تحاور «البديل» المطرب والملحن، ياسر مغربي، الذي قضى مراحله التعليمية في الأزهر، فباتت علاقته بالمشايخ أكثر من المدرسين، كان والده يعزف الناي والكولة فتعلم منه، ولم يعلمه الشيخ الكفيف محمد العناني الفقه والشريعة وحسب، إذ كان عازفًا، وبحكم الجيرة ارتبط بأستاذه، يصطحبه صباحًا للمدرسة، ويلقاه بعد الظهر بمسجد الشافعي، ولما بدأ يعزف على الناي بدأت جلسات السمع في بيت الشيخ، يعزف للحضور ناي، و«مغربي» يعزف معه. مشاكل عائليه اضطرته أن يبقى بالمسجد حتى العشاء، ظل بالقرب من الضريح، فسمع أدعية الزائرين والابتهالات والأناشيد، وتعرف على أشكال من ثقافات مختلفة، وما إن حان موعد الصلاة، سمع «مغربي» صوتًا ملائكيًا يؤذن في الناس، فخرج من الضريح ليكتشف أنه الشيخ العناني. ما أكثر الأيام الصعبة وما أجمل أن نتشاركها، حكمة يمكنك تعلمها من «بائع الكبدة»، ظل المطرب الثوري وسط أهل منطقته البسطاء، لكن اليوم مر صعبًا في العمل، و«مغربي» يتلمس طريق عودته للبيت، لولا أن اعترض البائع طريقه في ميدان السيدة عائشة، أمسك بيده: "أنا مبعتش ب ولا شلن وأنت لازم تستفتحني"، رد: "وأنا كمان ما خدتش شلن من الشغل"، قال: "خلاص أنت تغنيلي وأنا أعملك سندوتشات ويبقى أنا اتبسط وأنت اتبسط"، أغنية تلو الأخرى، وأربك الحضور حركة المرور، ولكن الكل سعيدًا. أرسله الشيخ العناني لفرقة «ليالي النور»، تضم عازفين مكفوفين، ومدربهم «حسن الخضري»، المصاب بعينه اليسرى -ذكرى تركها له الاحتلال الصهيوني وقتما كان بفلسطين- اشترك «مغربي» بالفرقة كمطرب، وناياتي عندما يتغيب عازفها، مقابل 15ج في الحفلة، حتى قرر تعلم العزف على العود، اشتراه ودفع في الحصة 5ج لمايسترو الفرقة، وفي خلال أسبوعين أجاد العزف، من يومها لم يتوقف عن العزف عليه، خاصةً في الشارع. في واحدة من حفلات ليالي التليفزيون، غنى «الحجار» من أشعار الراحل فؤاد حداد أغنية «العروسة»، للملحن محمد عزت، في هذه اللحظة تمنى «مغربي» أن تكون الأغنية ملكه، بعد سنين تعرف على المسؤول عن فرقة البنادرة محمد الصياد، وكان «عزت» ملحن ومطرب الفرقة، لتمر سنين أخرى ويعرض «الصياد» عليه أن يكون مطرب الفرقة وأن يدعمه «عزت» بالألحان والحفلات، وفي إحدى حفلات الفن ميدان غنى «العروسة»، الأغنية التي حلم بتقديمها للناس، وطالما اعتبر مطربنا «عزت» من أهم ملحني مصر، ووصف «الصياد» أنه إنسان يتنفس نغمات ويتغذى موسيقى "لدرجة إنك لو خبط فيه هتلاقيه بيرن". بدأت علاقته بالجماعات الأدبية، خلال حفلة بنقابة الصحافيين مع جماعة «آدم» الأدبية، وبعدها بأيام بدأ الاتصال بينه وجماعة «ابدأ» الثقافية، ومعها بدأت عروضه المسرحية، إذ اعتمدت تلك الجماعة على عروض المسرح الشعري، واشتهرت بتقديم تلك العروض وسط الجماهير في الشوارع، واعتمد هو على تلحين أجزاء من القصائد مغامرًا بتلحين نوع جديد عليه خاصة وأن أغلبهم كان يميل إلى التجريب ولا يعتمد على كتابة الأغنية بشكلها المعروف، ومعها انتهت أزمة مطربنا مع مخرجي العروض المتطفلين، الذين يتدخلون بأعماله الموسيقية، إذ تعرف على المخرج الشاب شادي