إذ اجتمعت للفيلم عناصر النجاح، كان أولها تفرده كفيلم إثارة وتشويق، مضفر مع قصة رومانسية، ورؤية تتجاوز أجواء الإثارة إلى مستوى أعمق، في محاولة استكشاف تناقضات الحياة والبشر. الفيلم حلقة جديدة لتعاون السيناريست محمد حفظي والمخرج طارق العريان، بعد «السلم والثعبان وتيتو»، كما يعيد مني زكي للسينما بعد غيابها لسنوات. هو السيناريو الثالت لحفظي الذي يطرح في السوق، خلال ثلاثة أشهر، سبقه «وردة» للمخرج هادي الباجوري، نوفمبر الماضي، والإماراتي «من ألف إلى باء» للمخرج علي مصطفى، الذي يعرض في القاهرة حاليًا. «وردة».. رعب، والإماراتي فيلم رحلة على الطريق لثلاثة شباب عرب مختلفي الجنسيات عبر عدة دول عربية، وصولًا إلى الإثارة والتشويق في «أسوار القمر». اسم الفيلم، أسوار القمر، يعكس حكاية يرويها «رشيد» نقلًا عن والده، عن الأحبة الذين يموتون ويرحلون خلف أسوار القمر، ويمكن مناجاتهم حين يظهر القمر. «رشيد»، شخصية درامية، عاشق مفرط في كل ما يفعله، في اختياره أن يهرب بحبيبته لجزيرة كان قد حكى ل«زينة» عنها قصة اشتهرت بها عن عاشقين لم يتمكنا أن يعيشا معًا، فذهبا إليها وانتحرا فيها ليظلا معا، ونكتشف في النهاية أن صراعه واختطافه «زينه» كان هدفه الوحيد البقاء معها، ولو بالموت في تلك الجزيرة. ترفض الحبيبة الانتحار معه، فيتركها ليغرق وحده وتصمد حتى انقاذها وزوجها أحمد/ عمرو سعد، لتبقى أصداء تجاربها تنهل منها لتكتب روايتها الأولى، وهي تتعلم أن تشكر القدر على ما مرت به من مآسي، علمتها إدراك قيمة ما تملكه، أكثر من الأسي على ما فقدته. حافظ المخرج على قدر كبير من الإثارة، حيث تدور الأحداث خلال ليلة واحدة، ما مكنه من خلق حالة من الغموض بتضافر اللونين الأسود والأزرق. عبر الفلاش باك، يفصح السيناريو عن مفاجأته ويتطور محافظًا على غموضه، اعتمادًا على الحالة الصحية ل زينه/ مني زكي، الكاتبة الشابة الكفيفة التي تصاب بفقد مؤقت للذاكرة يدوم ساعات، تكفي لنستكشف قصتها، فيما تتواصل لعبة الغموض، لأننا نتابع ما يحدث في القصة من خلال إدراكها لما حولها، ونذهب معها فى رحلة استكشافها لما يحدث لها وحولها، تستفيق من إغماءها لتدرك فقدانها للبصر، وتجد رجل لا تدرك كنه علاقتها به يوجهها في مطاردة مع آخر يتقاتلان، ولا تدرك علاقتها بهما، فتصدق الأول حين يقنعها أنه زوجها أحمد/ آسر ياسين، ويطلب منها أن تسمع قصتها التي سجلتها على تليفونها المحمول، لنعود فلاش باك معها لقصتها مع الرجلين المتصارعين على حبها. أحمد، خطيبها الأول، العطوف المتزن الذي يتركها حين يشعر بانجذابها الصامت لرشيد، ويجرحه أنها لا تحبه كما يتمني، وتتزوج رشيد، المغامر الجذاب الذي يغرق في دوامة المخدرات وتعذبها غيرته وعنفه وهوسه بتملكها حتي يتسبب في حادثة تصاب فيها وتفقد بصرها، ويصاب في قدمه ويدخل مصحة للعلاج من الإدمان، فتخلعه. بعدها تلتقي خطيبها الأول وتتزوجه، وتبدأ أحداث الفيلم