طال انتظار الجمهور لمشاهدة فيلم أسوار القمر، لأكثر من أربعة أعوام، ارتفعت فيها التوقعات، لدرجة كبيرة، وخاصة أن الأسماء المشاركة في الفيلم لايستهان بها، ولكل منها مكانته وقيمته في عالم السينما، طارق العريان مخرج له بصمة خاصة، ارتبط اسمه بأفلام قليلة ولكن جيدة مثل الإمبراطور والباشا "أحمد زكي"، تيتو "أحمد السقا"، السلم والثعبان " هاني سلامة وحلاشيحة"، أما نجوم فيلم أسوار القمر، فهم مني زكي ، وهي واحدة من أهم نجمات السينما اللائي ظهرن مع بداية الألفية الثالثة، ومع ذلك فهي لم تلعب أدوار البطولة المطلقة إلا في ثلاثة أفلام فقط "من نظرة عين" واحكي ياشهرزاد "يسري نصر الله"، ولاد العم "شريف عرفة"، آسر ياسين فقد قفز في سنوات قليلة ليصبح واحدا من أهم النجوم الشبان في السنوات الخمس الأخيرة، ومعهما عمرو سعد، وهو وجه مطروح في السينما والتليفزيون بغزارة، وإن كانت شخصية البلطجي العشوائي هي المسيطرة علي معظم ماقدمه حتي الآن، سيناريو أسوار القمر شارك في كتابته محمد حفظي مع تامر حبيب، وطارق العريان، ممايعني أننا أمام فيلم توافرت له معظم عوامل النجاح، ويحمل في طياته طموحا فنيا ورغبة في الخروج من الدوائر المغلقة التي تدور فيها معظم موضوعات الأفلام المصرية، ولكن الطموح وحده لايكفي!.. طوال مشاهدة أحداث الفيلم، أكيد دار بخلدك هذا السؤال، لماذا أستغرق إنتاجه وخروجه للنور كل هذه الأعوام؟ هل الأمر له علاقة بصعوبة تقديم بعض مشاهد الأكشن والصراع داخل لانش بحري يحترق، ويغرق بعد أن غمرته المياة وهددت كل من فيه؟ لا أعرف إن كان هذا أحد الأسباب أم هناك عوامل أخري، علي أي حال هذا يذكرنا بما حدث مع فيلم القطار الذي قدمه المخرج أحمد فؤاد في الثمانينات، حيث كان تصوير أحد المشاهد يتطلب وجود طائرة هليوكوبتر، تقوم بإنزال فريق إنقاذ فوق سطح قطار ينطلق بسرعة، بلاسيطرة، بعد مقتل السائق، مما يهدد بكارثة تصادم القطار الذي يحمل مئات المسافرين، وقد تعطل تصوير الفيلم لأكثر من عامين، لصعوبة الحصول علي إذن باستئجار طائرة هليوكبتر حيث كان الأمر يحتاج الي عدة تصاريح أمنية، وأعتقد أن الأمر لايزال قائما حتي الآن، ولكن فيلم "أسوار القمر" ليس به مشاهد، تحتاج لصعوبة في تنفيذها، حتي يتأخر تصويره وظهوره للمشاهد لمدة أربعة أعوام، كان لها تأثير علي حجم وشكل نجومه إلي حد ما! تبدأ أحداث الفيلم بداية مثيرة، تضع المشاهد في حالة توتر، وانتباه، حيث نتابع صراعا واقتتالا بين رجلين، هما أحمد"آسر ياسين"، ورشيد "عمروسعد"، وبينهما امرأة شابة هي زينه"مني زكي"، فاقدة للنظر، لاتعرف كيف ينتهي القتال ولمصلحة من، ثم تكتشف بعد قليل، عندما ينجح أحمد"آسر ياسين"، في الهرب بها بعيدا عن خصمه، وكأنه يحميها منه، إنها أيضا تعاني من فقد الذاكرة، ولاتعرف حتي حقيقة علاقتها بأي من الرجلين! طبعا بداية مشجعة تحوي ما نطلق عليه براعة الاستهلال، ولكن بعد ذلك تتكشف الأمور، بالتدريج، حيث تبدأ زينة "مني زكي" عن طريق تسجيل صوتي، علي الموبايل تحكي قصتها، وطبعا لابد وأن تتساءل بما أنها فاقدة للذاكرة، فمن الذي أملاها هذه المعلومات عن حياتها، وعلاقتها بالرجلين، ولكن عموما، فنحن أمام معطيات ومعلومات تفيد، بأن مني زكي صحفية وكاتبة لمقالات، طبعا لم نعرف كيف