في تطور جديد للمشهد التونسي بعد مرور 4 سنوات على ثورة الياسمين التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، قدم رئيس الحكومة التونسي المكلف الحبيب الصيد أمس تشكيلة حكومة "كفاءات وطنية" إلى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، لا تضم أسماء من حزب "حركة النهضة" صاحب ثاني أكبر كتلة نيابية في البرلمان مما يثر تسأولات هل سيعيد السبسي عهد الحزب الواحد؟. وتعتبر أول حكومة يتم تشكيلها في عهد الرئيس باجي السبسي والذي لا يمر على انتخابه كرئيس للدولة التونسية سوى شهر تقريبًا، وترى المعارضة المناهضة لهذه الخطوة أن تقدم الصيد بهذه الحكومة يؤكد على إقصاء الطرف الآخر وإعادة بناء الحزب الأوحد ويعيد الذاكرة للرئيس المخلوع زين العابدين بينما يرى المؤيدون لهذه الخطوة أن هذه الحكومة هي مبنية على الكفاءات الوطنية واختيارها جاء بعد مشاورات عديدة بالإضافة أن حركة النهضة أبديت عدم رغبتها في المشاركة بهذه الحكومة. ملامح الحكومة التونيسية وأعلن الصيد في مؤتمر صحفي أن الحكومة المقترحة هي "حكومة كفاءات وطنية" وأنه اختار أعضائها بعد إجراء "لقاءات ومشاورات مكثفة مع ممثلي الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني". و تضم الحكومة شخصيات سياسية وإدارية ومن المجتمع المدني ومن أهل الخبرة والاختصاص وقال الصيد "برنامج الحكومة نابع من برنامج حزب نداء تونس ومقترحات الأحزاب الأخرى والمنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني". وتضم أول حكومة في عهد الجمهورية الثانية في تونس 24 وزيرًا و15 كاتب دولة (وزير دولة) منهم 9 نساء (3 وزيرات و6 كاتبات دولة)، وأسند الصيد عدة حقائب وزارية إلى منتمين ل"نداء تونس" أبرزها الخارجية التي كلف بيها الطيب البكوش الأمين العام للحزب. وأسندت حقائب الداخلية إلى محمد ناجم الغرسلي الوالي (محافظ) الحالي لولاية المهدية، والدفاع إلى فرحات الحرشاني الأستاذ بالجامعة التونسية ورئيس "الجمعية التونسية للقانون الدستوري، و"العدل والشؤون العقارية" إلى محمد صالح بن عيسى، والمالية إلى لسعد زروق الرئيس المدير العام الأسبق ل"الصندوق الوطني للتأمين على المرض". ولم تضم الحكومة أسماء منتمين الى حركة النهضة، او"الجبهة الشعبية" (ائتلاف احزاب يسارية) وحزب "آفاق تونس" (ليبيرالي) التي حلت على التوالي في المراكز الثانية والرابعة والخامسة في الانتخابات التشريعية التي اجريت في أكتوبر 2014. وتملك حركة النهضة 69 مقعدا في البرلمان، والجبهة الشعبية 15 مقعدا وآفاق تونس 8 مقاعد. وبحسب الدستور التونسي الجديد للجمهورية الثانية يتعين على الحكومة التي اقترحها الحبيب الصيد الحصول على ثقة "الاغلبية المطلقة" من نواب البرلمان أي 109 من إجمالي 217 نائبا. ولا يملك حزب نداء تونس (86 مقعدا) الأغلبية المطلقة التي تؤهله تشكيل الحكومة بمفرده، لذلك يتعين عليه التحالف مع أحزاب أخرى لبلوغ هذه الأغلبية. خلافات داخل نداء تونس تباينت الآراء خلال الأيام الماضية داخل أروقة الحزب الحاكم حول مشاركة حركة النهضة من عدمها، حيث تناولت الساحة السياسية والإعلامية هذه القضية يجدلا واسعا ، وبرز هذا الجدل داخل نداء تونس من خلال وجود تيارين متباينين. يرى الأول أنه ليس هناك مانع في تشريك النهضة، ويتمسك بأن تكون الحكومة القادمة ذات أغلبية برلمانية مريحة، ولا تقصي أيا من المكونات السياسية، حتى تكون قادرة على حماية الوحدة الوطنية، والقيام بإصلاحات كبيرة لا يمكن أن تمر في ظل وجود النهضة في المعارضة، وهي التي تحوز على "الثلث المعطل" في البرلمان. في المقابل، يتمسك جزء كبير من قيادات "نداء تونس" بضرورة عدم تشريك "النهضة" في الحكومة، معتبرين ذلك في حالة حصوله يعد بمثابة "خيانة" للناخبين الذين صوتوا للنداء من أجل إقصاء النهضة من الحكم ويتمسك أصحاب هذا الرأي بأن مكان "النهضة" الطبيعي هو المعارضة.