الراوي: الخضوع للشروط الأمريكية هدم صناعة الأدوية عبد الخالق: الاتفاقيات تخدم المنتج الإسرائيلي علي حساب المحلي علي مدار العقود الأربعة الأخيرة، وبعد حرب تحرير سيناء أكتوبر 1973، شهد الساحة المصرية تحولات في الشأنين الاقتصادي والسياسي، وتدخلات من قبل بعض الدول في مقدمتها الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني والاتحاد الأوربي في الاقتصاد المصري، عبر اتفاقيات تم توقيعها في تلك الفترة في مقدمتها اتفاقية كامب ديفيد 1979، ثم اتفاقية الكويز المكملة، ليكتمل بذلك التطبيع رسمياً، وليتم التسرب للاقتصاد القومي وانتهاكه لتزيد معه معاناة المواطنين نتيجة لسياسة إحكام السيطرة ومنع صدور أية قرارات مصيرية من شأنها رفع معدلات النمو الاقتصادي أو تقدم مصر كما كانت في أوقات سابقة. ومع اقتراب الألفية الثانية وانتهاء فترة التسعينيات شهدت مصر، سلسة من تصفية شركات قطاع الأعمال العام وخصخصة البعض منها، ليتم تسريح آلاف العمال بتلك المصانع والشركات وبيعها لمستثمرين بحجة تطويرها وتخليصها من الخسارة المستمرة وإسهام إيرادات البيع في سد عجز الموازنة المتفاقمة دوما، بغض النظر عن إسهام تلك الشركات في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 15%. في خطوة وصفتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية، بأنها تدعم العلاقات الثنائية بين مصر وإسرائيل؛ وافق كلا البلدين الأسبوع الماضي، على مضاعفة حجم صادراتهما المشتركة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى 2 مليار دولار، ضمن ما يعرف باتفاقية الكويز،من خلال الإعفاء الجمركي الأمريكي لصادراتهما المشتركة لمدة 10 سنوات، فضلا عن الاتفاق على ضم مزيد من القطاعات الاقتصادية الأخرى إلى الكويز، وفي مقدمتها صادرات الأغذية والبلاستيك. وتعطي الكويز الحق لمصنعي المنسوجات في مصر في بيع منتجاتهم داخل السوق الأمريكي بإعفاء من الجمارك الأمريكية، بشرط أن تضم الصادرات المصرية نسبة مكون إسرائيلي قدرها 10.5% من المنتج النهائي، وتعتمد الولاياتالمتحدة وفق الاتفاق نحو 14 منطقة صناعية ونحو 150 مصنعا للمنسوجات في مصر وقال أوهاد كوهين، رئيس إدارة التجارة الخارجية بوزارة الاقتصاد الإسرائيلية، إن مصر تستهدف الاهتمام باتفاق الكويز لدعم النمو الاقتصادي، حيث توفر فرص عمل تقدر بنحو 280 ألف وظيفة في المصانع بشكل مباشر، بالإضافة لآلاف فرص العمل بشكل غير مباشر حلمي الراوي، مدير مرصد الموازنة وحقوق الإنسان، أكد أن اتفاقية الكويز علي سبيل المثال تقضي بأن تكون نسبة المكون الإسرائيلي في السلع الموردة لأمريكا لا تقل عن 13%، لكن في ظل عدم وجود رقابة من جانب الدوائر الجمركية فإنه لا يستبعد أن تصل نسبة ذلك المكون لأكثر من 50%، وأن مثل تلك الاتفاقيات تعني التطبيع السياسي والاقتصادي مع الكيان الصهيوني بمباركة الولاياتالمتحدة، لاستمرار الهيمنة والتبعية الاقتصادية لمصر، والإضرار العمدي بالخامات المصرية علي حساب نظيرتها الصهيونية. وأضاف أن الولاياتالمتحدة فرضت علي مصر توقيع تلك الاتفاقية بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة والمعروفة ب"التريكس"، معتبراً الاتفاقية السابقة باباً خلفيا للهيمنة الأمريكية، وأشار إلى أن اتفاقية التجارة الحرة أثرت هي الأخري علي الصناعات الدوائية في مصر، فخلال الفترة من 2004 إلي 2005، كانت نسبة التغطية الدوائية المحلية تصل إلي 96% مقابل 4% فقط يتم استيرادها، وحاليا لا يصل الاكتفاء المحلي إلى 85%. وأوضح أن قطاع الأدوية المصري قد دمر بالفعل خلال الفترات السابقة، خصوصا بعد عملية إضعاف هيئة الرقابة والبحوث الدوائية، من خلال تعيين قيادات موالية للسياسات الأمريكية ووفقاً لأهوائهم، وكذلك تهميش الكفاءات المصرية وتهجيرها خارج القطر المصري ليتم تدمير القطاع، موضحا