وأين تعمل، ولم نشاهدها حتي تكتب سطرا في ورقة، ولا علي كمبيوتر، ناهيك عن بقية الأبطال الذين لانعرف لهم عملا ولاجذورا اجتماعية، مجرد شخصيات معلقة في فراغ، المهم أن مني زكي، مخطوبة لأحمد "آسر ياسين"، ولكنها لاتشعر نحوه بالحب واللهفة، هو بالنسبة لها مجرد شخص مناسب للزواج، ومع ذلك تتهرب من الموافقة علي موعد لتحديد الزواج، ويستوعب أحمد أنها لاتريده، فينسحب من حياتها ويصاب بحالة اكتئاب، ويعلن خطبته علي فتاة أخري، أما زينة فهي تعيش حياتها بحرية وانطلاق، وتلتقي برشيد "عمرو سعد" وهو شاب بوهيمي، يمتلك لانشا بحريا يستخدمه في السياحة، وتقضي زينة مع رشيد أوقاتا مرحة، تربطها به، ولكنها لاتستوعب أنه يسحبها إلي رمال متحركة، نتيجة تعاطيه المخدرات وإدمانه لها، ومع ذلك تتزوجه، وتتحول حياتها إلي جحيم دائم، كلما سعت للهرب منها، جاء ليستعطفها ويبكي بين يديها، بل ويحاول الانتحار، فتقرر أن تهرب منه وترفع قضية خلع، فتثور ثائرته ويعتدي عليها فتصاب بالعمي وفقد الذاكرة!! ويعود أحمد للظهور في حياتها وتستنجد به، لإنقاذها من براثن زوجها المدمن الذي أصبح يشكل خطرا علي حياتها، فيساعدها أحمد علي الهرب منه، ولكن رشيد يلاحقهما، ويشتبك الرجلان في قتال رهيب! هذه المعلومات تستعيدها زينة من خلال تسجيل بصوتها علي الموبايل، وحتي هذه اللحظة تبدو الأحداث واضحة ومفهومة، ومنطقية إلي حد ما، إلا أن إنقلابا دراميا، حاداً، يحدث، عندما نكتشف أن الحقيقة غير ماكنا نتابعه، وأن آسرياسين هو الذي يعاني من الإدمان، وهو الذي يشكل خطرا داهما علي زينة، أما رشيد أو عمرو سعد فهو العاشق النبيل الذي يحاول أن يخلصها من قبضة زوج مدمن ومهووس! من أين حدث هذا اللبس والارتباك، ولماذا ؟ في الأفلام التي تدور في إطار من الغموض، والتوتر، مثل أفلام هيتشكوك في الخمسينيات والستينيات مثلا، وأفلام الأخوين كوين، في التسعينيات وحتي اليوم، لابد أن يقدم لك الفيلم تفسيرا لهذا الغموض، بحيث لاتنتهي الأحداث وأنت لاتعرف مقدار الخيال من الحقيقة فيما تشاهد، وهل هذا الانقلاب في تركيب الشخصيات، حدث نتيجة لخلل ما في كتابة السيناريو، أم هو خلل في إدراك أحد أطراف الصراع لحقيقة الأمور؟ زينة قد تكون فاقدة للذاكرة، ولكن أكيد أن ما سجلته بصوتها، كان أثناء فترة تمتعها بالذاكرة، وبقواها العقلية، فلماذا قلبت الأحداث رأساً علي عقب؟ وكأنها تقصد تضليل المشاهد، علي أي حال يبقي أن نقطة الضعف في الفيلم هو السيناريو، أو العمود الفقري لأي فيلم سينمائي، ربما يكون المخرج طارق العريان قد اهتم، بتقديم فيلم مبهر بصريا "بمنطق السينما المصرية" يتخلله مشاهد اقتتال، وغرق لانش بحري، وانفجارات وانقلاب سيارات، أكثر من اهتمامه بمدي منطقية الحكاية، فحتي أفلام الخيال العلمي لابد أن تقوم علي منطق ما، أما عنصر التمثيل فربما يكون آسر ياسين هو الأعلي والأكثر تأثيرا في الحالتين سواء وهو الشخص الرومانسي أو في حالة كونه متوترا عنيفا ومصدرا للخطر، أما عمرو سعد فربما يحسب له أنه سعي لأن يكون مختلفا عما سبق له تقديمه، مني زكي كانت بلاشك أفضل في احكي ياشهزاد! موسيقي هشام نزية، ومونتاج ياسرالنجار، وتصوير أحمد المرسي، من العناصر التي أضافت قيمة للفيلم، لتعوض غياب المنطق وضعف الحبكة الدرامية.