارتفاعها وانتشار ظاهرة الغش التجارى، تحولت أسواق محافظة المنيا إلى غابة يلتهم فيها التجار ورواد السوق السوداء قوت الفقراء ومحدودي الدخول، في ظل غياب الرقابة وتخلي الحكومة عن ضبط السوق وأسعار السلع الأساسية، ومع غياب دور جهاز حماية المستهلك. وتشهد أسواق المنيا انفلاتًا ملحوظًا، تجاوز حد الجشع ليصل إلى مستوى البلطجة وفرض أسعار خيالية، عجزت الأجهزة المعنية عن السيطرة عليها، رغم التصريحات البراقة، وهو ما رصدته "البديل" أمام منافذ بيع اللحوم، والسلع الاستهلاكية الأساسية والموسمية، وكذا أنابيب البوتاجاز، بجانب السلع والبضائع غير الصالحة للاستهلاك الآدمي. سوق اللحوم البداية كانت أمام منافذ بيع اللحوم البلدي بشارع محمد بدوي بمدينة المنيا والمعروفة بمحال الجزارة، وصل فيها سعر الكيلو إلى 75 جنيهًا، رغم اشتهار المنطقة ببيع اللحوم لجودتها ورخص سعرها عن غالبية منافذ البيع الأخرى، وألقى راضي نور (43 سنة جزار) مشكلة ارتفاع السعر على تجار الجملة والموردين الكبار: "إن كان عليَّ عايز أبيع الكيلو ب30 جنيهًا"، وأضاف أن الأسعار ارتفعت تدريجيًّا خلال الخمس سنوات الماضية، حيث كانت لا تتعدى 50 جنيهًا، غير أن الإقبال على الشراء انخفض بقدر كبير مع بداية عام 2014 عندما وصل سعر الكيلو 70 جنيهًا، مما تسبب في ركود سوق اللحوم وخسارة التجار. والتقط عبد الرحمن علي (47 سنة جزار) طرف الحديث ليضيف أن اللحوم أقل من سعر 75 جنيهًا مشكوك في أمرها، فإما إنها مذبوحة خارج السلخانة الحكومية وبالتالي معظمها لحيوانات مريضة أو نافقة، وإما إنها غير بلدي كالصومالي والبرازيلي. عيد اللحمة كفاية وبسؤال مواطنين قالوا: إنهم عزفوا عن شراء اللحوم البلدي، ليشتروا المستوردة والدجاج والأسماك، وقال البعض: إنه اضطر للشراء مرتين في الشهر بدلًا من 8، وقال الحاج جمعة عبد الوكيل: إنه لم يذق طعم اللحوم منذ 6 عيد الأضحى الماضي، مضيفًا: "عيد اللحمة كفايا علينا.. ويمكن ييجي العيد الجاي وما نلاقيهاش". أما في قرية "تله" فيبلغ سعر كيلو اللحم البلدي 70 جنيهًا، وبسؤال التجار عن سبب انخفاض السعر بقريتهم عن مدينة المنيا وصفوا تجار المدينة بالجشع، قائلين: "لو بعناها ب75 جنيهًا ما حدش هيشتري". وشكى مواطنون من تضارب أسعار بعض السلع الاستهلاكية؛ مثل السكر والأرز والمكرونة والخضروات المجففة والطازجة بمحال البقالين، بخلاف السجائر بمختلف أنواعها، فيقول فياض أبو العلا: سعر كيلو السكر المتعارف عليه 5 جنيهات فقط، وإنه يفاجأ أحيانًا بتسعيرة مخالفة من 5 جنيها ونص الجنيه إلى 6 جنيهات لنفس النوع، ويضيف بأن سعر كيلو الطماطم يختلف عند الباعة داخل سوق الحبشي، رغم تلاصق الباعة، ويبدأ سعر الكيلو من جنيه ونصف الجنيه ويصل جنيهين، وكذلك بالنسبة لأسعار الباذنجان والفاصوليا والبطاطس وباقي أنواع الخضر. السجائر أما عن أسعار السجائر فمنذ إعلان الحكومة عن ارتفاعها، وتضاربت قيمتها عن الباعة بشكل ملحوظ أثار غضب شريحة كبيرة، وقال محمود مدكور: منذ أعلنت الحكومة ارتفاع سعر السجائر المستورد من جنيهين إلى ثلاثة، وأصبح