عاطف، وهما أبناء المنطقة نفسها، ما ساهم في توطيد صداقتهما، ليقدما معًا عروض: أول بروفة حلم، الميدان، جيم أوفر، عرض يجر عرض، متعة ورا متعة، وكلها مسرحيات شعرية مجانية هدفها زيادة ثقافة ووعي الناس، وهو اتجاه بدأ في الانتشار حاليًا، خاصةً العروض التي يمتزج فيها الشعر والغناء، ليظل «مغربي» من أوائل المطربين الذين قدموا مثل هذه العروض الفنية. عزف في مكتبة طلعت حرب، وتعرف على العازف أحمد العربي، الذي كان سببًا في تعرف «مغربي» بالمطربة هبة رمضان، بعد أن انتقل للعمل بقصر الأمير طاز مع صديقه سالف الذكر، هناك تعمل «هبة» ضمن الفرقة الموسيقية، سأقول لكم ما قاله عنها وقتها: "بنت نشيطة جدًا لدرجة إنها من كتر حركتها كان المكان في عز الشتا دفا، بتشتغل بكل إخلاص وبتوزع طاقة إيجابية طول الوقت على كل اللي حواليها، بقينا أصدقاء من أول يوم، ولقتني بحضر كل البروفات، سعيد لدرجة أني عاوز أبات في القصر"، سأخبركم أنها الآن زوجته. مغربي قسم حياته لمراحل، تخللها عدد من المشاريع الفنية، بداية من حفلات وندوات الشعر وحفلات خاصة، وصولًا ل«نفحة طيبة»، غير تجهيزه حاليًا لميني ألبوم من 6 أغاني، بمشاركة مجموعة من الشعراء، منهم سالم الشهباني ووائل فتحي. لن يمر مشروع «نفحة طيبة» مرور الكرام، هذا لأنه توليفة موسيقية تنتشلنا برفق من الإيقاع الذي خلفته وتيرة الحياة الآنية، لم يقدم «مغربي» ما انتظره منه جمهوره، إذ انتظروا أن يقدم لهم أغانيه الثورية، التي اعتادوا سماعها في ميدان التحرير، كمثال "اسمي مصر، أصلب هلالك، في ذمة الثورة"، أغانيه الثورية لم تدخل في مكونات النفحة، فقط الذاكرة الغنائية هي الحاضرة، تراها حركت الحضور نحو رحابتها، نحو هذا الجمال الذي حفظه لنا الموروث الغنائي والشعري. اترك «مغربي» يفسر لنا الأمر: هكذا كان اتفاقنا منذ البداية أن ننطلق مع الجمهور في رحابة نحو الذاكرة، نحو المشترك الجمالي بيننا، لذا اعتمادنا على الموروث، وعلى الارتجال بطريقة الموال والغناء الحر، حتى في غنائي للمقاطع الشعرية التي اختارها من قصائد الكبار، مثل أمل دنقل ومحمود درويش أو قصائد أصدقائي الشعراء، واختيار "الموال" كان لتلمس الحساسية الجديدة لدى أبناء جيلي نحو الطرب، يظهر ذلك في الاهتمام بسماع الأغاني الطربية القديمة والمواويل بأصوات جديدة. لما لا اتركه ينهي حوارنا الصحفي، يحكي عنه، وعن الإنسان وعلاقاته الطيبة وصداقاته، حسنًا إذن.. الآن معكم «ياسر مغربي»: استفدت كثيرًا من مخالطة الشعراء والأدباء، بحكم الصداقة التي جمعتنا، كثير منهم أفادوني، فالاحتكاك بالمثقفين يثقل الفنان، وخاصة الملحن، استطيع أن أقول أن صداقتنا تتجرد من أي مصلحة مادية، دائمًا ما أذكرهم أن أهم الأمور معرفة الناس، لأن "بالبلدي كده المصالح مسيرها تخلص، لكن العشرة هي اللي بتدوم"، أليست معرفة الناس كنوز. في النهاية الإنسان سيرة، والفنان قدوة، لذا لابد أن يبقى على قدر المسئولية، ولا تخذل من اتخذك قدوة له، حتى وإن كان شخص واحد فقط، على الأقل "يفتكرك في الدنيا لما تتنقل لدنيا تانية، اللي قبلنا أكبر مثال لنا".