أن تلك الممارسات تهدد الأمن القومي، خصوصا في ظل ظاهرة التلاعب بالتشغيلة الدوائية وسحب الأدوية ذات الفاعلية من الأسواق. وأشار إلى أنه من حق الدولة في حال ثبوت وقوع ضرر عليها اللجوء للتحكيم الدولي لتعديل الاتفاق المضر أو إلغاؤه، موضحا أن الطرق الدبلوماسية تكون أفضل الحلول. وقال الراوي، أن كثيرا من السياسات في الماضي القريب تمت بغرض بيع الشركات وسداد عجز الموازنة والذي كانت نسبته في بداية برامج الخصخصة 3.8% فقط، وخلال عام 2010 بلغ 8.5%، وصولاً إلي 12.5% بنهاية العام المالي الماضي، بما يعني أن فاتورة العجز تتزايد رغم بيع عدد من أصول الدولة لخدمة الولاياتالمتحدةالأمريكية وتدمير الصناعة والاقتصاد المصري، فضلا عن تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار خلال تلك الفترة بسبب سياسات الخصخصة التي أثبتت فشلها. وأضاف أنه لا يعقل بأي حال من الأحوال أن تتولي وزارة التجارة والصناعة ملف الاتفاقيات الدولية بعد أن كان الاختصاص لوزارة الخارجية بشأن ذلك الملف من حيث المتابعة والدراسة، مشيرا إلي أن "التجارة والصناعة" في عهد أحد وزراء مبارك وقتها، سحبت الملف المذكور من وزارة الخارجية دون أن يكون لديها آلية فنية سوي خدمة السياسات الأجنبية علي حساب المصالح المصرية. من جانبه قال الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن عملية الاحتلال الاقتصادي تتم من خلال توقف الدولة عن الإنتاج واعتمادها علي دولة أخري لتدبير احتياجاتها من السلع والخدمات وخاصة حين تعجز الدولة عن توفير السلع الاستراتجية، موضحا أن الدولة المانحة في بعض الأحيان تمنع ما تعطيه للدولة الممنوحة للإضرار بها اقتصاديا في النهاية. وأشار إلي أن تلك السياسة تتم مع مصر حاليا، فمع السنوات الأخيرة تم ضرب الإنتاج الصناعي وتم السماح بالاستيراد خصوصا فيما يتعلق بالسلع الغذائية والملابس وغيرها، معتبرا أن تلك الممارسات أضرت بالصادرات المصرية، وأغرقت السوق بالواردات الأجنبية. وأوضح عبده، أن الفيصل في أي قرار أو اتفاق اقتصاديا يكون بناء علي حجم المزايا والعيوب التي يرتبها الاتفاق ليتم علي أساسه الاختيار واتخاذ القرار، مشيرا إلي أنه لا يمكن إنكار أن بعض الاتفاقيات التي وقعت عليها مصر مع دول متعددة تكفل لها بعض المميزات، إلا أن بعضها تسبب في تدمير الاقتصاد، وأن اتفاقية الكويز كان مقصودا تطبيقها في مصر والأردن، وأن يكون طرفها الثاني إسرائيل، حتي يتم التصدير للولايات المتحدة بدون رسوم جمركية، مشيراً إلي أن الكيان الصهيوني قد استفاد من تلك الاتفاقية ممن خلال تحقيق قيمة مضافة بواقع 90% علي المنتجات علي حساب مصر وصادراتها. وشدد علي ضرورة أن تسعي الدولة المصرية للعمل علي تنفيذ مشروعات استثمارية واستغلال الموارد المتاحة لزيادة الإنتاج لمواجهة التدخلات الخارجية بسبب تدني الاقتصاد القومي. قال الدكتور أسامة عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد والضرائب بجامعة عين شمس، إن اتفاقية الكويز أثرت علي الاقتصاد المصري نظرا لسماحها بتضمين المنتجات المصرية جزءا من الإنتاج الإسرائيلي، بالإضافة للتغيرات التي طرأت علي الاتفاقية، مشيرا إلي أن الاتفاقية تسمح لإسرائيل بشكل مطلق أن تكون حاكما فعليا في المشروعات الكبري لشركات مصرية، مقابل تحقيقها لمزايا لها علي حساب المنتج المصري. وأضاف أن منظمة التجارة العالمية سبق وأن نظمت مؤتمرا اقتصاديا في ديسمبر 2013، بدولة إندونسيا ضمن اجتماعات وزارية تعرض خلالها المؤتمر لمسألة الأمن الغذائي بالدول النامية وفي مقدمتها مصر، موضحا أن توصيات المؤتمر المذكور خرجت بمنع تصدير المنتجات الغذائية والزراعية، معتبرا أن تلك الخطوات ستؤثر علي التكلفة الاستيرادية للدول النامية وكذلك تهديد ملف أمنها الغذائي. وأشار عبد الخالق إلي أن التوصيات سمحت