أحدثت حركة "بيجيدا" جدلاً واسعا في الشارع الألماني بعد أن كانت تعيش على وقع التقهقر منذ انطلاقها، لكن حادث "شارلي إيبدو" الذي وقع في باريس مؤخرا جعل هذه الحركة تتلقى دفعة كبيرة وتتغلغل داخل الأوساط الشعبية الألمانية. الحركة المعروفة باسم "بيجيدا" أو "المواطنيين الأوروبيين المناهضين لأسلمة الغرب" هي حركة سياسية ألمانية متطرفة ضد المسلمين نشأت في مدينة "درسدن"، وتعتقد هذه الحركة بأنه "يجب طرد المسلمين من أوروبا نظرًا لعددهم المتزايد الذي قد يؤدي إلى أسلمة أوروبا مستقبلًا وتحولها إلى قارة ذات أكثرية إسلامية. تدعي "بيجيدا" أنها تدافع عن المبادئ "اليهودية – المسيحية"، فيما يتجنب برنامجها استخدام العبارات العنصرية، وتقول إنها تقف ضد "دعاة الكراهية مهما كانت دياناتهم"، وضد "التطرف دينيا كان أم سياسيا"، كما أنها تعارض "الأفكار السياسية المعادية للمرأة والتي تدعو للعنف" ولكنها ليست ضد "المسلمين المندمجين في المجتمع الألماني"، وتتحدى حركة "بيجيدا" ما تعتبره السياسات المفرطة في الليبرالية والتعدد الثقافي في ألمانيا. كانت الانطلاقة الأولى ل"بيجيدا" على هيئة صفحة في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أسسها شخص يبلغ 41 عاما يدعى "لوتز باخمان" وهو مجرم سابق تم إدانته بجرائم منها الاتجار بالمخدرات، ومع الوقت زادت أعداد مؤيدي الحركة بفضل شبكات التواصل الاجتماعي، وبدأت "بيجيدا" بعدها باجتذاب اليمينيين من أعضاء الأحزاب السياسية الألمانية الرئيسية. نجحت الحركة خلال الأسبوع الذي وقع فيه حادث "شارلي إيبدو" في استقطاب عدد كبير من المتعاطفين أكثر من أي وقت مضى، إذ وصل عدد الأشخاص الذين شاركوا في مسيرة للحركة إلى حوالي 25 ألف شخص، جابوا شوارع مدينة دريسدن، واستغلت الحركة المعادية للإسلام والمسلمين الفرصة من أجل تصوير الإسلام في صورة ديانة تتأسس على العنف، وتشكل تهديدًا لألمانيا، علاوة على تغييرها الغرب، ورفع المشاركين في تظاهرات الحركة شعارات منها "نحن الشعب". يدعي حشود المتظاهرين بأن "ألمانيا أصبح يسيطر عليها المسلمون، بالإضافة إلى عدد من الأجانب، الذين يعد تواجدهم السبب وراء المعضلات الاجتماعية التي تتخبط فيها البلاد، وكذا ارتفاع قيمة الضرائب، وتصاعد معدلات الجريمة، وتزايد المخاوف الأمنية، كما أنه يوجد عدد كبير من المسلمين الحاملين للجنسيات الأجنبية إلى درجة أن الألماني العادي يحس كأنه غريب في بلده"، ويتحجج هؤلاء بأنه إذا استمرت الأمور على نفس الوتيرة، سيفوق عدد المسلمين عدد الألمان بحلول العام 2035. وجه قادة وزعماء الأحزاب السياسية الألمانية التقليدية انتقادات لاذعة لحركة "بيجيدا"، وشارك عشرات الآلاف من الألمان في مظاهرات معاكسة للتعبير عن دعمهم للتسامح والتنوع، حيث شارك أكثر من 35 ألف متظاهر في مسيرة معارضة ل"بيجيدا" في درسدن في العاشر من الشهر الحالي في محاولة منهم لإثبات أن مدينتهم مدينة مفتوحة تؤمن بالتسامح. دانت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" احتجاجات حركة "بيجيدا"، وقالت إنه لا يجب إتباع هذه الحركة فيما تنادي إليه ونبذ أفكارها التي تدعو إلى الكراهية وتصدر أحكاما مسبقة، مؤكدة أن مساعدة كل من يسعى إلى ألمانيا كلاجئ أمر مسلم به، وصرحت "ميركل"، "بالرغم من وجود حرية للتظاهر في ألمانيا إلا أنه ينبغي للجميع توخي الحذر من استخدامهم كأداة من قبل أصحاب هذه الحركات مثل حركة "بيجيدا" مبرزة أنه لا مكان للتحريض والتشهير بمن يأتي إلينا من بلدان أخرى". في السياق ذاته، حذر وزير الاقتصاد الألماني "زيغمار غابريل" من أفعال حركة بيجيدا قائلاً، "علينا ألا نسمح بالتأليب ضد الأقليات والذي يمكن أن يؤدي إلى العنف"، وفي وقت سابق، طالب المستشار الألماني السابق، "غيرهارد شرودر"، المجتمع المدني والسياسيين في ألمانيا بموقف واضح ضد "بيجيدا" وانتقد الأحزاب السياسية لعدم القيام بدورها في التصدي لهذه الحركة. لم تلقَ "بيجيدا" ترحيباً كبيراً، ففي مدينه كولونيا تم إطفاء الأنوار في الكاتدرائية يوم 5 يناير 2015، احتجاجاً على تجمع أعضاء الحركة وتظاهرهم في المدينة في رسالة واضحة من الكنيسة ضد العنصرية والتعصب، كما أطفئت في مصنع سيارات فولكسفاغن في درسدن. من ناحية أخرى يعبر ممثلو المسلمين عن مخاوفهم من العداء المتزايد للإسلام، حيث قال عضو المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا "عبد الصمد اليزيدي"، أن "بيجيدا" ظاهرة جديدة تخيف الكثير من المسلمين في ألمانيا، ورأى أن هذه الحركة تدخل في إطار سياسة التخويف من الإسلام، والتي كانت ولا تزال منتشرة، وأشار خبراء ألمان ودبلوماسيون إلى أن حركة "بيجيدا" سعت مثل حركات يمينية أخرى عبر التاريخ، إلى استغلال الواقع القائم المتمثل في ملاحقة المتشددين، فضلا عن التوظيف السلبي لمخاوف الألمان عمومًا وذلك عبر تحقيق أهدافها المعادية للإسلام والأجانب. استقال زعيم الحركة "لوتز باخمان" خلال الأيام القليلة الماضية بعد إعلان السلطات بدء تحقيقات ضده تتهمه بالتحريض العنصري وبعد نشر صور له يشبه فيها بالزعيم النازي "أدولف هتلر"، وأعلن "باخمان" استقالته من جميع المناصب التي يشغلها بالحركة بما في ذلك رئاسة الحركة.