يعد "كوبرى دمياط" من أقدم الكباري المعدنية المتحركة على مستوى العالم، أنشئ عام 1890، وكان جزءاً من كوبرى إمبابة القديم على النيل بالجيزة، والذى بلغ طوله 495 متراً، ثم نُقل جزء منه بطول 170 متراً إلى موقعه الحالى بدمياط، طبقاً لعرض النيل فى ذلك الموقع عام 1927، ليمثل نموذجاً حياً لتطور صناعة الحديد فى العالم، فضلاً عن تصميماته الجميلة. «كوبري دمياط».. من التخريد إلى عظمة التاريخ لوحظ فى عام 2006 اقتطاع أجزاء من الكوبرى، وبيعت خردة إلى أحد الأفراد، فأصدر الدكتور محمد فتحي البرادعي، محافظ دمياط آنذاك، أمراً بمنع أي أعمال على الكوبري؛ لإنقاذه من البيع «خردة»، ثم صدر القرار رقم 5 لسنة 2007 باعتبار الكوبري أثرا تاريخيا في حوزة محافظة دمياط؛ لحين نقله إلى موقعه الجديد ملحقاً بمكتبة دمياط العامة، ليكون مزاراً وقاعة لعرض مختلف ألوان الفنون. وجاء وقت نقل الكوبري إلى موقعه الجديد الذي يبعد حوالي 2 كيلومتر، عائماً على صفحة النهر دون تقطيعه، الأمر الذى يحتاج إلى شركة متخصصة ذات مستوى فني عالي وخبرة لتنفيذ المهمة دون مخاطر، وبرغم وجود اقتراحات باللجوء إلى خبرات أجنبية لتنفيذ المهمة، إلا أن المحافظ دعى مجلس إدارة شركة المقاولين العرب لزيارة دمياط؛ تمهيدا لإسناد المهمة إليها. وزارت الشركة موقع الكوبري مرات عديدة، وكان الانطباع الأول صعوبة النقل دون تقطيع جسم الكوبري، إلا أن الشركة لجأت لنخبة من الأساتذة المتخصصين، وظلت الدراسات الفنية تجري إلي أن تم وضع تصور علمي دقيق لعملية النقل تحت إشراف هندسي متخصص، وذلك بتصنيع "بانتونات" عائمة بأحجام ومساحات محددة تتفق مع وزن ومساحة وأبعاد الكوبري؛ لتحمل الكوبري من نقاط تم تحديدها بعناية بعد دراسة فنية دقيقة، وبعد التأكد من فصله عن قاعدته ثم سحبه عائما بقاطرات بحرية إلي موقعه الجديد، ليتم رفعه علي قاعدته الجديدة، وجرت عملية النقل التي تمت عبر منحة دولية من وزارة التعاون الدولي مخصصة لدعم الأنشطة الثقافية بنجاح تام في عام 2007. «كوبري دمياط».. عاصمة الحلم المصري تم تقسيم الكوبري من الداخل إلي أربعة أقسام بعد أن تم صيانته وصياغته في موقعه الجديد ملحقا بمكتبة مبارك العامة بدمياط في أجمل موقع علي كورنيش النيل، وتهيئته ليكون مركزا ثقافيا حضاريا يضم قاعة للمعارض الفنية وأخرى للمحاضرات وقاعتين للاجتماعات إحداهما مغطاة والأخرى مكشوفة، وتم تجهيزها بأحدث تقنيات الصوت وشاشات العرض وكاميرات التصوير والإضاءة غير المباشرة، وتم تكييفها مركزيا ووضع ستائر كهربائية لحماية الجلوس من أشعة الشمس الغربية، وروعي أن تزود بمقاعد يسهل تحريكها حتى يمكن استخدامها قاعة متعددة الأغراض، كما تم إعادة صياغة المنطقة المحيطة به لتصبح متحفا كبيرا مفتوحا يضم الصينية الرئيسية التي كان الكوبري يتحرك عليها وكذلك بعض التروس والقطع المهمة، بالإضافة إلي التصميمات الهندسية الأصلية لتنفيذ الكوبري والتي تم استعارتها من مخازن السكة الحديد في القاهرة. وفي نفس الوقت، أعدت المنطقة المحيطة لتكون مسرحا كبيرا مكشوفا يتسع لأكثر من ألفي متفرج للعروض الثقافية والفنية الكبيرة، بالإضافة إلي ورشة عمل ومظلات للفنانين التشكيليين؛ لممارسة أنشطتهم الفنية في أحضان الطبيعة، وتم ذلك بفضل منحة قدمت من وزارة التعاون الدولي للأنشطة الثقافية بلغت حوالي 5 مليون دولار، وبهذا تحول الكوبري من حديد قديم كان علي وشك الفناء ببيعه كخردة إلي أكبر وأهم مركز ثقافي في محافظة دمياط بأسرها. ثورة يناير.. كلمة السر فى تدمير الكوبرى وبعد أحداث ثورة يناير 2011، طالت يد الفوضى والإهمال كوبري دمياط التاريخي، فتم نهب محتوياته وتدمير تجهيزاته وإنشاءاته وتخريب أنشطته، ومنذ أيام قليلة نشرت وزارة النقل على موقعها الرسمي ما يوضح انهيار جزء من الكوبري، ليكتمل سيناريو الإهمال. يقول محمد سامي، مسئول قطاع التطوير بوزارة النقل، إن الإهمال الذي يلحق بكوبري دمياط، لا تتحمله الوزارة أو الهيئة العامة للطرق والكباري؛ لأنه ملك لمحافظة دمياط، التى لم تطلب من الوزارة التعاون معها بشأن تجديد الكوبري، مضيفا أن الكباري في مصر تعاني من إهمال كبير ومعترف به، لكن الوزارة تحاول الإصلاح على قدر المستطاع، فى ظل محدودية الإمكانيات. على الجانب الآخر، طالب الدكتور هيثم عاكف، أستاذ النقل بجامعة القاهرة، بمعاقبة كل من تولى منصب وزارة النقل أو محافظ لدمياط منذ الثورة حتى الآن؛ بسبب الإهمال الذي وقع على كوبري دميام التاريخي. واختتم: «إذا كانت الهيئة المسئولة عن الكوبري غير قادرة على العودة به إلى مكانته التاريحية، فمن الأفضل أن تعطيه لوزارة السياحة أو الثقافة لاستغلاله لصالح مصر، بدلًا من الإهمال الذي يلحق به كل يوم».