بهروب زوجها الأول من المصحة، ويطاردها هي وزوجها الجديد في الغردقة، ويخطفها إلى مركب فخم، يحمل اسمها، لندرك مع بدايات استعادتها التدريجية لذاكرتها أنها خلطت بين زوجيها، وأن من تصورت أنه أحمد ليس سوى رشيد، نراهما بإدراكها هي ووفق ذاكرتها، فيتبادل آسر ياسين وعمرو سعد الأدوار، فمن عرفناه في الجزء الأول من الفيلم كأحمد – آسر ياسين.. يتضح أنه رشيد، وعمرو سعد.. نكتشف أنه أحمد في النهاية. كان يمكن أن يكون هذا الغموض والتداخل وانقلاب الأحداث مربكًا، لولا أنه مبرر بحالة الاضطراب النفسي والتشويش لدي زينة، بسبب فقد البصر والذاكرة واستعادتها تدريجيًا بسماع قصتها وبمرور الوقت، الأهم أنها من خلال سردها المبرر دراميا تصل إلى المستوي الثانى لوعيها، لتكتشف كم كانت وهي مبصرة مفتقدة الوعي والإدراك السليم، فيما صارت ترى وتفهم الناس والأحداث أفضل كثيرًا بعد فقد البصر، وتتصالح مع فكرة أننا نتعلم من آلامنا ومن الفقد، وتجد القدرة لتكتب روايتها الأولى/الحلم الذي كانت تعجز عن تحقيقه وهي مبصرة. سيناريو جاذب لأنواع مختلفة من الجمهور، بمستويات إدراك وخطاب متعددة، كتب حفظي قصته مع السيناريو والحوار، واختار الاستعانة بلمسة السيناريست تامر حبيب في الجزء الخاص بسرد زينه لحكايتها. سيناريو يمثل نموذجًا لأفلام لا تتأثر سلبًا بتأخير العرض أو الوقت الطويل لتنفيذها بإتقان. كعادة حفظي، ينجح في تقديم عمل مثير لا يخلو من العمق واللمسة الرومانسية لعلاقة الحب، بإيقاع شديد الانضباط فلا نغرق في تنميط حالة "غرام وانتقام"، في علاقة رشيد بزينة، ولا في نمط العلاقة الثلاثية التقليدية في علاقات شخصياته الثلاث، فيما يركز على ثلاثية أخرى عن الحياة والموت والحب، هي جوهر علاقات شخصياته. تتيح الأفلام التي تكاد تنحصر مشاهدها في شخصياتها الرئيسية الثلاث، مباراة في التمثيل، وهو اختبار نجح فيه الثلاثة: مني زكي.. باحساس ووعي عالي بتناقضات الشخصية الداخلية، وآداء رائع لآسر ياسين، وجيد لعمرو سعد، الذي أفلت من حالة التنميط التي سادت أدواره لاحقًا، فيما استغرق عنف صراع الزوجين مساحة كبيرة مجانية، خاصة مع الإثارة التي حققتها حالة الإزدواجية لشخصيتيهما، وثنائية شخصية زينة نفسها، وسمح كونها أديبة، بتأمل ظلال كثيرة في الشخصيات الثلاث، من خلال وجهة نظرها عنها، وإعادة قراءة الأحداث والشخصيات عدة مرات، بمستويات مختلفة من الوعي والإدراك تبعًا لتطور شخصيتها التي تنضجها التجارب القاسية. رغم ما تعرض له الفيلم من عقبات إنتاجية عطلت استكماله وعرضه مرات عدة، إلا أن المخرج طارق العريان، نجح في حشد فريق متميز، بدءً من نجومه الثلاثة إلى التصوير المميز، لنزار شاكر وأحمد المرسي، ومونتاج ياسر النجار، وموسيقي هشام نزيه. وأدار العريان فريقه بحرفية كبيرة ونجح إلى حد كبير في تقديم فيلم إثارة وتشويق، مكتمل العناصر يجمع بين حيوية الإيقاع وجمال الصورة وتماسك البناء.