تزامنا مع الاضطرابات السياسية والصراعات المتناحرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بات حتميًا تعزيز العلاقات الروسية المصرية ضرورة يفرضها الواقع الراهن أكثر من أي وقت مضى، فضلأ عن أن البلدين تجمعهما عدة عوامل مشتركة تسرع من عودة العلاقات لسابق عهدها، حيث بلغت ذروتها في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. تأتي الزيارة التي أجراها الرئيس الروسي فلادمير بوتين إلى القاهرة الأثنين والثلاثاء الماضيين والتي التقي فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي في إطار الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تواجهها روسيا على خلفية العقوبات الغربية بسبب موقفها من الأزمة الأوكرانية والتي وضعت موسكو في موقف اقتصادي صعب، بالاضافة إلى انهيار الروبل ووصوله إلى أقل مستوياته أمام الدولار خلال الأيام الماضية، كل ذلك يعجل من بحث روسيا عن موطئ قدم مناسب للخروج من تلك الأزمات، ما يعزز حديث الخبراء المصريين والروس حول ضرورة التعاون المشترك بين الدولتين. سعي مصر خلال الفترة الأخيرة إلى تنويع مصادر الأسلحة و إضافة شركاء جدد في محاولة للتوازن الخارجي بعد اتجاه القاهرة خلال الربع الأخير من القرن الماضي إلى المعسكر الأمريكي، وهو ما يعزز فرص زيادة التعاون بين روسيا ومصر، خاصة أن هناك اتفاقيات عسكرية تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى خلال الشهور الماضية بين البلدين، بالاضافة أن القاهرة تدرس إقامة مشروع نووي بتنفيذ روسي، حيث أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي، اركادي دفوركوفيتش، أن شركة "روس اتوم" الروسية تستعد للمشاركة في إقامة محطة نووية لتوليد الطاقة في منطقة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح شمال غربي مصر. هناك عوامل أخرى تجعل التقارب الحالي بين روسيا ومصر منطقي، ولا مفر منه، وهي قضايا المنطقة وفي مقدمتها الأزمة السورية، فالأحداث الجارية هناك وضعت روسيا ومصر في توافق مشترك، فالقاهرة بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم متزنة في سياستها تجاه سوريا حيث تتركز في إطار حل سياسي على عكس جميع دول المنطقة القريبة التي تطالب بحل عسكري للأزمة السورية وهو ما يعارضه الرئيس الروسي فلادمير بوتين، وبات التدخل الأمريكي في الشأن السوري ودعم بعضًا من المعارضة السورية بالسلاح يحمل في طياته انهيار سوريا وتحولها إلى "طالبان" الأمر الذي يثير مخاوف مصرية روسية مشتركة من حدوث ذلك. الأزمة الليبية ليست بعيده عن هذه القضايا أيضًا فالصراع الداخلي القائم في ليبيا منذ فترة ليست بالقليلة يؤرق البلدين، فالوضع الغير مستقر في هذا البلد الحدودي مع مصر يشكل بالنسبة لها تحديًا كبيرًا في مواجهة التدفقات الإرهابية من أفراد وتمويل وأسلحة تنقل عبر الحدود ما يتطلب جهدًا أكبر لتجفيف هذه المنابع التي تزيد من دعم وقوة الجماعات الإرهابية في مصر، ويقول مساعد الرئيس الروسي فلادمير بوتين إن الرئيسان الروسي والمصري تبادلا المشاروات في قضايا عديدة بالمنطقة أبرزها مواجهة تنظيم داعش الإرهابي ومكافحة الإرهاب في المنطقة بأكملها. تقول مصادر دبلوماسية إن هناك عوامل مشتركة كثيرة تسرع في تعزيز العلاقات المصرية الروسية مؤكدة أن روسيا تنظر لمصر على اعتبارها مركز صناعة القرار في الشرق الأوسط والبقعة الجيوستراتيجية الأساسية في المنطقة، مضيفة أن روسيا ترفض كافة مساعي نقل مركز الثقل التقليدي للمنطقة إلى الأطراف الأخرى، وهي تؤكد هذه النظرة في كل المناسبات. من هذا المنطلق فإن روسيا تؤيد عودة مصر بقوة إلى الساحة الإقليمية والدولية، وتدعم مشاركتها في كافة المبادرات بالمنطقة، وتقاوم أي محاولة لتهميش الدور المصري، وهو ما برز جلياً في الأزمة السورية وأزمة غزة والذي وصل للمطالبة بضم مصر للرباعية الدولية لتفعيل دور الأخيرة. وأضاف مصدر دبلوماسي أن تعدد زيارات مسئولي البلدين بين الدولتين وإجراء مباحثات عديدة ساعد في وجود تقاطع واضح بين أولويات الأمن القومي المصري وبين اهتمامات ومصالح الجانب الروسي في المنطقة، وهو أمر أسهم في إيجاد مساحة كبيرة مشتركة تلاقت فيها الرؤى حيال عدد من الملفات الإقليمية والدولية كالأزمة السورية وضرورة التوصل إلى حل سياسي لها، ومكافحة الإرهاب وارتباط الظاهرة باستمرار بؤر التوتر بالشرق الأوسط، وخطر تحول تلك البؤر إلى مصدر للإرهاب العابر للحدود، والقضية الفلسطينية وضرورة التوصل لتسوية شاملة وعادلة لها، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. شهدت العلاقات السياسية بين البلدين طفرة عقب ثورة الثلاثين من يونيو تمثلت في زيارة وزيرا الخارجية والدفاع الروسيين إلى مصر يوم 14 نوفمبر 2013، وزيارة وزيرا الخارجية والدفاع المصريين إلى روسيا يومي 12 و13 فبراير 2014، حيث تم عقد المباحثات السياسية بصيغة "2+2″، ما يجعل مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تبنت موسكو معها هذه الصيغة التي تتبناها روسيا مع خمس دول أخرى هي الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان، وهو أمر يؤكد على إقرار روسيا بالأهمية الإستراتيجية التي تحظى بها مصر في سياستها الخارجية.