كنت مع أحد الأخوة فى نزهة فى الشوارع العتيقة وكنا نحكى عن سعى الإنسان وحال العالم، وفجأة تجمد وأنتبه كأنه صحا من غفلة وقال لى تعال ذلك ما كنا نبحث عنه وإذا به يقتادنى الى مجلس عزاء وإخترنا مقعدين وجلسنا وبعد فترة سألته من نعزى؟ إبتسم وقال نحن، بادلته البسمة وقلت له فى الظاهر وليس الباطن، قال لى أنه لا يعلم من صاحب المجلس، وكنت سأشرع الى فك طلاسم المشهد فعمد الى إسكاتى وقال يا مولانا إنصت وإستمع الى عهد السماء الى الأرض. بعد أن انتهى المجلس نهضنا ومشينا وسألته عن تفسير ما حدث، كيف تحضر الى مجلس عزاء لا تعرف أحد فيه؟ قال لى ببساطة هو ليس مجلس عزاء بل فى الحقيقة هو مجلس ذكر، مجلس تتلى فيه آيات الرحمن، وأنا أبحث دائماً عن تلك المجالس وأتردد عليها لأستمع الى القرآن، فلا يوجد مكان آخر يمكن أن يقدم هذا المعروف بل كثير من الناس يقيم مجالس اللهو والأفراح والمحرمات فى كل مكان وبأشكال مستفزه لا يحنو إليها إلا ذو باطن فاسد وللأسف قد أعتدنا عليه فصار العكس الذى هو الصالح مذموم ومكروه وغريب. كنا نتكلم أنا وصديقى عن الرواية التى تقول أن الله خلق آدم على صورته ونتباحث فيها ونحاول تحليلها فلسفياً، فالبعض من أهل المدارس المعرفية تناولوا الرواية بشكل ظاهرى فذهبوا الى أن صورة آدم وصورة الله متماثلتين بمعنى أن الله له يد وقدم ورأس لكنها ليست كمثل يد وقدم ورأس أدم بل غيرها، وهذا ما لا يقوله العقل عن الذات الإلهية فلهذا يذهب البعض الى رفض الرواية لكونها تخالف العقل، ولكن من واقع دراستنا نظرنا الى الرواية بشكل آخر ففرضنا أن الرواية صحيحة ولها مدلول مخالف للمظهر وموافق لمعانى اللغة بمعنى أن يكون لها تأويل. إن الرواية تتكلم عن صورتان، صورة الإنسان وصورة الله وأنهما متشابهتان. فلنتكلم عن ما تحملة صورة الإنسان من معان. الصورة هى الشكل الظاهرى لشئ ما، فأنت عندما تقع عينيك على إنسان فقد تصورته وأنطبع لديك تصوراً عنه، وعندما تتخيله فأنك تسترجع صورته مرة أخرى فى ذهنك، فهذا المقصود بالصورة الشكل الخارجى. فى الطبيعيات نتكلم عن الجواهر والأعراض عند الحديث عن الماهيات فنقول أن لكل موجود ماهية ما وتلك الماهية تنقسم الى جوهر به ذاتيات الشئ والى أعراض تطرأ عليه فى ظروف مختلفة، وعندما نتناول الجواهر نقسمها الى جسمانى ونفسانى وعقلانى، وعندما نتناول الجوهر الجسمانى نجده ينقسم الى مادة وصورة، والمادة هنا هى حيثية الإنفعال والصورة هى حيثية الفعل بمعنى أنه عندما يتأثر الإنسان بمؤثر خارجى فإن المادة تنفعل والصورة تفعل، المهم أن الصورة عند الإنسان هى حيثية الفعل، فالفعل هنا هو الظاهر من الإنسان وما يبدو منه. إستنتجنا حتى الآن أن صورة الإنسان هو أفعاله، فلنتناول ما تحمله صورة الله من معان. فى الإلهيات لا نعتبر أن للإله ماهية لإن كل من له ماهية هو فقير من ناحية الوجود أى يحتاج من يخرجه من العدم الى الوجود أى هو ممكن الوجود، ولإن الممكنية لا تجوز على الله فنسلب عنه الماهية لإن الوجود له واجب وليس ممكن، فلن نتكلم عن المادة والصورة هنا، فما هى صورة الله؟، بالرجوع الى معنى الصورة أى الشكل الظاهر نبدأ بالتأمل فى معنى صورة الله، هل هناك ما هو ظاهر من الله؟ هل هناك ما هو مرئى من الله؟ قد يقول القائل لا أبداً لا يوجد، لكن فى الحقيقة عندما ننظر بعين البصيرة وليس البصر فنجد أن هناك ما هو ظاهر من الله وما هو مرئى، إن هذا العالم الذى نمرح فيه هو من صورة الله، كل ما يحيط بنا بداية من الرحم المقدس الى القبر هو محضر الله سبحانه، كل العالم محضر الله وهو ما نستدل به على وجوده، فعندما ينظر الناظر الى العالم بنظامه وكماله وإبداعه يدرك وجود ما وراء لهذا العالم ناظم وكامل ومبدع و كل ما حولنا هو صور تدل على وجوده، هذا الذى يحيط بنا من جمال وكمال هو صورة الله. نعود الى روايتنا "إن الله خلق آدم على صورته" ونستدل على معناها من ما اوردناه من مقدمات أن الله عندما يخلق فهو يخلق الشئ على أحسن ما يكون وأنه خلق الإنسان على أحسن ما يكون بأن جعله فى فطرته محباً للجمال والكمال الذى هو مظهر الله، وأن الإنسان الكامل الجميل يكون فعله مطابق بفعل الإله وإذا خرج عن هذا كانت أفعاله ناقصة قبيحة، أن الإنسان لابد وأن تكون أفعاله كلها فى طول الإرادة الإلهية وليس بالتعارض معها، فهذا هو العدل أن يعمل بعمل العادل وبهذا يكون التناغم فى الكون والطبيعة وليس كما حدث عندما حاد الإنسان عن الخطة الإلهية ففسدت الأرض وسالت فيها الدماء. فأى إنسان يفعل بناء على ما ينفعل به، فلو كانت مادة الإنسان أو بمعنى آخر ما يستقبل لديه المؤثرات الخارجية شيطانى فأفعاله ستكون شيطانية وإذا كانت مستقبلاته أو مادته إلهيه فأفعاله ستكون إلهيه، لذا نجد علوم الأخلاق والتزكية تهدف لمعالجة "المستقبلات" لدى الإنسان الذى هو تزكية النفس، فالإنسان مهما إستمع للكلام الإلهى فلن ينفعل به لإن الموجه مختلفه فتجد شخصاً كصاحبنا يستمع لكلام الله ويتجه إليه وشخصاً آخر يستمع الى الموسيقى ويتأثر بها ولا يحدث فيه هذا الأثر من القرآن مثلاً. فى النهاية نربط بين ما أدركناه من المعانى بالآيات فى مقدمة سورة البقرة التى تتكلم عن إرادة الله فى وضع خليفة له فى الأرض ونقول أن خليفة الله فى الأرض هو من كانت صورته هى صورة الإله، والله أعلم.