تصوير : محمد حكيم على إذاعة القرآن الكريم ومع دقات السابعة صباحا اعتاد التواجد داخل مربع محله القديم المحتضن تاريخ حرفة ورثها أباً عن جد، يبعث بتقاليع وروح من بقايا الزمن الجميل اعتادها أهالي دربه ومنطقته منذ نحو نصف قرن، يعرفونه تمام المعرفة، فوجوده بات جزءًا من حياتهم ويومهم. «بيت النار»، و«مصطبة الكي»، أدوات حرفته «مكواة رجل»، علامات يضعها على ملابس الزهاد ببصمة «جمال»، لا يمحى أثرها، فمكواة حديد صلب تعمل وفق نسق حركي «رايح جاي» بلغة انسجام البشر والآلة، وآثار بخار يستنشقها أهالي شارع «الجسور» ذات الطابع المميز المحفور فى ذاكرة ووجدان أهالي مدينة المنيا. موجة الصقيع، لم توقف بخار مكواة «عم جمال» البالغ 60 عاما، غير أن «زعابيب أمشير» وضعت لليوم الثاني علي التوالي أقفالها الحديدية على بوابة المحل التراثي، بسبب العاصفة الترابية والرياح الشديدة بمحافظة المنيا. لم يكن إغلاق «عم جمال» لمحله واقعا هينا في نفوس أهالي منطقته، جميعهم تسائلوا عن السبب، وراودتهم الشكوك، لتنهال الاتصالات الهاتفية بجمال، وبعد أن اطمئنوا على حاله وصحته، امتلء منزله على آخره بالزوار كما الحال أثناء تواجده بمحله، وهو ما أكده أهالي منطقته ل«البديل». وقال صاحب محل البقالة المجاور «سامح شعبان»: عم جمال راجل بركة وطيب وبعتبره نفحة من زمن أبويا وسيدي, ما فيش حد في المنطقة ما يعرفوش ولا يحبوش، ولما تشوف كلامه ومعاملته للناس وتعبه في شغله عشان ملاليم هتقول الدنيا لسه بخير. والتقط «عم رضوان» العجوز طرف الحديث ليصف صاحب محل المكواة بأنه رمانة ميزان المنطقة إذا غاب اختل الميزان، على حد وصفه، قائلًا إنه وبرغم ظهور أساليب الكي الحديثة إلا أن الملابس الجديدة تحتاج لمكواة الرجل لتفردها وتهندمها، خاصة مع أول مرة كي، لأنها تحدد خطوط الكي، حتى أن تكرار مرات التنظيف لا تمحو آثارها. «عم جمال» قال في مداخلة هاتفية ل«البديل» إن العاصفة الترابية منعته من العمل، لتأثيرها على الملابس النظيفة، وبالتالي فضل المكوث داخل المنزل لحين إنتهاء موجة الطقس المحمل بالرياح، مستطردا : "اشتغلت في موجة الصقيع لأن المكواة وسخونتها كانت بتدفيني, لكن مع موجة التراب هشتغل ازاي؟". وبسؤاله عن مدى تضرره ماديا, أوضح أنه لن يتحمل إغلاق محله أكثر من 3 أيام لكونه مصدر الرزق الوحيد له وأبنائه الثمانية, وغنه من الممكن اللجوء لشراء لوازم المنزل من جيرانه وسداد مستحقاتها لاحقا, وقبل نهاية حديثه عبر عن سعادته باتصال أهالي منطقته وأصحاب المحال التجارية المجاورة له. محل مكواة الرجل لم يكن الوحيد المتأثر بالعاصفة, فبعض أصحاب المحال التجارية عمدوا غلق محالهم مبكرا، وبدت شوارع مدينة المنيا خاوية علي عروشها، وهو ما ظهر بقوة مساء الأربعاء, وصباح اليوم الخميس، ومن المرجح ألا يختلف المشهد مساء اليوم، لاستمرار العاصفة الترابية. كما تأثرت حركة الصيد وتوقف نشاط صيد الأسماك, بعدما تسبب الطقس في ارتفاع الأمواج بنهر النيل، وهروب الأسماك، وذلك بحسب تصريحات رئيس جمعية صيد الأسماك بالمنيا رجب عبدالحكيم. «أمشير» سادس شهر في السنة المصرية، أيامه من 8 فبراير وحتى 9 مارس فى التقويم الجريجورى, وهو ثاني شهر في البروييت -موسم النمو- في مصر القديمه, ارتبط اسمه ب«ميشير» إله الريح عند قدماء المصريين, كما ارتبط بانتهاء فيضان نهر النيل وبداية نبت كل أراضي مصر بالأخضر. واشتهر «أمشير» بهبوب الرياح القوية، وبرودة الجو الشديدة, وكانت الأمثلة الواصفة له «أمشير أبو الزعابير- إن هل أمشير اعجن من البير- أمشير يقول لبرمهات 10 منى خد و10 منك هات- الاسم لطوبة والفعل لأمشير».