على الرغم من أن نبأ زيارة وفد برلماني لدولة ما لا يستحق عادة التعليق عليه، إلا أن زيارة وفد برلماني من بلد كان يعتبر رأس الحربة ضد السياسة السورية، وكان من أول البلدان التي أغلقت سفارتها في دمشق إبان الأزمة السورية، تكتسب أهمية كبيرة وتعدّ بمثابة اختراق في العلاقات الفرنسية السورية. زار وفد فرنسي يضم نواباً وممثلين لجمعيات إنسانية خلال اليومين الماضيين العاصمة السورية دمشق للمرة الأولى منذ بداية الأزمة السورية قبل نحو أربع سنوات، وأجرى الوفد عدداً من اللقاءات والمحادثات بدمشق، كما التقي وزير الخارجية "وليد المعلم"، وسط تكتم إعلامي شديد من الجانبين السوري والفرنسي من أجل عدم إفشال الزيارة. الوفد البرلماني الفرنسي يضم عضوين من مجلس النواب هما "جيرارد بابت" رئيس جمعية الصداقة الفرنسية السورية وأحد المقربين من الرئيس "فرانسوا هولاند"، و"جاك ميارد" أحد الوجود البارزة في البرلمان الفرنسي وله تأثير ونفوذ كبيران فيه، وعضوين من مجلس الشيوخ هما "ايميري دو مونتيسكيو" نائب رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ، و"جان بيار فيال"، إلى جانب وفد جمعيات إغاثية فرنسية. من جانبها سارعت الحكومة الفرنسية إلى التأكيد على أن هذه الزيارة "لا تحمل أي رسالة رسمية من الحكومة إلى دمشق"، وأشار نائب المتحدث باسم الخارجية الفرنسية "الكسندر جورجيني" إلى أن "زيارة الوفد البرلماني لا تتعلق بالحكومة أو موقفها إزاء الوضع في سوريا"، مضيفا أن "وزير الخارجية لوران فابيوس علق على زيارة الوفد البرلماني بالقول إنه لا يحمل أي رسالة رسمية إلى دمشق". يبدو أن ما تضمنه بيان الحكومة الفرنسية من أن "الوفد لا يحمل معه أي رسالة"، كان لحفظ ماء الوجه فقط، فمن الصعب على البلد التي كانت تعتبر رأس الحربة ضد السياسة السورية وكانت من أول البلدان التي أغلقت سفارتها في دمشق، أن تكشف بصراحة عن أنها تريد أن تراجع سياستها مع الحكومة السورية بعد أن تيقن العالم أجمع أن الرئيس السوري "بشار الأسد" باق في منصبه، فإذا كان بيان الحكومة الفرنسية حقيقي فلماذا إذن يلتقي الوفد الفرنسي بوزير خارجية الحكومة "الغير معترف بها والفاقدة لشرعيتها" وفق ما اعتادت فرنسا وحلفائها التصريح به؟. يرى مراقبون أن هذه الزيارة تأتي ضمن سياق مراجعات حثيثة لتدشين سياسة جديدة تجاه سوريا، بعد أن بدأت أوروبا تتحسس الخطر بعدما لدغها الإرهاب، وتعد زيارة الوفد البرلماني الفرنسي هي الأولى منذ بداية الأزمة السورية، حيث تشهد العلاقات بين دمشقوفرنسا قطيعة، على خلفية الأحداث التي تشهدها سوريا، وطالبت الأخيرة برحيل الرئيس "بشار الأسد"، متهمة السلطات السورية بالمسئولية عن أعمال القتل والعنف في البلاد، في حين اتهمت سوريافرنسا بلعب دور سلبي يتمثل بدعم المسلحين في الأزمة. هذه ليست المحاولة الأولى لإعادة التنسيق أو الحديث مع دمشق، فقد سبقتها محاولات عديدة جرت عبر وسطاء لكنها لم تحقق أي نتائج، وقد زار وفد أمني فرنسي دمشق في نوفمبر من عام 2013، من أجل الحصول على معلومات حول المقاتلين في سوريا، لكن الحكومة السورية اشترطت حينها أن يكون التنسيق الأمني عبر إعادة فتح السفارات، وهو ما لم يحدث بالفعل بعد حرب شعواء قادتها فرنسا في معسكر "أصدقاء سوريا" ومجلس الأمن الدولي وغرف عمليات عمان وتركيا، تتجه المؤشرات كلها إلى تزحزح فرنسا عن هذا الموقف المعادي لسوريا، لكن ليست باريس البلد الوحيدة التي تراجعت عن موقفها، فقد ترافق زيارة الوفد البرلماني الفرنسي مع زيارة يقوم بها رئيس مجلس الشيوخ الباكستاني "ناير حسين بخاري" يجري خلالها لقاءات ومحادثات مع عدد من المسئولين السوريين، كما أكد دبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي في وقت سابق أن الوقت قد حان لاستئناف العلاقات مع الحكومة السورية وإعادة السفراء إلى دمشق، وهذه الدول هي السويد والدانمارك ورومانيا وبلغاريا واستراليا واسبانيا، إضافة إلى دولتين ليستا عضوين في الاتحاد الأوروبي وهما النرويج وسويسرا.