سببت تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي، في ذكرى المولد النبوي عاصفة من التفاعل معها سواء بالرفض أو بالقبول، بين بعض أنصار الإسلام السياسي الذين رأوا في التصريحات نقدا لثوابت دينية وإلصاق تهمة الإرهاب بالمنتمين للديانة الإسلامية، وبين عدد من التنويريين أعجبهم الخطاب ورحبوا بالموقف، واعتبروه اتجاها نحو دولة علمانية جديدة في المنطقة. بعيدا عن اتفاقي أو اختلافي الشخصي مع نص الخطاب، يبقى الخطاب هو مجرد كلمات قلائل ربما تحمل أكثر من معنى، وتحمل من التساؤل أكثر مما تحمل من التقرير والتصريح، فالخطاب يدفعنا إلى البحث عن رؤية الرئيس الحقيقية لمظاهر تدين المجتمع وللخطاب الديني ولتيار الإسلام السياسي. بالطبع، لتكون فكرة عن هذه الرؤية ثم تبدأ في نقدها ومن ثم تحديد موقف منها يجب أولا أن تجد الرؤية موجودة في برنامج سياسي، وهو مالم يحدث أساسا، فالرئيس لم يقدم برنامجا انتخابيا قبل الانتخابات ولم يقدم برنامجا رئاسيا بعد جلوسه على كرسي الحكم، ولا يتبقى أمامنا سوى البحث في التصريحات الصحفية والجمل المستترة في الخطابات وبعض التسريبات ثم مقارنتها بأداء السلطة التنفيذية. تصريحات الرئيس بخصوص تجديد الخطاب الديني لم تختلف في شيء عن تصريحات مبارك بخلاف خطابه الأخير بالحديث صراحة عن ثورة دينية وإسقاط القدسية عن النصوص التي تهدد غير المسلمين في العالم. ويبرز تساؤل هنا، هل يحق للرئيس توجيه شيخ الأزهر الذي من المفترض كفالة الدستور لاستقلاليته حول أي موضوع؟، واذا كان الرئيس يطرح رؤية الدولة فهل تظهر هذه الرؤية على باقي مؤسسات الدولة أم أن الرئيس يتحدث عن رؤية شخصية تخصه وتوجيهاته هي مجرد نصائح؟. فمؤسسات الدولة موقفها واضح، لازال الفكر المسيطر على أغلب رجال الدين في مصر هو الفكر السلفي الوهابي حتى بين الأزهريين أنفسهم، ولم تتحرك وزارة الأوقاف ضد أي من دعاة التطرف فوق المنابر ولكنها تحركت ضد كل من تحدث بسوء عن النظام الحاكم. وإذا كان سيادته يريد ثورة دينية فليعلم أنها ستقوم أولا ضد رجال سياسة الدين ودين السياسة ممن يستخدمون الخطاب الديني لإثبات صحة مواقفهم السياسية، وربما كان أول مسمار ضرب في رؤية الرئيس هو ما قام به بنفسه يوم 3 يوليو واستحضار شيخ الأزهر وبابا الكنيسة. كما أن الحليف الرئيسي للنظام حاليا هو راعي التطرف الديني في المنطقة، وتصريحات الرئيس نفسه اعتبرت ملك الوهابية السعودية حكيم العرب، فهل يرضى الحكيم عن ثورة دينية ضد وهابيته التي تجعله يتحكم في مصائر الملايين؟. ولن ننسى أيضا أن الدعوة السلفية الأكثر تطرفا في مصر في حالة تماهٍ مع النظام الحاكم، ولا تعتبرها الدولة تنظيما متطرفا ولا تحظر أنشطتها، ولا تجد في فكرها خطرا على السلم الاجتماعي والأمن القومي. وتذكروا أنه قبل أن يقوم الأزهر بتجديد خطابه الديني ارفعوا أيديكم عنه حتى يحدد ماهية الخطاب الذي من المفترض أن ينتهجه، وامنعوا عن شيوخه أموال الخليج التي تعمي أعينهم، وطهروا مكتبة الأزهر من كتب المنحة السعودية التي تقدم للخريجين وتحمل معها السم الوهابي فتمسخ عقولهم.