بتخزين فوائض الإنتاج الزراعي لديها لينعكس ذلك في النهاية علي البلاد الفقيرة ويسبب فجوة غذائية بها ومجاعات خلال سنوات قادمة، وأوضح أن منظمة التجارة أقرت الدخول في منظومة الوقود الحيوي، وبالتالي ستزيد من الضرر بمصر نظراً لأن الفترة المقبلة ستشهد فجوة في توافر الطاقة لديها مما يضعها في مواجهات مع الدول الغربية كأحد صور الاحتلال الاقتصادي والأمني للدولة المصرية. الدكتور مصطفي النشرتي، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة مصر الدولية، شدد علي ضرورة إلغاء تلك الاتفاقية لمساهمتها في تدمير الاقتصاد المصري بشكل مباشر علي مدار السنوات العشر الأخيرة، بمباركة من رؤوس نظام حسني مبارك، مؤكدا أن هناك مخططات صهيونية دبرت للدولة المصرية بغرض تدميرها وإقصائها خصوصا فيما يتعلق بصناعة الغزل والنسيج والمنسوجات، ليتم "اغتيال" القطن المصري لصالح الكيان الصهيوني بوساطة أمريكية. وأشار النشرتي، إلي أن المحتل الإسرائيلي أصبح يزرع القطن طويل التيلة في صحراء النقب باستخدام مياه الصرف الصحي، مقابل فرض زراعة القطن قصير التيلة علي مصر في الوقت الذي لا تملك الدولة معدات لغزل ذلك النوع من الأقطان، مما ساعد علي تعطيل عشرات المصانع والشركات المصرية خصوصا شركات الغزل والنسيج الحكومية. وقال إن تلك الممارسات ساعدت علي تكدس الأقطان بالمخازن دون تصريف، ليتم التأثير في النهاية علي صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة في مصر، وإن إسرائيل أصبحت المحتكر الوحيد في المنطقة لزراعة القطن طويل التيلة بدلا من مصر. وأكد النشرتي، أن الاتفاقية أجبرت مصر على الرضوخ لزراعة القطن قصير التيلة والسماح لإسرائيل بزراعة نظيره طويل التيلة، وتوريدها لمستلزمات صناعة الملابس الجاهزة من سحابات البنطلونات والزرائر وغيرها، والسماح فقط للحكومة المصرية بصناعة تلك المستلزمات من الباطن وبجزء ضئيل جداً. وأوضح أن أجور العمالة في مصر في قطاع الغزل والنسيج أقل منها في إسرائيل بواقع 1 إلي 20، مما جعل العمال في مصر يعزفون عن العمل في القطاع، معتبرا أن تلك الممارسات متعمدة ومؤيدة من وزراء الزراعة السابقين في عهد الرئيس الأسبق مبارك. وأشار إلي أن الاتفاقية تسمح بنسبة 10% من المنتج لصالح مصر مقابل 90% من الأرباح والتكلفة لإسرائيل، وتلك النسبة تنطبق أيضاً علي موارد المنتج، مما يجعلها في صالح إسرائيل وليس مصر، مؤكدا أن الحل الوحيد لإنقاذ الموقف بعد إلغاء تلك الاتفاقية المشينة وسيئة السمعة، هو إعادة صناعة الغزل والنسيج وإنشاء مصانع متطورة لتصنيع الأقطان طويلة التيلة وتفعيل سبل الشراكة الأوربية في ذلك القطاع للنفاذ للسوق الأوربي وتفعيل مشروعات المشاركة مع القطاع الخاص. من ناحية أخرى، أكدت الدكتورة هالة الغاوي، أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الحديثة بالمعادي، أن المقصود من توقيع تلك الاتفاقية هو التطبيع مع الكيان الصهيوني، معتبرة أن الاتفاق له شق سياسي أكثر منه اقتصادي، مما زاد الدولة خضوعا لما يمليه علينا ذلك الكيان من شروط، وأن الاتفاقية أضرت الاقتصاد المصري وليس العكس، مشيرة إلي أنه لا يعقل أن يكون الحد الأدني من المنتج يحتوي علي ما بين 10 إلي 15% مكوناً إسرائيلياً حتي يتم تصديره للولايات المتحدة. وقالت الغاوي إن المنتجات الإسرائيلية المصدرة للخارج تعامل معاملة الصادرات المصرية، مما يعني أن إسرائيل تجني الأرباح بمنتهي اليسر بدون تحمل أعباء أو تكلفة، مقابل الخسائر والتدمير الذي لحق بالصناعة والاقتصاد المصريين، من أجل التطبيع وفقط. وأوضحت الغاوي، أن الحكومة المصرية حالياً لا تملك قرار إلغاء الاتفاقية، نظراً للظروف الراهنة التي تمر بها، مؤكدة أن تلك الخطوة كان من المفترض أن يتم اتخاذها منذ ثورة 25 يناير وليس الآن، فما نملكه الآن هو الخضوع.