لكل بائع سعر يختص به، ورغم تراجع الحكومة عن الزيادة المعلنة، لم يتراجع الباعة. وقال مدحت عبد البر، أحد الأهالي: السجائر المغشوشة والمنسوبة للصين غمرت الأسواق، حتى أن الباعة أنفسهم لم يتمكنوا من التمييز بين المغشوش وغيره؛ للحفاظ علي زبائنهم. السلع المغشوشة في الوقت نفسه تغمر السلع المغشوشة أسواق المحافظة دون رقيب، وكشفت حملات أمنية عن وجود مصانع عدة تروج سلعًا مغشوشة بكميات هائلة، وكانت ضبطت إحدى الحملات أكثر من 700 كرتونة تحوي موادًّا غذائية مغشوشة وغير صالحة عمد مروجيها إلى تزوير العلامة التجارية الأصلية، ومن بين المواد المغشوشة تلك سلع (شاي، لبن نيدو، لبن بودرة)، وكان تلقي مدير أمن المنيا إخطارًا، بضبط مصنع بداخله 206 كرتونات تحوي عصائر متنوعة بماركات مزيفة يديره المدعو عصام فولي عبد الحميد 42 سنة بمدينة سمالوط، كما تم ضبط 250 عبوة من عصائر باسم إحدى الشركات الشهيرة في إنتاج العصائر المحلية، و10 كجم من البودرة الخاصة لحفظ العصائر الفاسدة. اسطوانات البوتاجاز ورغم ارتفاع سعر اسطوانات البوتاجاز وتجاوزها سعر ال50 جنيهًا بالسوق السوداء، وصل حد الغش التجاري إلى التلاعب في وزن الاسطوانات وبيعها ناقصة الوزن، وفي منتصف الشهر الماضي من العام الجاري ضبطت أجهزة الأمن مدير مصنع بالمنطقة الصناعية لتعبئة اسطوانات البوتاجاز، تورط في التلاعب بأوزان الاسطوانات المدعمة، وتحرر المحضر رقم 4321 إداري مركز المنيا، وأحيل المتهم للنيابة. ولم تسلم الأسمدة الزراعية من ارتفاع الأسعار والغش التجاري، وتم الكشف عن وجود مصانع غير مرخصة تروج كميات كبيرة منها للمزارعين، وألقت أجهزة الأمن القبض على دسوقي أحمد عبد الغني 59 سنة فلاح، يدير مصنعًا منسوبًا إنتاجه لكبرى الشركات المحلية، وبداخله مائتا طن سماد مغشوش، وخط إنتاج كامل لتصنيع الأسمدة الزراعية، وكميات من الشكائر الفارغة. بنود جديدة لحماية المستهلك من جانبه قال اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك: قانون حماية المستهلك الجديد يحمل شروطًا ومعايير وبنودًا جديدة للسلع كافة, تشمل التجارة الإلكترونية تحت شعار "ليك حق"، كما يهدف لخلق سوق منظمة، وبالتالي يحمل بنودًا لتغليظ العقوبة على الإعلانات المضللة والمسابقات الإعلانية وغيرها, وكذلك بيع السيارات المستخدمة من خلال شهادات فنية لها. وأضاف أنه مد فترة استرجاع السلع شهرًا بدلًا من 15 يومًا, وألزم التجار بتحرير فاتورة إجبارية لكل السلع, ووضع منشور "بوستر" بالأسعار والموصفات داخل المحال التجارية والشركات والمعارض, وأنه سيتم محاسبة المخالفين وتغريمهم, من خلال التنسيق مع أجهزة الدولة, ومنظمات المجتمع المدني. ورأى جاد محمد عز، خبير استثماري بالمنيا، أن ثقافة حماية المستهلك بمفهومها والقوانين المنظمة لها تغيب عن شعب المنيا وشعوب الصعيد، لكونها حديثة العهد ولم تصل لمرحلة النضج لدى المواطنين، وأوصى بضرورة تكثيف الحملات التموينية للقضاء على ما وصفه بالعشوائية التجارية، كما أوصى بتكوين روابط من شأنها إطلاق حملات توعية للمستهلكين.